ح 233
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلاَّ وَمَعَهَا حُرْمَـةٌ .
وَفِي لَفْظِ للْبُخَارِيِّ : أن تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وليلة إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ .
في الحديث مسائل :
1= لو أورَد المصنِّف رحمه الله حديث ابن عباس لكان أولى لعدّة اعتبارات :
الأول : أنه عام ليس فيه تحديد أيام ولا مسيرة .
الثاني : كونه نَصّ في الحجّ .
الثالث : أنه لم يأذن للرَّجُل أن يَخرج للغزو ويترك زوجته تخرج للحج من غير مَحرَم .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : لا يَخْلُونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم . فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خَرَجَتْ حَاجَّة ، وأني اكْتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا . قال : انطلق فَحُجّ مع امرأتك . رواه البخاري ومسلم واللفظ له .
وبّوب عليه الإمام البخاري : باب حج النساء .
ثم روى بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تُسَافِر المرأة إلا مع ذي محرم ، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم . فقال رجل : يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا ، وامرأتي تريد الحج . فقال : اخرج معها .
2= لا مفهوم للعدد في هذه الأحاديث .
لأنه جاء في بعضها : مسيرة يوم وليلة .
وفي بعضها : مَسِيرَة يَوْمٍ .
وفي بعضها : مسيرة ليلة .
وفي بعضها : لا تسافر المرأة يومين من الدهر .
وفي بعضها : سفرا فوق ثلاثة أيام .
وفي بعضها : مسيرة ثلاث ليال .
وفي بعضها : بريداً .
قال الإمام النووي :
قال العلماء : اختلاف هذه الألفاظ لاختلاف السائلين ، واختلاف المواطن ، وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة أو البريد .
قال البيهقي كأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة تُسافر ثلاثا بغير محرم ، فقال : لا . وسُئل عن سفرها يومين بغير محرم ، فقال : لا . وسُئل عن سفرها يوما ، فقال : لا . وكذلك البريد ، فأدّى كل منهم ما سمعه ، وما جاء منها مختلفا عن رواية واحد فَسَمِعَه في مواطن ، فروى تارة هذا وتارة هذا ، وكله صحيح ، وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر ، ولم يُرِد صلى الله عليه وسلم تحديد أقلّ ما يُسَمَّى سفرا ، فالحاصل أن كل ما يسمى سفرا تُنْهَى عنه المرأة بغير زوج أو محرم ، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو بريدا أو غير ذلك ، لرواية بن عباس الْمُطْلَقَة ، وهي آخر روايات مسلم السابقة : " لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا . والله أعلم . اهـ .
3= قوله رحمه الله : " وَفِي لَفْظِ للْبُخَارِيِّ : أن تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وليلة إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ "
الذي في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة "
ولعله أراد في لفظ لِمسلم ، فإنه عنده بِلفظ : " تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم "
4= هل وُجود الْمَحْرَم شرط وُجوب أو شرط صِحّـة ؟
هو شرط وُجوب ، فلا يَجب على المرأة الحج إلا إذا وُجِد الْمَحْرَم أو الزوج .
فإن حَجَّتْ بغير مَحرَم فهي عاصية وحجّها صحيح .
ولو ماتت المرأة ولم تَحُجّ لِعدم توفّر الْمَحْرَم فإنها تلقى الله بغير إثم فيما يتعلّق بالحج . بِخلاف ما لو حَجَّتْ من غير مَحرَم فإنها تلقى الله عاصية بسفرها ذلك .
5= مَن هو الْمَحْرَم ؟
هو الزوج ومَن يَحرُم على المرأة على التأبيد ، أي لا يَحِلّ له نكاحها أبداً .
أما زوج الأخت ، أو أخو الزوج ، فلا يكون مَحْرَماً ، لأنه يَحرم إلى أمَد ، وليس إلى الأبد .
6= شَرط الْمَحْرَم :
أن يكون عاقلا بالغاً .
قال ابن قدامة في المغني : ويُشْتَرَط في الْمَحْرَم أن يكون بالغا عاقلا . قيل لأحمد : فيكون الصبي مَحْرَماً ؟ قال: لا حتى يحتلم . لأنه لا يَقوم بنفسه ، فكيف يَخْرُج مع امرأة ، وذلك لأن المقصود بالْمَحْرَم حِفْظ المرأة ، ولا يحصل إلا من البالغ العاقل فاعتُبر ذلك . اهـ .
7= قوله : " لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ " إنما يُربَط مثل ذلك بالإيمان باليوم الآخر لأنه يوم الجزاء والحساب .
فإن الوليّ في الدنيا قد يَتساهل أو يُقصِّر ، أو لا يُوجَد وليّ ، فالتي تؤمن بالله واليوم الآخر ، والتي تَرجو لقاء الله ، فلا تُسافِر إلا مع ذي مَحْرَم .
