بتـــــاريخ : 11/4/2010 12:28:14 AM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1247 0


    شرح حديث جابر في حجة الوادع

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : موقع مناسك | المصدر : www.mnask.com

    كلمات مفتاحية  :

    باختصار من شرح النووي على صحيح مسلم

     

    حديث جابر رضي الله عنه هو حديث عظيم مشتمل على جمل من الفوائد، ونفائس من مهمات القواعد، وهو من أفراد مسلم لم يروه البخاري في صحيحه، ورواه أبو داود كرواية مسلم، قال القاضي: وقد تكلم الناس على ما فيه من الفقه وأكثروا.

     

    فقوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج) يعنى مكث بالمدينة بعد الهجرة.

     

    قوله: (ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجّ) معناه أعلمهم بذلك، وأشاعه بينهم؛ ليتأهبوا للحج معه، ويتعلموا المناسك والأحكام، ويشهدوا أقواله، وأفعاله، ويوصيهم؛ ليبلغ الشاهد الغائب، وتشيع دعوة الإسلام، وتبلغ الرسالة القريب والبعيد.

     

    قوله: (كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا مما يدل على أنهم كلهم أحرموا بالحج؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج وهم لا يخالفونه، ولهذا قال جابر: وما عمل من شيء عملنا به.

     

    قوله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس وقد ولدت: ((اغتسلي، واستثفري بثوب، وأحرمي)) فيه استحباب غسل الإحرام للنفساء، وصحة إحرام النفساء وهو مجمع عليه.

     

    قوله: (فصلى ركعتين) فيه استحباب ركعتي الإحرام.

     

    قوله: (ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ) قال محمد بن إبراهيم التيمي التابعي وغيره: أن العضباء، والقصواء، والجدعاء اسم لناقة واحدة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

     

    قوله: (نظرت إلى مد بصري) معناه منتهى بصري.

     

    قوله: (بين يديه من راكب وماش) فيه جواز الحج راكباً، وماشياً، وهو مجمع عليه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة قال الله تعالى: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر}، واختلف العلماء في الأفضل منهما: فقال مالك والشافعي وجمهور العلماء: الركوب أفضل؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه أعون له على وظائف مناسكه، ولأنه أكثر نفقه، وقال داود: ماشياً أفضل لمشقته، وهذا فاسد؛ لأن المشقة ليست مطلوبة.

     

    قوله: (وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله) معناه الحث على التمسك بما أخبركم عن فعله في حجته تلك.

     

    قوله: (فأهل بالتوحيد) يعنى قوله لبيك لا شريك لك، وفيه إشارة إلى مخالفة ما كانت الجاهلية تقوله في تلبيتها من لفظ الشرك.

     

    قوله: (فأهلَّ بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وأهلَّ الناس بهذا الذي يهلُّون به فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً منه، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته) فيه إشارة إلى ما روي من زيادة الناس في التلبية من الثناء، والذكر، كما روى في ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه كان يزيد: "لبيك ذا النعماء والفضل الحسن، لبيك مرهوباً منك، ومرغوباً إليك"، وعن ابن عمر رضي الله عنه: "لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل"، وعن أنس رضي الله عنه: "لبيك حقاً تعبداً ورقاً".

     

    قال القاضي: قال أكثر العلماء: المستحب الاقتصار على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه قال مالك والشافعي.

     

    قوله: (قال جابر: لسنا ننوى إلا الحج لسنا نعرف العمرة) فيه دليل لمن قال بترجيح الإفراد.

     

    قوله: (حتى أتينا البيت) فيه بيان أن السنة للحاج أن يدخلوا مكة قبل الوقوف بعرفات؛ ليطوفوا  للقدوم وغير ذلك.

     

    قوله: (حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً) فيه أن المحرم إذا دخل مكة قبل الوقوف بعرفات يسن له طواف القدوم وهو مجمع عليه، وفيه أن الطواف سبع طوافات، وفيه أن السنة أيضاً الرمل في الثلاث الأول، ويمشى على عادته في الأربع الأخيرة، والرمل: هو أسرع المشي مع تقارب الخُطا، وهو الخبب، ولا يستحب الرمل إلا في طواف واحد في حج، أو عمرة، أما إذا طاف في غير حج، أو عمرة؛ فلا رمل بلا خلاف.

     

    ولا يسرع أيضاً في كل طواف حج، وإنما يسرع في واحد منها، وفيه قولان مشهوران للشافعي أصحهما طواف يعقبه سعى، ويتصور ذلك في طواف القدوم، ويتصور في طواف الإفاضة، ولا يتصور في طواف الوداع، والقول الثاني: أنه لا يسرع إلا في طواف القدوم سواء أراد السعي بعده أم لا، ويسرع في طواف العمرة إذ ليس فيها إلا طواف واحد.

     

    قوله: (استلم الركن) مسحه بيده، وهو سنة في كل طواف.

