﴿ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ﴾
سلك المنافقون مسالكَ متنوعةً في تحقيق أهدافهم، والترويج لأطروحاتهم، بخاصة بين ذلك النفر من الناس الذين تنطلي عليهم الحيل، وتلعب بهم الأكاذيب، لقد ذكر الله - تعالى - أن هناك فئة في المجتمع الإسلامي تستمع إلى المنافقين، وتتأثر بأطروحاتهم، حين قال - تعالى -: ﴿ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 47].
ولا شك أن لدى المنافقين إمكاناتٍ، وقدرات على توظيفها من أجل إقناع الناس بما يريدون، من خلال تبني قضايا عامة، أو الحديث عن الهموم الإنسانية، وإظهار الحرص على المصلحة العامة، وهذه الأمور وغيرها كفيلة بأن يجد المنافقون بسببها آذانًا مصغية، مِن فئةٍ ما، في مجتمعٍ ما.
وفي حديث القرآن الكريم عن خطورة هذا الطرح، يقول الله لرسوله الكريم - وهو النبي المسدَّد -: ﴿ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ﴾، وهذا السماع، فإنه وإن كان الخطاب وأمثاله في القرآن - كما يقول المفسرون - موجهًا إلى الرسول - مرادٌ به أمتُه؛ إذ لا يُتصور من الرسول المعصوم أن يستمع إلى المنافقين، أو أن يتأثر بما يقولون، فإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا الأسلوب من الخطاب يؤكد مدى أثر أطروحات المنافقين في المجتمع الإسلامي، حتى كاد يتأثر بها لولا عصمته.
إن الحرب الإعلامية بدأها رأسُ المنافقين عبدالله بن أُبي في المدينة النبوية، وكان من شعاراتها الحرص على سلامة أرواح المسلمين، حين رجع بثلث الجيش في غزوة أُحد، ومن شعاراتها كذلك الحرص على أموال المسلمين، وعلى سلامة أمنهم الاقتصادي في المدينة، حين دعا إلى عدم الإنفاق على أولئك الذين يأتون من خارج المدينة، ليكونوا إلى جانب الرسول، وتحت تصرُّفه، ورهن إشارته، وقد كان هدف المنافقين من هذا الحرص الزائفِ إضعافَ قوة المسلمين؛ كما قال الله - تعالى - عنهم: ﴿ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ﴾ [المنافقون: 7].
إن هذه الحرب الإعلامية بدأت تطل برأسها من جديد، تمثلها قنوات كثيرة، وعلى رأسها قناة (الحرة)، تلك القناة التي أطلقتها الإدارة الأمريكية، في محاولة يائسة منها لتحسين صورة أمريكا لدى المشاهد العربي، هذا المشاهد الذي فقَدَ بعض قدراته، وضعفت إمكاناته، إلا أنه ما زال قادرًا على تمييز الخبيث من الطيب في مواقعَ كثيرةٍ، فقد أفاد كثيرًا من النكبات المتتالية، وأثمرت التجارب التي مر بها وقاية له من التضليل والاستغفال، بخاصة حين يقلب صفحات التاريخ، فيرى الصلة وثيقة بين حزب عبدالله بن أُبي، وبين حزب التضليل الإعلامي المعاصر، عندها يستحضر المشاهد العربي قولَ الله - تعالى - وقولُه الحقُّ:﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [المنافقون: 4]، يستحضر المشاهد العربي هذه الحقائق القرآنية، وتبقى ماثلة أمامه كلما رأى وجهًا تبدو منه ابتسامة صفراء، أو سمع كلامًا في حقيقته هراء.