بتـــــاريخ : 11/3/2010 10:52:54 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1101 0


    الحلق أو التقصير

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : موقع مناسك | المصدر : www.mnask.com

    كلمات مفتاحية  :


    الحلق أو التقصير

     

     

    الحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين، والصلاة والسلام على البشير النذير محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام وسلم كثيراً إلى يوم الدين.

     

    أما بعد:

     

    أيها المسلم الحبيب: يعتبر الحلق أو التقصير نسكاً من الأنساك، وعبادة من العبادات، وهو طاعة وقربة إلى الله تعالى، لهذا كان لا بد على كل حاج لبيت الله الحرام معرفة أحكامه، وإليك أيها المسلم بعض هذه الأحكام:

     

    أولاً: وجوب الحلق أو التقصير:

     

    لا خلاف بين أهل العلم في مشروعية الحلق والتقصير في النسك، والأصل في ذلك قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ ومُقَصِّرِيْنَ}(الفتح:27)، وفعله صلى الله عليه وسلم، وإنما الخلاف بين أهل العلم في حكمه من حيث الوجوب والركنية على قولين:

    القول الأول: وجوب الحلق أو التقصير وهو مذهب جمهور العلماء، من الحنفية1، والمالكية2، والحنابلة

     

    3، فإذا تركه جبره بدم.

    القول الثاني: أن الحلق أو التقصير أحد أركان الحج والعمرة، فلا يصحان إلا به، ولا يجبر تركه بدم، وهو المشهور من مذهب الشافعية

     

    4.

     

    ثانيا: أيهما أفضل الحلق أم التقصير:

    لا خلاف بين أهل العلم أن بحث هذه المسألة مختص بالرجال دون النساء، إذ قد أجمع أهل العلم على أنه لا يشرع الحلق للنساء، قال ابن قدامة رحمه الله: "والمشروع للمرأة التقصير دون الحلق، لا خلاف في ذلك، قال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم، وذلك لأن الحلق في حقهن مثله"

     

    5.

    ودليل ذلك ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير))6، كما أنه لا خلاف بين أهل العلم في أن من قصر ولم يحلق أجزأه ذلك، قال ابن قدامة: "قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن التقصير يجزئ، يعني: في حق من لم يوجد منه معنى يقتضي وجوب الحلق، إلا أنه يروى عن الحسن أنه كان يوجب الحلق في أول حجة حجها، ولا يصح هذا؛ لأن الله تعالى قال: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}(الفتح:27)، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رحم الله المحلقين والمقصرين))7. وقد كان مع النبي صلى الله عليه وسلم من قصر، فلم يعب عليه، ولو لم يكن مجزيا لأنكر عليه"

     

    8.

     

    وقد اتفقت المذاهب الأربعة على أن الحلق أفضل من التقصير؛ لأن الله قدَّمه فقال: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}(الفتح:27)، ولأنه فِعلُ النبي صلى الله عليه وسلّم فعن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلّم أتى منى، فأتى الجمرة، فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونَحَرَ، ثم قال للحلاق: ((خُذ))، وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يُعطيه الناس" رواه مسلم (2298)، ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين بالرحمة والمغفرة ثلاثاً، وللمقصرين مرة، رواه البخاري (1612)، ومسلم (2292).

     

    ثالثاً: مقدار الواجب:

     

    اختلف أهل العلم في القدر الواجب حلقه أو تقصير من شعر الرجل في النسك على قولين:

    القول الأول: أن الواجب التقصير أو الحلق من جميع الشعر، وبه قال المالكية9، والحنابلة10، واستدلوا بقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ }(الفتح:27)، ولفظ الآية عام في جميع الشعر، قالوا ولأن الحلق لجميع الشعر والتقصير هو بدل عن الحلق فيكون مثله، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم فسر ذلك بفعله فحلق من جميع رأسه، وبهذا القول قالت اللجنة الدائمة، والشيخ ابن عثيمين

     

    11.

    القول الثاني: أن الواجب حلق ربع الرأس، وأن من حلق أقل من ربع الرأس لم يجزه ذلك، وبهذا قال الحنفية

     

    12،  واستدلوا بالقياس على قولهم في مسح الرأس في الوضوء، فقد أوجبوا مسح ربع الرأس فأكثر.

    القول الثالث: أن أقل ما يجزئ حلق أو تقصير ثلاث شعرات وهو مذهب الشافعية

     

    13، واستدلوا بقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}(الفتح:27)، أي كحلقين شعر رؤوسكم ومقصرين؛ لأن الرأس لا يحلق، والشعر جمع، وأقل الجمع ثلاثة.