     

    قوله: (ثم نفر إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فجعل المقام بينه وبين البيت) هذا دليل لما أجمع عليه العلماء أنه ينبغي لكل طائف إذا فرغ من طوافه أن يصلي خلف المقام ركعتي الطواف، والسنة أن يصليهما خلف المقام؛ فإن لم يفعل ففي الحِجر، وإلا ففي المسجد، وإلا ففي مكة وسائر الحرم، ولو صلاهما في وطنه وغيره من أقاصي الأرض جاز، وفاتته الفضيلة، ولا تفوت هذه الصلاة ما دام حياً، ولو أراد أن يطوف أطوفة استحب أن يصلى عقب كل طواف ركعتيه، فلو أراد أن يطوف أطوفة بلا صلاة، ثم يصلي بعد الأطوفة لكل طواف ركعتيه قال أصحابنا: يجوز ذلك وهو خلاف الأولى، ولا يقال مكروه، وممن قال بهذا المسور بن مخرمة، وعائشة، وطاوس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، وكرهه بن عمر، والحسن البصري، والزهري، ومالك، والثورى، وأبو حنيفة، وأبو ثور، ومحمد بن الحسن، وبن المنذر، ونقله القاضي عن جمهور الفقهاء.

     

    قوله: (كان يقرأ في الركعتين: قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون) معناه قرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة: {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية بعد الفاتحة: {قل هو الله أحد}.

     

    قوله: (ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا) فيه دلالة لما قاله الشافعي وغيره من العلماء: أنه يستحب للطائف طواف القدوم إذا فرغ من الطواف، وصلاته خلف المقام؛ أن يعود إلى الحجر الأسود؛ فيستلمه، ثم يخرج من باب الصفا؛ ليسعى، واتفقوا على أن هذا الاستلام ليس بواجب، وإنما هو سنة لو تركه لم يلزمه دم.

     

    قوله: (ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ {إن الصفا والمروة من شعائر الله} أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحَّد الله وكبَّر، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة) في هذا اللفظ أنواع من المناسك منها:

     

    -        أن السعي يشترط فيه أن يبدأ من الصفا، وبه قال الشافعي ومالك والجمهور.

     

    -   ومنها: أنه ينبغي أن يرقى على الصفا والمروة، وفي هذا الرقي خلاف، قال جمهور أصحابنا: هو سنة ليس بشرط ولا واجب، فلو تركه صح سعيه لكن فاتته الفضيلة، لكن يشترط أن لا يترك شيئاً من المسافة بين الصفا والمروة؛ فليلصق عقبيه بدرج الصفا، وإذا وصل المروة ألصق أصابع رجليه بدرجها، وهكذا في المرات السبع، يشترط في كل مرة أن يلصق عقبيه بما يبدأ منه، وأصابعه بما ينتهي إليه.

     

    -   ومنها: أنه يسن أن يقف على الصفا مستقبل الكعبة، ويذكر الله تعالى بهذا الذكر المذكور، ويدعو، ويكرر الذكر والدعاء ثلاث مرات، هذا هو المشهور.

     

    قوله صلى الله عليه وسلم: ((وهزم الأحزاب وحده)) معناه هزمهم بغير قتال من الآدميين، ولا بسبب من جهتهم، والمراد بالأحزاب الذين تحزَّبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق.

     

    قوله: (ثم نزل إلى المروة حتى  انصبت قدماه في بطن الوادي حتى إذا صعدتا مشي حتى أتى المروة) جاء في غير مسلم: (حتى انصبت قدماه رمل في بطن الوادي) وفيه استحباب السعي الشديد في بطن الوادي حتى يصعد، ثم يمشى باقي المسافة إلى المروة على عادة مشيه، وهذا السعي مستحب في كل مرة من المرات السبع في هذا الموضع، والمشي مستحب فيما قبل الوادي وبعده، ولو مشى في الجميع، أو سعى في الجميع؛ أجزأه، وفاتته الفضيلة هذا مذهب الشافعي وموافقيه.

     

    قوله: (ففعل على المروة مثل ما فعل على الصفا) فيه أنه يسن عليها من الذكر، والدعاء، والرقي؛ مثل ما يسن على الصفا وهذا متفق عليه.

     

    قوله: (حتى إذا كان آخر طواف على المروة) فيه دلالة لمذهب الشافعي، والجمهور؛ أن الذهاب من الصفا إلى المروة يحسب مرة، والرجوع إلى الصفا ثانية، والرجوع إلى المروة ثالثة وهكذا فيكون ابتداء السبع من الصفا وآخرها بالمروة.

     

    قوله: (فوجد فاطمة ممن حلَّ ولبست ثياباً صبيغاً، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها) فيه إنكار الرجل على زوجته ما رآه منها من نقص في دينها؛ لأنه ظن أن ذلك لا يجوز فأنكره.

     

    قوله: (فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشاً على فاطمة) المراد أن يذكر له ما يقتضي عتابها.

     

    قوله: (قلت: إني أهلُّ بما أهلَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه جواز تعليق الإحرام بإحرام كإحرام فلان.

