بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فلا يزال حديثنا موصولاً مع ذكر الله عز وجل. وحيث إننا في أيام مباركات، وومناسك فيها نفحاتٌ وبركاتٌ وكراماتٌ، فكان الواجب أن نربط حديث الذكر بهذه الأيام والمناسك والبركات.
الذكر في الصلاة والحج
لا شك عند كل ذي علم وبصيرة أن العبادات ما شُرِعتْ إلا لإقامة ذكر الله عز وجل. قال الله تعالى لنبيه وكليمه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]. والمعنى: أقم الصلاة لتذكرني بها، وقيل: وأقم الصلاة عند ذكرك لي. [تفسير البغوي وابن كثير عن مجاهد ومقاتل] والصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو ذكر الله عز وجل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن». [مسلم كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة] (ح836) وقال صلى الله عليه وسلم عن المساجد التي هي مواضع الصلاة: «إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن». [مسلم كتاب الطهارة ح429] وفي الصحيحين: «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}. وهذا وجه آخر لتفسير الآية ذكره ابن كثير وغيره. والصلاة من أولها إلى آخرها ذكر ودعاءٌ وثناءٌ ومناجاة بين العبد وربه، فمفتاحها التكبير، وتحليلها التسليم، وبين ذلك دعاء الاستفتاح وقراءة الفاتحة وما تيسر من القرآن وأذكار الركوع والسجود والاعتدال والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتعوذ دبر الصلاة والدعاء، وبعدها أذكار الختام، والدعاء إليها ذكر وإجابة المؤذن الداعي إليها ذكر، وفيها من معاني الاستجابة لله والتلبية لدعائه ما لا يفطن إليه إلا كل ذاكر حاضر القلب ليس بغافل ولا ساهٍ لذا يقول المصلي في استفتاحها: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمتُ نفسي واعترفتُ بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعًا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك». وإذا ركع المصلي (معظمًا ربه مسبحًا منزهًا إياه) يقول: «اللهم لك ركعت وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي». وإذا رفع قال: «اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد». وإذا سجد قال: «اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين». ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررتُ وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت». [رواه مسلم كتاب صلاة المسافرين، ح رقم 1290] فما أعظم هذا الذكر، وما أجمل هذه المناجاة من قلب يعي ما يقول، ويعرف عظمة من يناجي، فيخشع ظاهرًا وباطنًا ويخضع راضيًا مطمئنًا، ويمتزج هذا الخشوع بدمه وعظمه وعصبه ومخه، ويظهر على سمعه وبصره، فيكون الله سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، يوالي الله ويوالي في الله، ويعادي من عاداه، يحب الله ويجد قرة عينه في الصلاة، ويحب لله وفي الله، فهذا هو ولي الله الذي يدفع الله عنه ويغضب لغضبه ويؤذن من عاداه بالمحاربة، ويستجيب دعاءه وإذا أقسم على ربه وخالقه ومولاه أبر الله قسمه، وإن لم يكن من وجهاء الناس: «رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره». وكذلك الحاج يأتي ربه ذاكرًا ملبيًا مستجيبًا، قد تجرد من دنياه، وترك بلده وأرضه وأهله وثياب زينته، وأقبل على الله أشعث أغبر مُحْرِمًا، يلبي ويكبر، ويدعو ويستغفر، ويقف عند المشاعر وقد تملكته مشاعر الحب والرغبة والرهبة والخوف والرجاء، ولا يفتر قلبه ولا لسانه عن ذكر ربه وخالقه ومولاه. وقد أمر الله عز وجل الحاج بذكره، وكرر الأمر في مواضع من كتابه العزيز، حتى لا تكاد تجد آية في كتاب الله عز وجل تخاطب الحاج إلا وتجد فيها الأمر بذكر الله عز وجل. قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200) وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة: 198- 203]. وقال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ} [الحج:27-29]. وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج:34-36]. ويبدأ الحاج ذكر الله عند إحرامه فيسمي نسكه حجًا كان أو عمرة، مفردًا أو متمتعًا أو قارنًا بين الحج والعمرة، ويُهل ويلبي بالتوحيد: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك». ويرفع صوته بالتلبية حتى يأتي البيت فيطوف بالكعبة سبعًا ويصلي ركعتي الطواف ثم يسعى بين الصفا والمروة وهو في ذلك كله لا يفتر لسانه عن ذكر الله عز وجل بما يفتح الله عليه من الذكر والدعاء والابتهال والمناجاة. ثم يخرج إلى منى يوم التروية محرمًا يوم الثامن من ذي الحجة فيصلي بها يقصر الصلاة الرباعية، ثم يتوجه إلى عرفات صبح يوم التاسع فيقف بها ذاكرًا داعيًا متخشعًا ويصلي بها الظهر والعصر قصرًا وجمعًا ذاكرًا ربه على الهداية إلى الدين الحق، وإلى النسك الذي يقرب من الله عز وجل، ثم يفيض الحجيج من عرفات إلى المزدلفة فيبيتون بها، ويصلون بها المغرب مع العشاء جمعًا وقصرًا للرباعية، ثم يكثرون من الذكر والاستغفار والدعاء عند المشعر الحرام، ثم يتوجه الحجيج إلى منى يرمون الجمار ويذبحون- ينحرون- الهدي ذاكرين اسم الله عليه شاكرين الله تعالى على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، يُكبرون في أيام منى بعد الصلوات، وعند رمي الجمرات في الأيام المعدودات، فإذا طافوا للإفاضة فقد تم الحج ولم يبق إلا وداع