    وأما المرأة فبعد اتفاقهم على أن المشروع في حقها الحلق دون التقصير اختلفوا في القدر الواجب تقصيره من شعرها، قال النووي رحمه الله: "واختلفوا في قدر ما تقصره، فقال ابن عمر والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور: تقصر من كل قرن مثل الأنملة، وقال قتادة: تقصر الثلث أو الربع، وقالت حفصة بنت سيرين: إن كانت عجوزا من القواعد أخذت نحو الربع، وإن كانت شابة فلتقلل، وقال مالك: تأخذ من جميع قرونها أقل جزء، ولا يجوز من بعض القرون، دليلنا في إجزاء ثلاث شعرات أنهن مأمورات بالتقصير، وهذا يسمى تقصيرا "

     

    14.

    قال الشيخ ابن جبرين رحمه الله: "والمرأة تقصر من كل ضفيرة قدر أنملة، وقد كان النساء يجعلن رؤوسهن ضفائر (أي: قروناً) فقد يكون رأسها - مثلاً - ثلاثة قرون، أو خمسة، أو ستة: فتمسك كل قرن، وتقص منه قدر أنملة (أي: قدر خصلة من خصال الإصبع)، ويكون هذا هو التقصير في حقها"

     

    15.

     

    رابعا: زمان الحلق أو التقصير ومكانه:

     

    اختلف العلماء في زمان الحلق ومكانه على عدة أقوال:

    القول الأول: أن الحلق أو التقصير لا يختص بزمان ولا مكان، لكن السنة فعله في الحرم أيام النحر، ويوم النحر أفضل، وكرهوا تأخيره إلى خروج أيام التشريق، ولم يلزموا من أخر الحلق عن أيام النحر بشيء، وإلى هذا ذهب الجمهور

     

    16، واستدلوا بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}(البقرة: 196)، وجه الاستدلال قالوا: إن الله تعالى بين أول وقته ولم يبين آخره فمتى أتى به أجزأه كطواف الزيارة والسعي.

    القول الثاني: أن الحلق يختص بالزمان والمكان، فزمانه: أيام النحر، ويكون بعد الذبح، ومكانه الحرم، وإذا أخر الحلق عن أيام النحر أو حلق خارج الحرم فعليه دم، وبهذا قال أبو حنيفة، واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق في أيام النحر في الحرم فصار فعله بيانا لمطلق الكتاب

     

    17.

    كما أن من الحنفية من خصصه بالزمان دون المكان كزفر، ومن خصصه بالمكان دون الزمان كمحمد بن الحسن، وجعلوا على من لم يلتزم ذلك دم

     

    18.

    القول الثالث: أن الحلق يختص بزمان ولا يختص بمكان، فزمانه أيام النحر، ومن أخره عن وقته فيلزمه دم، وهذا مذهب المالكية

     

    19.

     

    خامساً: ترتيب الحلق مع أعمال يوم النحر:

     

    من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم النحر رمى ثم ذبح ثم حلق ثم طاف طواف الإفاضة، وقد اختلف العلماء في حكم ترتيب هذا الأفعال ومن جملتها تقديم أو تأخير الحلق أو التقصير على عدة أقوال:

    القول الأول: أن الترتيب واجب، فإذا قدم الحلق على الرمي أو الذبح، أو نحر القارن قبل الرمي فعليه دم، وهذا مذهب الحنفية

     

    20.

    واستدلوا أن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها، وكذا بقول ابن عباس رضي الله عنه: (من قدم شيئا من حجه أو أخره فليهرق لذلك دما)

     

    21.

    القول الثاني: أن الترتيب سنة تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولو ترك الترتيب فقدم أو أخر بعضها على بعض فلا حرج، ولا شي عليه، وهذا مذهب الجمهور من الشافعية22، والحنابلة23، وبعض الحنفية24، وداود الظاهري وغيرهم

     

    25، واستلوا بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه: فقال رجل لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال: ((اذبح ولا حرج)) فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ((ارم ولا حرج)) فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج))"رواه البخاري (83) ومسلم (1306)، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال: لا حرج" رواه البخاري (2306).

    القول الثالث: تقديم الرمي على الحلق وعلى الإفاضة واجب، فإن حلق قبل الرمي أو طاف للإفاضة قبله لزمه دم، بخلاف تأخير الذبح عن الرمي أو تأخير الحلق عن الذبح فمندوب، كتأخير الإفاضة عن الذبح، وهذا مذهب المالكية26، واستدلوا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وخصصوا فعل النبي بحديث الرجل الذي قال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال: ((اذبح ولا حرج)) فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ((ارم ولا حرج)) فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج))

     

    27.