     

    قوله: (فحل الناس كلهم وقصَّروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى) فيه إطلاق اللفظ العام، وإرادة الخصوص؛ لأن عائشة لم تحل، ولم تكن ممن ساق الهدي، وإنما قصروا، ولم يحلقوا مع أن الحلق أفضل؛ لأنهم أرادوا أن يبقى شعر يحلق في الحج، فلو حلقوا لم يبق شعر، فكان التقصير هنا أحسن؛ ليحصل في النسكين إزالة شعر.

     

    قوله: (فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلُّوا بالحج) يوم التروية هو الثامن من ذي الحجة، وفي هذا بيان أن السنة أن لا يتقدم أحد إلى منى قبل يوم التروية، وقد كره مالك ذلك، وقال بعض السلف: لا بأس به.

     

    قوله: (وركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والفجر) فيه بيان سنن:

     

    أحداها: أن الركوب في تلك المواطن أفضل من المشي، كما أنه في جملة الطريق أفضل من المشي.

     

    والسنة الثانية: أن يصلى بمنى هذه الصلوات الخمس.

     

    والثالثة: أن يبيت بمنى هذه الليلة، وهي ليلة التاسع من ذي الحجة، وهذا المبيت سنة ليس بركن، ولا واجب، فلو تركه فلا دم عليه بالإجماع.

     

    قوله: (ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس) فيه أن السنة أن لا يخرجوا من منى حتى تطلع الشمس، وهذا متفق عليه.

     

    قوله: (وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة) فيه استحباب النزول بنمرة إذا ذهبوا من منى؛ لأن السنة أن لا يدخلوا عرفات إلا بعد زوال الشمس، وبعد صلاتي الظهر والعصر جمعاً، فالسنة أن ينزلوا بنمرة فمن كان له قبة ضربها، ويغتسلون للوقوف قبل الزوال، فإذا زالت الشمس سار بهم الإمام إلى مسجد إبراهيم عليه السلام، وخطب بهم خطبتين خفيفتين، ويخفف الثانية جداً، فإذا فرغ منها صلى بهم الظهر والعصر جامعاً بينهما، فإذا فرغ من الصلاة سار إلى الموقف، وفيه جواز الاستظلال للمحرم بقبة وغيرها، ولا خلاف في جوازه للنازل، واختلفوا في جوازه للراكب فمذهبنا جوازه وبه قال كثيرون، وكرهه مالك وأحمد، وفيه جواز اتخاذ القباب، وجوازها من شعر.

     

    وقوله: (بنمرة) موضع بجنب عرفات وليست من عرفات.

     

    قوله: (ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية) معنى هذا أن قريشاً كانت في الجاهلية تقف بالمشعر الحرام وهو جبل في المزدلفة يقال له: قزح، وقيل إن المشعر الحرام كل المزدلفة، وكان سائر العرب يتجاوزون المزدلفة، ويقفون بعرفات، فظنت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم يقف في المشعر الحرام على عادتهم ولا يتجاوزه، فتجاوزه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عرفات؛ لأن الله تعالى أمره بذلك في قوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} أي سائر العرب غير قريش، وإنما كانت قريش تقف بالمزدلفة؛ لأنها من الحرم، وكانوا يقولون: نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه.

     

    قوله: (فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس) معناه جاوز المزدلفة ولم يقف بها بل توجه إلى عرفات، وقوله: حتى أتى عرفة؛ فمجاز، والمراد قارب عرفات؛ لأنه فسره بقوله وجد القبة قد ضربت بنمرة فنزل بها، ونمرة ليست من عرفات، ودخول عرفات قبل صلاتي الظهر والعصر جميعاً خلاف السنة.

     

    قوله: (حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس) أي جعل عليها الرحل.

     

    قوله: (بطن الوادي) هو وادي عُرَنة، وليست عرنة من أرض عرفات عند الشافعي والعلماء كافة؛ إلا مالكاً فقال: هي من عرفات.

     

    قوله: (فخطب الناس) فيه استحباب الخطبة للإمام بالحجيج يوم عرفة في هذا الموضع، وهو سنة باتفاق جماهير العلماء، وخالف فيها المالكية، ومذهب الشافعي أن في الحج أربع خطب مسنونة: إحداها يوم السابع من ذي الحجة يخطب عند الكعبة بعد صلاة الظهر، والثانية: هذه التي ببطن عرنة يوم عرفات، والثالثة: يوم النحر، والرابعة: يوم النفر الأول وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، وكل هذه الخطب أفراد، وبعد صلاة الظهر إلا التي يوم عرفات فإنها خطبتان، وقبل الصلاة، ويعلِّمهم في كل خطبة من هذه ما يحتاجون إليه إلى الخطبة الأخرى.

     

    قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم؛ كحرمة يومكم هذا؛ في شهركم هذا)) معناه متأكدة التحريم شديدته، وفي هذا دليل لضرب الأمثال، وإلحاق النظير بالنظير قياساً.