البيت بطواف الوداع، فإذا قضى الحاج المناسك كلها لم يغفل عن ذكر ربه، بل يذكره بطاعته وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويغار لحرمات الله أن تنتهك أكثر من غيرته على حرمة آبائه {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}، وهكذا فالحاج لا ينفك عن ذكر ربه عز وجل أبدًا، ويظل على سبيل الذاكرين وطريقتهم بعد قضاء المناسك، بل يبقى لسانه رطبًا من ذكر الله عز وجل، فيذكر الله عز وجل في سفره في العودة والإياب كما ذكره في الذهاب. «اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وسوء المنقلب وكآبة المنظر في المال والأهل، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوعنا بُعْده، اللهم ارزقنا في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى». «آيبون تائبون عابدون سائحون لربنا حامدون». وعلى قدر ذكر الله عز وجل في العبادة يكون الأجر والفضل؛ ففي المسند أن رجلاً سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: أي المجاهدين أعظم أجرًا يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أكثرهم لله ذكرًا. قال: فأي الصائمين أكثر أجرًا؟ قال: أكثرهم لله ذكرًا. ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة، كل ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرًا. فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما: ذهب الذاكرون بكل خير. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أجل». [المسند ح15061] والحديث في إسناده ضعف، لكن له شاهد مرسل صحيح رواه ابن المبارك في الزهد، وله شاهد مرسل عند ابن أبي الدنيا وهو بشواهده صالح للاحتجاج، ومعناه الذي دل عليه حق لا ريب فيه، فأفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكرًا لله عز وجل كما ذكر ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب من الكلم الطيب. [فقه الأدعية والأذكار ج1 ص35- 37]
ذكر الله في عشر ذي الحجة:
وهي الأيام المعلومات التي أمر الله عز وجل فيها بالذكر فقال: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}، فقيل: إن المراد ذكر الله عند ذبحها وهو حاصل يوم النحر فإنه أفضل أيام العشر. والأصح أنه إنما أريد ذكره شكرًا على نعمة تسخير بهيمة الأنعام لعباده، فإن لله تعالى على عباده في بهيمة الأنعام نعمًا كثيرة، قد عدَّد بعضها في مواضع من القرآن كما في أول سورة النحل: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 5- 8]. وقال تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ} [النحل: 66]. وقال تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [المؤمنون:21،22]. وللحجيج في ذلك خصوصية عن غيرهم فإنها تحملهم إلى الحرم لقضاء نسكهم، ويأكلون من لحومها ويتصدقون. وفي الحديث الصحيح: «أفضل الحج العج والثج». والعج هو رفع الصوت بالتلبية والذكر، والثج هو إراقة دم الهدي فيكون كثرة ذكر الله عز وجل في أيام العشر شكرًا على هذه النعمة المختصة ببهيمة الأنعام.
أما الأيام المعدودات فهي أيام التشريق، أيام منى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، ويستقر فيها الحجيج في منى ويبيتون بها يرمون الجمار ويذكرون الله عقب كل صلاة بالتكبير، وأفضلها يوم القر وهو أولها وهو اليوم الحادي عشر، ثم يوم النفر الأول وهو أوسطها يتعجل فيه بعض الحجيج، ثم يوم النفر الثاني وهو آخرها، وفي الحديث الصحيح: «أعظم الأيام عند الله يوم النحر». وذكر الله تعالى المأمورُ به في أيام التشريق أنواع متعددة منها: ذكر الله تعالى عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها وهو مشروع إلى آخر أيام التشريق عند جمهور العلماء، وقد روي عن عمر وعلي وابن عباس وفيه حديث مرفوع في إسناده ضعف.
ومنها: ذكره بالتسمية والتكبير عند ذبج النسك، فإن وقت ذبح الهدايا والأضاحي يمتد إلى آخر أيام التشريق عند جماعة من العلماء، وهو قول الشافعي ورواية عن أحمد وفيه حديث مرفوع: «كل أيام منى ذبح». وفي إسناده مقال، وأكثر الصحابة على أن الذبح يختص بيومين من أيام التشريق مع يوم النحر وهو المشهور عن أحمد وهو قول مالك وأبي حنيفة والأكثرين.
ومنها: ذكر الله على الأكل والشرب فإن المشروع في الأكل والشرب أن يسمي الله في أوله ويحمده في آخره، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها». وقد روي أن من سمى على أول طعامه وحمد الله على آخره فقد أدى ثمنه ولم يسأل بعد عن شكره.
ومنها: ذكره بالتكبير عند رمي الجمار في أيام التشريق وهذا يختص به أهل الموسم. ومها: ذكر الله عز وجل المطلق فإنه يستحب الإكثار منه في أيام التشريق، وقد كان عمر يكبر بمنى في قبته فيسمعه الناس فيكبرون فترتج منى تكبيرًا، وقد قال الله عز وجل: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}. وقد استحب كثير من السلف كثرة الدعاء في أيام التشريق، قال عكرمة: كان يستحب أن يقال في أيام التشريق: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وعن عطاء قال: ينبغي لكل من نفر أن يقول حين ينفر متوجهًا إلى أهله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. [خرجهما عبد بن حميد في تفسيره] وهذا الدعاء من أجمع الأدعية للخير، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر منه، وروي أنه كان أكثر دعائه. [لطائف المعارف]