    قال ابن قدامة رحمه الله: " فإن أخل بترتيبها (أي: من أعمال يوم النحر الرمي والنحر والحلق والطواف) ناسياً أو جاهلاً بالسنة فيها فلا شيء عليه في قول كثير من أهل العلم منهم الحسن وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والشافعي وإسحاق وأبو ثور وداود ومحمد بن جرير الطبري، وقال أبو حنيفة: إن قدم الحلق على الرمي أو على النحر فعليه دم، فإن كان قارناً فعليه دمان، وقال زفر: عليه ثلاثة دماء؛ لأنه لم يوجد التحلل فلزمه الدم كما لو حلق قبل يوم النحر، ثم قال رحمه الله: ولنا واستدل بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاءه رجل فقال:لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال: ((اذبح ولا حرج))، فجاء آخر فقال:لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ((ارم ولا حرج))، فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) رواه البخاري برقم (83)، ومسلم برقم (1306)، أي أنه لا شي على من قدم أو أخر لهذا الحديث"

    28.

    وقال العلامة ابن باز رحمه الله: "السنة في يوم النحر أن يرمي الجمرات، يبدأ برمي جمرة العقبة وهي التي تلي مكة، ويرميها بسبع حصيات كل حصاة على حدة يكبر مع كل حصاة، ثم ينحر هديه إن كان عنده هدي، ثم يحلق رأسه أو يقصره، والحلق أفضل. ثم يطوف ويسعى إن كان عليه سعي هذا هو الأفضل، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه رمى ثم نحر ثم حلق ثم ذهب إلى مكة فطاف عليه الصلاة والسلام، هذا الترتيب هو الأفضل: الرمي ثم النحر ثم الحلق أو التقصير ثم الطواف والسعي إن كان عليه سعي، فإن قدم بعضها على بعض فلا حرج، أو نحر قبل أن يرمي، أو أفاض قبل أن يرمي، أو حلق قبل أن يرمي، أو حلق قبل أن يذبح كل هذا لا حرج فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن من قدم أو أخر، فقال: (لا حرج لا حرج)"

     

    29.

     

    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "السنة إذا وصل إلى منى أن يبدأ برمي جمرة العقبة، ثم نحر الهدي، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف، ثم السعي، فإن قدّم بعضها على بعض فالصحيح أن ذلك جائز سواء كان لعذر كالجهل والنسيان؛ أو لغير عذر؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: كان يسأل في ذلك اليوم عن التقديم والتأخير فيقول: ((افعل ولا حرج)) رواه البخاري برقم (83) ومسلم برقم (2306)، وتأمل قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((افعل ولا حرج))، ولم يقل: ((لا حرج)) فقط، بل قال: ((افعل)) فعل أمر للمستقبل، أي: أنك إذا فعلت في المستقبل فلا حرج.

    وقال بعض العلماء المحققين كابن دقيق العيد وغيره: إن هذا إنما يكون لمن كان معذوراً؛ لأنه في بعض ألفاظ الحديث: "لم أشعر فظننت أن كذا قبل كذا"، فقال: ((افعل ولا حرج))، ولكن لما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((افعل ولا حرج)) وهي للمستقبل، ولم يقتصر على قوله: ((لا حرج))؛ عُلم أنه لا فرق بين الناسي والجاهل، وبين الذاكر والعالم، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكرة حين أسرع وركع قبل الصف: ((زادك الله حرصاً؛ ولا تعد)) رواه البخاري برقم (741)، فلو كان الترتيب بين هذه الأنساك واجباً لقال النبي صلّى الله عليه وسلّم للسائل: لا حرج، ولا تعد، وهذا الذي قررناه، كما أنه ظاهر الأدلة، فهو الموافق لمقاصد الدين الإسلامي في إرادة اليسر على العباد لاسيما في مثل هذه الأزمان؛ لأن ذلك أيسر للناس"

     

    30.

    و"لو أخر الحلق أو التقصير عن أيام التشريق، أو عن شهر ذي الحجة، أو أخره إلى ربيع، أو إلى رمضان، أو إلى السنة الثانية؛ فليس عليه شيء لكن يبقى عليه التحلل الثاني؛ لأنه لا يمكن أن يتحلل التحلل الثاني حتى يحلق أو يقصر، ولكن الذي يظهر أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة؛ لأنه نسك وقد قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}(البقرة:197)، لكن إن كان جاهلاً وجوب الحلق أو التقصير ثم علم فإننا نقول: احلق أو قصّر، ولا شيء عليك فيما فعلت من محظورات"

     

    31.