     

    قوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميَّ موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع دم بن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوعة وأول ربا أضع ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله))، وفي هذه الجملة إبطال أفعال الجاهلية وبيوعها التي لم يتصل بها قبض، وأنه لا قصاص في قتلها، وأن الإمام وغيره ممن يأمر بمعروف، أو ينهى عن منكر ينبغي أن يبدأ بنفسه، وأهله؛ فهو أقرب إلى قبول قوله، وإلى طيب نفس من قرب عهده بالإسلام.

     

    وأما قوله صلى الله عليه وسلم تحت قدميَّ فإشارة إلى إبطاله، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (وإن أول دم أضع دم ابن ربيعة) فقال المحققون والجمهور: اسم هذا الابن إياس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان هذا الابن المقتول طفلا صغيراً يحبو بين البيوت؛ فأصابه حجر في حرب كانت بين بني سعد وبني ليث بن بكر.

     

    قوله صلى الله عليه وسلم في الربا: (أنه موضوع كله) معناه الزائد على رأس المال كما قال الله تعالى: {وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم}، والمراد بالوضع الرد، والإبطال.

     

    قوله صلى الله عليه وسلم: ((فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله)) فيه الحث على مراعاة حق النساء، والوصية بهن، ومعاشرتهن بالمعروف.

     

    قوله صلى الله عليه وسلم: ((واستحللتم فروجهن بكلمة الله)) معناه قوله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}، وقيل: المراد كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم، وقيل: المراد بإباحة الله، والكلمة قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء}، وهذا الثالث هو الصحيح، وقيل المراد بالكلمة: الإيجاب والقبول، ومعناه على هذا بالكلمة التي أمر الله تعالى بها.

     

    قوله صلى الله عليه وسلم: ((ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح)) المراد بذلك أن لا يستخلين بالرجال، ولم يرد زناها؛ لأن ذلك يوجب رجمها أو جلدها، ولأن ذلك حرام مع من يكرهه الزوج، ومن لا يكرهه، وقال القاضي عياض: كانت عادة العرب حديث الرجال مع النساء، ولم يكن ذلك عيباً، ولا ريبة عندهم، فلما نزلت آية الحجاب نهوا عن ذلك، والمختار أن معناه أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم، والجلوس في منازلكم سواء كان المأذون له رجلاً أجنبياً، أو امرأةً، أو أحداً من محارم الزوجة، فالنهى يتناول جميع ذلك، وهذا حكم المسألة عند الفقهاء أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل، أو امرأة، ولا محرم، ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت، أو ظنت أن الزوج لا يكرهه؛ لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك منه، أو ممن أذن له في الإذن في ذلك، أو عرف رضاه باطراد العرف بذلك ونحوه، ومتى حصل الشك في الرضا ولم يترجح شيء، ولا وجدت قرينة؛ فلا يحل الدخول، ولا الإذن.

     

    وأما الضرب المبرح فهو الضرب الشديد الشاق، ومعناه: اضربوهن ضرباً ليس بشديد، ولا شاق، والبرح المشقة، وفي الحديث إباحة ضرب الرجل امرأته للتأديب، فإن ضربها الضرب المأذون فيه فماتت منه وجبت ديتها على عاقلة الضارب، ووجبت الكفارة في ماله.

     

    قوله صلى الله عليه وسلم: ((ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)) فيه وجوب نفقة الزوجة، وكسوتها، وذلك ثابت بالإجماع.

     

    قوله: (فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد)) معناه يقلبها ويرددها إلى الناس مشيراً إليهم.

     

    قوله: (ثم أذَّن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً) فيه أنه يشرع الجمع بين الظهر والعصر هناك في ذلك اليوم، وقد أجمعت الأمة عليه، وفيه أن الجامع بين الصلاتين يصلي الأولى أولاً، وأنه يؤذن للأولى، وأنه يقيم لكل واحدة منهما، وأنه لا يفرق بينهما، وهذا كله متفق عليه عندنا.

     

    قوله: (ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص) في الفصل أمور: منها أنه إذا فرغ من الصلاتين عجَّل الذهاب إلى الموقف.

     

    ومنها: أن الوقوف راكباً أفضل.

     

    ومنها: أنه يستحب أن يقف عند الصخرات المذكورات وهي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات، فهذا هو الموقف المستحب، وأما ما اشتهر بين العوام من الاعتناء بصعود الجبل، وتوهمهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه؛ فغلط، بل الصواب جواز الوقوف في كل جزء من أرض عرفات، وأن الفضيلة في موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصخرات، فإن عجز فليقرب منه بحسب الإمكان.

     

    ومنها: استحباب استقبال الكعبة في الوقوف.