لأنها إذا سافَرَتْ من غير مَحرَم كانت عاصية آثمة ، ولو كان ذلك لأداء فريضة الله التي فَرَض الله على عباده وإذا كانت عاصية فإنها تُعرِّض نفسها للعقوبة في اليوم الآخر ( يوم القيامة ) .
8= التنبيه على سَفَر النساء لأغراض دنيوية .
إذا كان لا يجوز للمرأة أن تُسافِر لأداء فريضة الحج ، فغيرها أولى بالتحريم ، بل وأشد في الإثم .
فالمرأة التي تريد الحج لا يُؤذَن لها إلا مع وُجود مَحْرَم ، فكيف إذا كان سَفرها لِغرض دُنيوي ؟
وكيف إذا كان سفرها يُصاحِبه خلوة بسائق أجنبي ؟
لا شك أن الإثم فيه أعظَم .
وقد سألتني فتاة مؤمنة – أحسبها كذلك – عن سَفَرِها لأجل الوظيفة ، وهي تُسافِر مع مجموعة من النساء ، فأفتيتها بالتحريم . فعَلِمتُ أنها تَرَكتْ ذلك لله ، فعوّضها الله بوظيفة أخرى في بلدها بعد فترة قصيرة .
9= قوله : " وَمَعَهَا حُرْمَـةٌ " المقصود به الْمَحْرَم .
ففي رواية لمسلم : إلاّ ومعها رجل ذو حُرمة منها .
10= لا يُعارَض هذا الحديث بِفعل الصحابي .
قال الإمام البخاري : وقال لي أحمد بن محمد : حدثنا إبراهيم عن أبيه عن جده أذِن عمر رضي الله عنه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها ، فَبَعَثَ معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف .
وهذا فيه أمور :
أولاً : كونه فِعل صحابي ، وفِعل الصحابي لا حُجّة فيه إذا خالَف النصّ ، أو خالَفَه غيره ، وقد امتَنَعت سَودة رضي الله عنها فإنها لم تَخْرُج من بيتها بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأزواجه في حجة الوداع : هذه ، ثم ظُهور الْحُصُر . رواه الإمام أحمد وأبو داود .
الثاني : أن عمر رضي الله عنه فَعَل هذا بأمهات المؤمنين خاصة ، لأنهن بمنْزِلة الأمهات ، وبَعَثَ معهنّ رجلين من خيار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
الثالث : أن عمر رضي الله عنه لم يأذن فيه لغير أمهات المؤمنين ، فلم يُعرَف عنه الترخّص في ذلك لغير أمهات المؤمنين .
الرابع : احتياط عمر رضي الله عنه مع ذلك .
وكان عثمان يُنادي : ألا لا يَدْنُو أحد منهن ، ولا ينظر إليهن وهُنّ في الهوادج على الإبل ، فإذا نَزَلْنَ أنْزَلَهن بصدر الشِّعب ، فلم يصعد إليهن أحد ، ونزل عبد الرحمن وعثمان بِذَنَبِ الشِّعب . وفي رواية لابن سعد : فكان عثمان يسير أمامهن ، عبد الرحمن خلفهن . [ أفاده ابن حجر ] .
11= هل يجوز أن تَحُجّ المرأة مع جماعة من النساء ؟
الجواب :
لا يجوز لهن ذلك إذا احتاج الحج لِسَفَر .
أما إذا كان لا يَحتاج إلى سَفَر – كأهل مكة – فيجوز لهن الخروج بشرط عدم الخلوة بأجنبي ، وأن يَكُنّ مجموعة من النساء .
ومع ذلك فَوجود الْمَحْرَم فيه حماية للمرأة ومصلحة لها ، ولو كان ذلك في الطواف .
روى وكيع في أخبار القُضَاة من طريق السندي بن شاهك قال : كنت قائماً على رأس المنصور وعنده الحسن بن عمارة ، فقال المنصور له : تَحَدَّث ? فقال : حدثني أبو أمير المؤمنين أنه حج مع أبيه عام حج عبد الملك بن مروان فإذا امرأة تطوف قد فَرَقَتِ النساء ، فَسَمَتْ إليها عيون الناس ، فلحق بها عمر ابن أبي ربيعة وأخبرها أنه عمر ، وأنه قد خامر قلبه منها شيء ! فزجرته فلم يَنْزَجر ، فقالتْ لِوَلِيّ لها : اخْرُج معي إذا خرجت من المسجد، فلما رآها عمر حَادَ عنها ، فأنشدت تسمعه :
تعدوا الذئاب على من لا كلاب له = وتتقي حوزة المستدفئ الحامـي
فقال المنصور : قد سمعت هذا من أبي ، ووددت أن ذوات الخدور جميعاً تسمعنه !
والله تعالى أعلم .