     

    سادساً: سنن الحلق أو التقصير:

     

    قد وردت عدة سنن في الحلق أو التقصير نذكر منها:

     

    "1- أن يكون بعد ذبح الهدي.

     

    2- أن يكبر عند حلقه لأنه نسك.

     

    3- أن يستقبل القبلة.

     

    4- أن يبدأ بشقه الأيمن لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق: ((خذ))، وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه للناس" رواه مسلم (2298).

    5- يستحب لمن حلق أن يأخذ من شاربه وأظافره لما روى محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه رضي الله عنهما قال: "شهد النبي صلى الله عليه وسلم عند المنحر هو ورجل من الأنصار، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحايا، فلم يصبه ولا صاحبه شيء، وحلق رأسه في ثوبه فأعطاه، وقسم منه على رجال، وقلم أظفاره فأعطاه صاحبه..."32، ولا بأس لمن حلق أن يتطيب لحديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم، ولحله حين أحل، قبل أن يطوف بالبيت" رواه مسلم (2041)"

     

    33.

     

    سابعاً: الأثر المترتب على الحلق أو التقصير:

    إذا رمى الحاج يوم العيد جمرة العقبة، وحلق أو قصر؛ فقد حل التحلل الأول، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة

     

    34.

     

    فما هو معنى التحلل الأول؟

     

    وُجِّه سؤال للَّجنة الدائمة يقول: ماذا يُقصد بالتحلل الأول والتحلل الثاني؟

     

    فكان الجواب ما يلي: "يُقصد بالتحلل الأول إذا فعل اثنين من ثلاثة، إذا رمى وحلق أو قصر، أو رمى وطاف وسعى إن كان عليه سعي، أو طاف وسعى وحلق أو قصر؛ فهذا هو التحلل الأول.

     

    وإذا فعل الثلاثة: الرمي، والطواف، والسعي إن كان عليه سعي، والحلق أو التقصير، فهذا هو التحلل الثاني.

    فإذا فعل اثنين فقط لبس المخيط وتطيب، وحل له كل ما حرم عليه بالإحرام ما عدا الجماع، فإذا جاء بالثالث حل له الجماع"

     

    35.

     

    فائدة: كيف يحلق من ليس على رأسه شعر (الأصلع)؟

     

    اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

    القول الأول: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه يجب عليه أن يُمرَّ الموسى على رأسه إمراراً، وبهذا قال الحنفية 36، والمالكية 37، واستدلوا على ذلك بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال في الأصلع: "يمر الموسى على رأسه"

    38، وهو أثر لا تقوم به حجة لضعفه.

    القول الثاني: استحباب إمرار الموسى على الرأس، وبه قال الشافعية39، والحنابلة40، واستدلوا بما استدل به أصحاب القول الأول، وبالإجماع قال النووي رحمه الله: " ونقل ابن المنذر إجماع العلماء على أن الأصلع يمر الموسى على رأسه"

     

    41.

    القول الثالث: ذهب بعض أهل العلم إلى أن من لم يكن على رأسه شعر (كأن يكون أقرعاً) فإنه لا شيء عليه، وبه قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وهذا في الحقيقة لا فائدة له (أي: إمرار الموسى على رأس الأصلع)؛ لأنَّ إمرار الموسى على الشَّعر ليس مقصوداً لذاته حتى يُقال: لمَّا تعذَّر أحد الأمرين شُرع الأخذ بالآخر؛ لأن المقصود من إِمرار الموسى إزالة الشَّعر، وهذا لا شعر له"

    42، لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}(الطلاق:7)، وهذا لم يؤته الله شعراً فلا يكلَّف عمل شيء.

     

    والذي يظهر والله أعلم أن الأمر فيه سعة، فمن أمرَّ الموسى على رأسه فلا بأس عليه، ومن لم يمره فلا بأس عليه.

     

    والحمد لله رب العالمين.

     

    1 بدائع الصنائع (2/140).

    2 بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/302) لأبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي.

    3 المغني لابن قدامة المقدسي (3/466).

    4 كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار (225) لتقي الدين أبي بكر بن محمد الحسيني الحصيني الدمشقي الشافعي، تحقيق: علي عبد الحميد بلطجي، ومحمد وهبي سليمان،  دار الخير، دمشق، 1994م.

    5 المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (3/466) للإمام أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، دار الفكر - بيروت، ط1، 1405هـ.