     

    ومنها: أنه ينبغي أن يبقى في الوقوف حتى تغرب الشمس، ويتحقق كمال غروبها، ثم يفيض إلى مزدلفة؛ فلو أفاض قبل غروب الشمس صح وقوفه وحجه، ويجبر ذلك بدم، وهل الدم واجب أم مستحب فيه قولان للشافعي أصحهما: أنه سنة، وأما وقت الوقوف فهو ما بين زوال الشمس يوم عرفة وطلوع الفجر الثاني يوم النحر فمن حصل بعرفات في جزء من هذا الزمان صح وقوفه، ومن فاته ذلك فاته الحج هذا مذهب الشافعي وجماهير العلماء، وقال مالك: لا يصح الوقوف في النهار منفرداً بل لا بد من الليل وحده، فإن اقتصر على الليل كفاه، وإن اقتصر على النهار لم يصح وقوفه، وقال أحمد: يدخل وقت الوقوف من الفجر يوم عرفة، وأجمعوا على أن أصل الوقوف ركن لا يصح الحج إلا به.

     

    قوله: (وجعل حبل المشاة بين يديه) أي مجتمعهم.

     

    قوله: (فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص) قوله حتى غاب القرص بياناً لقوله غربت الشمس وذهبت الصفرة فإن هذه تطلق مجازاً على مغيب معظم القرص.

     

    قوله: (وأردف أسامة خلفه) فيه جواز الإرداف إذا كانت الدابة مطيقة.

     

    قوله: (وقد شنق للقصواء الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله) معنى شنق ضم وضيق، ومورك الرحل: هو الموضع الذي يثنى الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا مل من الركوب، وضبطه القاضي بفتح الراء قال وهو قطعة أدم يتورك عليها الراكب تجعل في مقدم الرحل شبه المخدة الصغيرة، وفي هذا استحباب الرفق في السير من الراكب بالمشاة، وبأصحاب الدواب الضعيفة.

     

    قوله: (ويقول بيده: ((السكينة السكينة)) أي إلزموا السكينة وهي الرفق والطمأنينة، ففيه أن السكينة في الدفع من عرفات سنة فإذا وجد فرجة يسرع.

     

    قوله: (كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد حتى أتى المزدلفة) الحبال جمع حبل، وهو التل اللطيف من الرمل الضخم، وأما المزدلفة فمعروفة سميت بذلك من التزلف والازدلاف وهو التقرب؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها تقربوا منها، وقيل: سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف من الليل أي ساعات، وتسمى جمعاً سميت بذلك لاجتماع الناس فيها، واعلم أن المزدلفة كلها من الحرم، وحدُّ مزدلفة: ما بين مازمي عرفة ووادي محسر، وليس الحدَّان منها، ويدخل في المزدلفة جميع تلك الشعاب والجبال الداخلية في الحد المذكور.

     

    قوله: (حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئا) فيه فوائد:

     

    منها أن السنة للدافع من عرفات أن يؤخر المغرب إلى وقت العشاء، ويكون هذا التأخير بنية الجمع، ثم يجمع بينهما في المزدلفة في وقت العشاء، وهذا مجمع عليه، ولو جمع بينهما في وقت المغرب في أرض عرفات، أو في الطريق، أو في موضع آخر، وصلى كل واحدة في وقتها؛ جاز جميع ذلك لكنه خلاف الأفضل هذا مذهبنا، وبه قال جماعات من الصحابة والتابعين، وقاله الأوزاعي وأبو يوسف وأشهب وفقهاء أصحاب الحديث، وقال أبو حنيفة وغيره من الكوفيين: يشترط أن يصليهما بالمزدلفة، ولا يجوز قبلها، وقال مالك: لا يجوز أن يصليهما قبل المزدلفة إلا من به، أو بدابته عذر فله أن يصليهما قبل المزدلفة بشرط كونه بعد مغيب الشفق.

     

    ومنها: أن يصلي الصلاتين  في وقت الثانية بأذان للأولى وإقامتين لكل واحدة إقامة وهذا هو الصحيح عند أصحابنا وبه قال أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وعبدالملك الماجشون المالكي، والطحاوي الحنفي، وقال مالك: يؤذن ويقيم للأولى، ويؤذن ويقيم أيضاً للثانية، وهو محكي عن عمر وبن مسعود رضي الله عنهما، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: أذان واحد وإقامة واحدة، وللشافعي وأحمد قول: أنه يصلى كل واحدة بإقامتها بلا أذان وهو محكي عن القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وقال الثورى: يصليهما جميعاً بإقامة واحدة وهو يحكي أيضاً عن ابن عمر.

     

    قوله: (لم يسبح بينهما) أي لم يصل بينهما نافلة، والنافلة تسمى سبحة؛ لاشتمالها على التسبيح، ففيه الموالاة بين الصلاتين المجموعتين.

     

    قوله: (ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بإذان وإقامة) في هذا الفصل مسائل:

     

    إحداها: أن المبيت بمزدلفة ليلة النحر بعد الدفع من عرفات نسك، وهذا مجمع عليه، لكن اختلف العلماء هل هو واجب أم ركن أم سنة؟ والصحيح من قولى الشافعي أنه واجب لو تركه أثم، وصح حجه، ولزمه دم، والسنة أن يبقى بالمزدلفة حتى يصلي بها الصبح إلا الضعفة فالسنة لهم الدفع قبل الفجر، وأقل المجزي من هذا المبيت ثلاثة أقوال: الصحيح: ساعة في النصف الثاني من الليل.

