ح 241
عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ , فَقَبَّلَهُ ، وَقَالَ : إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ , لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ , وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ .
فيه مسائل :
1= لماذا سُمِّي الحجر بالحجر الأسود ؟
لأنه أسود اللون ، وفي الحديث : نَزَل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن ، فَسَوّدته خطايا بني آدم . رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني .
2= مشروعية تقبيل الحجر الأسود ، ومسّه لمن لا يستطع تقبيله ولو بواسطة ، أو الإشارة إليه لِمن بَعُد عنه .
ففي الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ . وسيأتي شرحه – إن شاء الله – .
والمقصود بالرّكن هنا : الحجر الأسود .
قال النووي : وَفِي هَذَا الْحَدِيث : جَوَاز الطَّوَاف رَاكِبًا ، وَاسْتِحْبَاب اِسْتِلام الْحَجَر ، وَأَنَّهُ إِذَا عَجَزَ عَنْ اِسْتِلامه بِيَدِهِ اِسْتَلَمَهُ بِعُودٍ . اهـ .
3= استلام الحجر وتقبيله من السُّـنَّـة .
قال سويد بن غفلة : رأيت عمر قَـبَّل الْحَجَر والْتَزَمه ، وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا . رواه البخاري .
4= لا يُشرع للمرأة استلام الحجر وتقبيله إلاّ إذا لم يكن فيه مُزاحمة للرجال .
قال ابن عبد البر : الاستلام للرجال دون النساء ، عن عائشة وعطاء وغيرهما وعليه جماعة الفقهاء . اهـ .
5= نفي النفع والضرّ عن الجمادات ، وإثبات النفع والضرّ لله عزَّ وَجَلّ .
6= عدم تعلّق الصحابة رضي الله عنهم بآثار النبي صلى الله عليه وسلم كَتَعلّق الْمُتأخِّرين ، ممن انحرف عن نهجهم ، وخالف سُنّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم .
روى ابن أبي شيبة من طريق أبي عمران الجوني عن أنس أنهم لَمَّا فتحوا تستر قال : كانوا يستظهرون ويستمطرون به ، فكتب أبو موسى إلى عمر بن الخطاب بذلك ، فكتب عمر إنّ هذا نبي من الأنبياء ، والنار لا تأكل الأنبياء ، والأرض لا تأكل الأنبياء ، فكتب : أن انظر أنت وأصحابك - يعني أصحاب أبي موسى - فادفنوه في مكان لا يعلمه أحد غيركما . قال : فذهبت أنا وأبو موسى فَدَفَنَّاه .
قال ابن كثير في تفسيره : وقد رُوينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لَمَّا وَجَد قبر دانيال في زمانه بالعراق أمَر أن يُخْفَى عن الناس ، وأن تُدْفَن تلك الرقعة التي وجدوها عنده فيها شيء من الملاحم وغيرها .
وروى ابن أبي شيبة من طريق نافع قال : بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة التي بُويع تحتها . قال : فأمر بها فَقُطِعَتْ .
وهذه الشجرة التي بُويع تحتها بيعة الرضوان في غزوة الحديبية .
قال الإمام أبو بكر الطرطوشي : أرْسَل عمر فَطَمَس موضع الشجرة التي بايَع تحتها أصحاب الشجرة .
وروى عبد الرزاق في " باب ما يقرأ في الصبح في السفر " من طريق المعرور بن سويد قال : كنت مع عمر بين مكة والمدينة فصلى بنا الفجر فقرأ (ألم تر كيف فعل ربك) و (لإِيلافِ قُرَيْشٍ) ، ثم رأى أقواما يَنْزِلون فيُصَلُّون في مسجد ، فسأل عنهم ، فقالوا : مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنما هلك من كان قبلكم أنهم اتخذوا آثار أنبيائهم بِيَعًا ، من مَرّ بشيء من المساجد فحضرت الصلاة فليُصَلّ ، وإلا فَلْيَمْضِ .
والآثار في هذا الباب كثيرة ، وهي دالّة على عدم تعلّق الصحابة رضي الله عنهم بالآثار ، وعدم الغلو فيها ، وعدم تعظيم ما لم يُعَظِّمه الله .
7= قوة فقه الصحابة رضي الله عنهم ، وذلك لأسباب منها :
مُصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم .
مُعايشة الـتَّنْزِيل .
عدم تأثّرهم بالعُجمة والفلسفة !
8= الْتِزَام الصحابة رضي الله عنهم السُّـنَّـة ، وعدم تقديم رأي أو قول أحدٍ عليها .
كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : اتَّبِعوا ولا تَبْتَدِعوا ؛ فقد كُفِيتم . رواه الدارمي .
وقال رضي الله عنه : إنا نَقْتَدِي ولا نَبْتَدِي ، ونَتَّبِع ولا نبتدع ، ولن نَضِلّ ما تَمَسَّكْنا بِالأثر . رواه اللالكائي .
9= الاستسلام والانقياد ، سواء عُرِفت الحكمة أم لم تُعرَف .
ودلّ على هذا قول عمر رضي الله عنه : وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ .
10= لا يستلزِم ذلك التهوين من السنة ، ولا من شأن شعائر الله ، ولا يجوز الاستخفاف بشعائر الله تحت تأثير بعض أفعال وتصرّفات الْجَهَلَة . كقول بعض الناس : هذه حَصَاة ! هذا حجر ! هذا جماد .. على سبيل التهوين من شأنه ، وإنما يُقال كما قال عمر رضي الله عنه .