    6 رواه الترمذي (1694) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1985).

    7 رواه مسلم برقم(1301) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

    8 المغني لابن قدامة (3/466).

    9 الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبى زيد القيرواني (379) للشيخ صالح عبد السميع الأزهري، المكتبة الثقافية بيروت لبنان، وجامع الأمهات لابن الحاجب ( 104)، ومواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل (8/174).

    10 المبدع في شرح المقنع (3/242) للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1400هـ.

    11 مناسك الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (1/45)، وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة (11/218).

     12بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/141).

    13 المجموع (8/214).

    14 المجموع (8/210- 211).

    15 شرح أخصر المختصرات للعلامة عبد الله بن جبرين رحمه الله (21/14).

    16 المغني (3/466)، والشرح الكبير (3/460) وتحفة المحتاج (4/124)، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب (1/493)، وبدائع الصنائع (2/141)، والروض المربع (1/515)، وشرح منتهى الإرادات (1/587).

    17 بدائع الصنائع (2/141).

    18 بدائع الصنائع (2/141- 142).

    19 انظر الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/275-275).

    20 البحر الرائق (2/ 332)، (3/26)، اللباب في شرح الكتاب (1/103)، المبسوط (4/38)، حاشية رد المختار (2/517).

    21 مصنف ابن أبي شيبة (3/363)، وشرح مشكل الآثار (15/121).

    22 إعانة الطالبين (2/330)، والحاوي الكبير للماوردي (4/ 461).

    23 المغني (3/479)، ولروض المربع (1/515)، وشرح منتهى الإرادات (1/587).

    24 الهداية شرح البداية (1/169).

    25 بداية المجتهد (1/281)، والمبسوط (4/38)،

    26 بداية المجتهد (1/281)، والفواكه الدواني (4/216)

    27 انظر تفاصيل ذلك في منح الجليل شرح مختصر خليل (4/346).

    28 المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (3 / 479) لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، دار الفكر - بيروت، ط1، 1405هـ بتصرف.

    29 مجموع فتاوى ابن باز (17/ 347-348).

    30 الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (7/335-336).

    31 الشرح الممتع على زاد المستقنع (7/335).

    32 رواه أحمد (15879)، وصححه شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند (16522).

    33 فقه العبادات حنبلي (1/446) الشاملة (3).

    34 انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق(3/26)، لزين الدين ابن نجيم الحنفي، دار المعرفة، بيروت، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/132) لعلاء الدين الكاساني، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/291) لابن رشد الحفيد، وإعانة الطالبين حاشية على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين (2/292) لأبي بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، والشرح الكبير لابن قدامة (3/463).

    35 مجموع فتاوى ابن باز (17/354) الفتوى رقم (202).

    36 الأشباه والنظائر (121) للشَّيْخ زَيْنُ الْعَابِدِيْنَ بْنِ إِبْرَاهِيْمِ بْنِ نُجيم، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1400هـ- 1980م، وتبيين الحقائق (2/32).

    37 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/46) لمحمد عرفه الدسوقي،  تحقيق: محمد عليش، دار الفكر – بيروت، والذخيرة (3/469) لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب - بيروت، 1994م.

    38 أخرجه الدارقطني (2/256)، وقال النووي رحمه الله: "وأما الأثر عن ابن عمر في إمرار الموسى فرواه الدارقطني والبيهقي بإسناد ضعيف فيه يحيى بن عمر الجادي بالجيم وتشديد الياء - وهو ضعيف"، انظر: المجموع (8/147).

     

    39 أسنى المطالب في شرح روض الطالب (1/491) لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، تحقيق : د . محمد محمد تامر، دار الكتب العلمية - بيروت، ط1، 1422هـ - 2000م، والحاوي في فقه الشافعي (4/162)، للماوردي، دار الكتب العلمية، ط1، 1414هـ - 1994م، والمجموع للإمام النووي (1/392).

    40 الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (4/39) لعلي بن سليمان المرداوي أبي الحسن، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، والمبدع في شرح المقنع (3/243) للعلامة إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي أبي إسحاق، المكتب الإسلامي، بيروت، 1400هـ، ومنار السبيل شرح الدليل (1/249) لإبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان، تحقيق: عصام القلعجي، مكتبة المعارف، الرياض، 1405هـ.

    41 المجموع (8 / 212).

    42 الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/175)، للإمام محمد بن صالح بن محمد العثيمين، دار ابن الجوزي، ط1، 1422 - 1428هـ.



    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()