     

    المسألة الثانية: السنة أن يبالغ بتقديم صلاة الصبح في هذا الموضع، ويتأكد التبكير بها في هذا اليوم أكثر من تأكده في سائر السنة للاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن وظائف هذا اليوم كثيرة فسن المبالغة بالتبكير بالصبح؛ ليتسع الوقت للوظائف.

     

    الثالثة: يسن الأذان والإقامة لهذه الصلاة، وكذلك غيرها من صلوات المسافر.

     

    قوله: (ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، ودفع قبل أن تطلع الشمس) فيه أن السنة الركوب، وأنه أفضل من المشي، وأما المشعر الحرام فالمراد به هنا قُزَح وهو جبل معروف في المزدلفة، وهذا الحديث حجة الفقهاء في أن المشعر الحرام هو قزح، وقال جماهير المفسرين وأهل السير والحديث: المشعر الحرام جميع المزدلفة.

     

    وفيه أن الوقوف على قزح من مناسك الحج، وهذا لا خلاف فيه، لكن اختلفوا في وقت الدفع منه فقال ابن مسعود، وابن عمر، وأبو حنيفة، والشافعي، وجماهير العلماء: لا يزال واقفاً فيه يدعو، ويذكر؛ حتى يسفر الصبح جداً كما في هذا الحديث، وقال مالك: يدفع منه قبل الإسفار.

     

    قوله: (أسفر جداً) أي الفجر إسفاراً بليغاً.

     

    قوله في صفة الفضل بن عباس: (أبيض وسيماً) أي حسناً.

     

    قوله: (مرت به ظُعُن يجرين) جميع ظعينة، وأصل الظعينة البعير الذي عليه امرأة، ثم تسمى به المرأة مجازاً لملابستها البعير.

     

    قوله: (فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل) فيه الحث على غض البصر عن الأجنبيات، وغضهن عن الرجال الأجانب، وهذا معنى قوله: (وكان أبيض وسيماً حسن الشعر) يعنى أنه بصفة من تفتتن النساء به لحسنه، وفي رواية الترمذي وغيره في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لوى عنق الفضل فقال له العباس: لويت عنق ابن عمك، قال: ((رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما)) فهذا يدل على أن وضعه صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل كان لدفع الفتنة عنه، وعنها.

     

    وفيه أن من رأى منكراً وأمكنه إزالته بيده لزمه إزالته فإن قال بلسانه، ولم ينكف المقول له، وأمكنه بيده أثم ما دام مقتصراً على اللسان.

     

    قوله: (حتى أتى بطن مُحَسِّر فحرك قليلاً) سمي بذلك؛ لأن فيل أصحاب الفيل حصر فيه، أي أعي فيه، وكلّ منه.

     

    وأما قوله: (فحرك قليلاً) فهي سنة من سنن السير في ذلك الموضع.

     

    قوله: (ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصى الخذف رمى من بطن الوادي) فيه أن سلوك هذا الطريق في الرجوع من عرفات سنة، وهو غير الطريق الذي ذهب فيه إلى عرفات، وهذا معنى قول أصحابنا يذهب إلى عرفات في طريق ضب، ويرجع في طريق المازمين؛ ليخالف الطريق تفاؤلاً بتغير الحال كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في دخول مكة حين دخلها من الثنية العليا، وخرج من الثنية السفلى، وخرج إلى العيد في طريق ورجع في طريق آخر، وحوَّل رداءه في الاستسقاء، وأما الجمرة الكبرى فهي جمرة العقبة وهي التي عند الشجرة، وفيه أن السنة للحاج إذا دفع من مزدلفة فوصل منى أن يبدأ بجمرة العقبة، ولا يفعل شيئاً قبل رميها، ويكون ذلك قبل نزوله، وفيه أن الرمي بسبع حصيات، وأن قدرهن بقدر حصى الخذف وهو نحو حبة الباقلاء، وينبغي ألا يكون أكبر، ولا أصغر، فإن كان أكبر، أو أصغر أجزأه بشرط كونها حجراً، ولا يجوز عند الشافعي والجمهور الرمي بالكحل، والزرنيخ، والذهب، والفضة، وغير ذلك مما لا يسمى حجراً، وجوزه أبو حنيفة بكل ما كان من أجزاء الأرض، وفيه أنه يسن التكبير مع كل حصاة، وفيه أنه يجب التفريق بين الحصيات فيرميهن واحدة واحدة، فإن رمى السبعة رمية واحدة حسب ذلك كله حصاة واحدة عندنا وعند الأكثرين، وموضع الدلالة لهذه المسألة يكبر مع كل حصاة، فهذا تصريح بأنه رمى كل حصاة وحدها، وفيه أن السنة أن يقف للرمي في بطن الوادي بحيث تكون منى وعرفات والمزدلفة عن يمينه، ومكة عن يساره، وهذا هو الصحيح الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة، وقيل يقف مستقبل الكعبة، وكيفما رمى أجزأه بحيث يسمى رمياً بما يسمى حجراً.

     

    وأما حكم الرمي: فالمشروع منه يوم النحر رمى جمرة العقبة لا غير بإجماع المسلمين، وهو نسك بإجماعهم، ومذهبنا أنه واجب ليس بركن، فإن تركه حتى فاتته أيام الرمي عصى، ولزمه دم، وصح حجه، وقال مالك: يفسد حجه، ويجب رميها بسبع حصيات؛ فلو بقيت منهن واحدة لم تكفه الست.

     

    قوله: (ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بيده، ثم أعطى علياً فنحر ما غبر، وأشركه في هديه) فيه دليل على أن المنحر موضع معين من منى، وحيث ذبح منها، أو من الحرم أجزأه، وفيه استحباب تكثير الهدى، وكان هدى النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة مائة بدنة، وفيه استحباب ذبح المهدي هديه بنفسه، وجواز الاستنابة فيه وذلك جائز بالإجماع إذا كان النائب مسلماً.

     

    وقوله: (ما غبر) أي ما بقى، وفيه استحباب تعجيل ذبح الهدايا، وإن كانت كثيرة في يوم النحر، ولا يؤخر بعضها إلى أيام التشريق.

     

    وأما قوله: (وأشركه في هديه) فظاهره أنه شاركه في نفس الهدي، قال القاضي عياض: وعندي أنه لم يكن تشريكاً حقيقة، بل أعطاه قدراً يذبحه، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر البدن التي جاءت معه من المدينة، وكانت ثلاثاً وستين كما جاء في رواية الترمذي، وأعطى علياً البدن التي جاءت معه من اليمن وهي تمام المائة.

     

    قوله: (أمر من كل بدنة ببَضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها) البضعة: هي القطعة من اللحم، وفيه استحباب الأكل من هدي التطوع، وأضحيته، قال العلماء: لما كان الأكل من كل واحدة سنة، وفي الأكل من كل واحدة من المائة منفردة كلفة؛ جعلت في قدر؛ ليكون آكلاً من مرق الجميع الذي فيه جزء من كل واحدة، ويأكل من اللحم المجتمع في المرق ما تيسر، وأجمع العلماء على أن الأكل من هدي التطوع وأضحيته سنة ليس بواجب.

     

    قوله: (ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر) هذا الطواف هو طواف الإفاضة وهو ركن من أركان الحج بإجماع المسلمين، وأول وقته عندنا من نصف ليلة النحر، وأفضله بعد رمي جمرة العقبة، وذبح الهدى، والحلق، ويكون ذلك ضحوة يوم النحر، ويجوز في جميع يوم النحر بلا كراهة، ويكره تأخيره عنه بلا عذر، وتأخيره عن أيام التشريق أشد كراهة، ولا يحرم تأخيره سنين متطاولة، ولا آخر لوقته بل يصح ما دام الإنسان حياً، وشرطه أن يكون بعد الوقوف بعرفات حتى لو طاف للإفاضة بعد نصف ليلة النحر قبل الوقوف، ثم أسرع إلى عرفات فوقف قبل الفجر لم يصح طوافه؛ لأنه قدمه على الوقوف، واتفق العلماء على أنه لا يشرع في طواف الإفاضة رمل، ولا اضطباع إذا كان قد رمل، واضطبع عقب طواف القدوم، ولو طاف بنية الوداع، أو القدوم، أو التطوع، وعليه طواف إفاضة وقع عن طواف الإفاضة بلا خلاف عندنا نص عليه الشافعي، واتفق الأصحاب عليه كما لو كان عليه حجة الإسلام فحج بنية قضاء، أو نذر، أو تطوع، فإنه يقع عن حجة الإسلام، وقال أبو حنيفة وأكثر العلماء: لا يجزئ طواف الإفاضة بنية غيره، واعلم أن طواف الإفاضة له أسماء فيقال أيضاً: طواف الزيارة، وطواف الفرض، والركن، وسماه بعض أصحابنا: طواف الصدر، وأنكره الجمهور قالوا: وإنما طواف الصدر طواف الوداع.

     

    وفي هذا الحديث استحباب الركوب في الذهاب من منى إلى مكة، ومن مكة إلى منى، ونحو ذلك من مناسك الحج.

     

    قوله(فأفاض إلى البيت فصلى الظهر) فيه محذوف تقديره فأفاض فطاف بالبيت طواف الإفاضة، ثم صلى الظهر فحذف ذكر الطواف لدلالة الكلام عليه.

     

    وأما قوله (فصلى بمكة الظهر) فقد جاء في أحاديث طواف الإفاضة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، فصلى الظهر بمنى.

     

    ووجه الجمع بينهما: أنه صلى الله عليه وسلم طاف للإفاضة قبل الزوال، ثم صلى الظهر بمكة في أول وقتها، ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر مرة أخرى بأصحابه حين سألوه ذلك، فيكون متنفلاً بالظهر الثانية التي بمنى.

     

    وأما الحديث الوارد عن عائشة وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخَّر الزيارة يوم النحر إلى الليل فمحمول على أنه عاد للزيارة مع نسائه؛ لا لطواف الإفاضة، ولا بد من هذا التأويل للجمع بين الأحاديث.

     

    قوله: (فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال: ((انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم)) فناولوه دلوا فشرب منه) انزعوا: أي استقوا بالدلاء، وانزعوها بالرشاء.

     

    وأما قوله فأتى بني عبد المطلب فمعناه: أتاهم بعد فراغه من طواف الإفاضة.

     

    وقوله: (يسقون على زمزم) معناه: يغرفون بالدلاء، ويصبونه في الحياض ونحوها، ويسبلونه للناس.

     

    وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن يغلبكم الناس لنزعت معكم)) معناه: لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج، ويزدحمون عليه بحيث يغلبونكم، ويدفعونكم عن الاستقاء؛ لاستقيت معكم؛ لكثرة فضيلة هذا الاستقاء، وفيه فضيلة العمل في هذا الاستقاء، واستحباب شرب ماء زمزم، وأما زمزم فهي البئر المشهورة في المسجد الحرام بينها وبين الكعبة ثمان وثلاثون ذراعاً، قيل سميت زمزم لكثرة مائها، يقال ماء زمزوم، وزمزم وزمازم إذا كان كثيراً، وقيل: لضم هاجر رضي الله عنها لمائها حين انفجرت وزمها إياه، وقيل: لزمزمة جبريل عليه السلام وكلامه عند فجره إياها، وقيل: إنها غير مشتقة.

     

    قوله: (وكانت العرب يدفع بهم أبو سيّارة) أي كان يدفع بهم في الجاهلية.

     

    قوله: (فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم من المزدلفة بالمشعر الحرام لم تشك قريش أنه سيقتصر عليه ويكون منزله ثَمَّ، فأجاز ولم يعرض له حتى أتى عرفات فنزل) أجاز: أي جاوز، والمعنى أن قريشاً كانت قبل الإسلام تقف بالمزدلفة وهي من الحرم، ولا يقفون بعرفات، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، وكانت قريش تقول نحن أهل الحرم فلا نخرج منه، فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم ووصل المزدلفة اعتقدوا أنه يقف بالمزدلفة على عادة قريش، فجاوز إلى عرفات لقول الله عز وجل: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} أي جمهور الناس، فإن من سوى قريش كانوا يقفون بعرفات، ويفيضون منها.

     

    قوله صلى الله عليه وسلم: ((نحرت ها هنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم، ووقفت ها هنا وعرفة كلها موقف، ووقفت ها هنا وجمع كلها موقف)) في هذه الألفاظ بيان رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته، وشفقته عليهم في تنبيههم على مصالح دينهم ودنياهم، فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر لهم الأكمل، والجائز، فالأكمل موضع نحره ووقوفه، والجائز كل جزء من أجزاء المنحر، وجزء من أجزاء عرفات، وخيرهن أجزاء المزدلفة، وأما عرفات فحدُّها   ما جاوز وادي عرنة إلى الجبال القابلة مما يلي بساتين ابن عامر هكذا نص عليه الشافعي وجميع أصحابه، ونقل الأزرقي عن ابن عباس أنه قال: حد عرفات من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبال عرفات، إلى وَصِيق إلى ملتقى وصيق وادي عرنة.

     

    قال الشافعي وأصحابنا: يجوز نحر الهدى ودماء الحيوانات في جميع الحرم، لكن الأفضل في حق الحاج النحر بمنى، وأفضل موضع منها للنحر موضع نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قاربه، والأفضل في حق المعتمر أن ينحر في المروة لأنها موضع تحلله كما أن منى موضع تحلل الحاج، قالوا: ويجوز الوقوف بعرفات في أي جزء كان منها، وكذا يجوز الوقوف على المشعر الحرام، وفي كل جزء من أجزاء المزدلفة لهذا الحديث.

     

    قوله صلى الله عليه وسلم: ((ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم)) المراد بالرحال: المنازل، قال أهل اللغة: رحل الرجل منزله سواء كان من حجر، أو مدر، أو شعر، أو وبر، والمعنى أن منى كلها منحر يجوز النحر فيها فلا تتكلفوا النحر في موضع نحري بل يجوز لكم النحر في منازلكم من منى.

    قوله: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه، ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً) فيه أن السنة للحاج أن يبدأ أول قدومه بطواف القدوم، ويقدمه على كل شيء، وأن يستلم الحجر الأسود في أول طوافه، وأن يرمل في ثلاث طوفات من السبع، ويمشى في الأربع الأخيرة.[1]


     

    [1]  شرح النووي لمسلم بتصرف (8/170-196)


    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()