بتـــــاريخ : 8/4/2008 3:38:02 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1634 0


    إعدام الطاغية 'روبسبير'!

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : قصيمي | المصدر : www.qassimy.com

    كلمات مفتاحية  :
    إعدام الطاغية 'روبسبير'!
    أعدم ستة آلاف مواطنا فرنسيا في ستة أسابيع فقط!


    يعجب الإنسان عندما يبحر بين صفحات التاريخ فيري عجبا.. يري النفس البشرية علي حقيقتها عندما تتحول إلي وحش كاسر لا يشبع من سفك الدماء.. ولا يشبع بالتمثيل بالآخرين.. كل همه أن يظل في السلطة، ولو استدعي ذلك أن يسوق أقرب الناس إليه إلي الجيلوتين 'المقصلة' دون وازع من ضمير.. باسم العدالة.. وباسم الدفاع عن الثورة يفعل ذلك دون رحمة أو شفقة.. ودون أن يشعر بالخجل، ودون الإحساس بأنه من الممكن أن يساق إلي نفس المصير المؤلم الذي ساق إليه الآخرين.. إنه روبسبير سفاح الثورة الفرنسية!

    وبطل حكايتنا اسمه ماكسمليان روبسبير الذي ولد عام 1758م، ولم يعش سوي 36 عاما، وقد تولي حكم فرنسا بعد أن قتل (دانتون) بعد أن أعدم الملك لويس السادس عشر.
    ورغم أنه تولي السلطة ثلاث سنوات، ثم انفرد بحكم فرنسا كحاكم مطلق لمدة عام واحد، إلا أن فرنسا عاشت في ظل حكمه أسوأ عصور الإرهاب والطغيان، وأصبح الإعدام يوميا بالمقصلة من المشاهد المألوفة في باريس.
    وقال عنه المؤرخون أنه قتل ستة آلاف مواطن فرنسي في ستة أسابيع دون أن يهتز له ضمير!

    * * *

    لقد كان روبسبير محاميا، واستطاع أن يبسط نفوذه، وكان متحمسا مثل بقية الثوار لآراء الفلاسفة الذين كانوا سببا في قيام الثورة الفرنسية، ومهدوا للقيام بها بأفكارهم: جاك جاك روسو، فولتير، ديدرو، ومونتسكيو، إلا أنه تنكر لهذه المبادئ عندما قامت الثورة الفرنسية وأعدمت الملك لويس السادس عشر وزوجته ماري انطوانيت.. وقد ساعد علي قيام هذه الثورة الحالة الاقتصادية السيئة التي عاشتها فرنسا، بجانب الظلم المتمثل في الزج بالأبرياء في سجن الباستيل، وكان هذا الملك ضعيفا، ليست لديه القدرة علي اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.. ومن هنا فقد استيقظ الناس من كثرة الظلم الواقع علي اهلهم، ومن شعور الناس بعجز الملك وتحكم زوجته، فبدأت الثورة في 14 يوليو 1789م، وكان أول ما قامت به الجماهير الغاضبة هو تحطيم سجن الباستيل.
    وكان اسم 'ميرابو' قد برز بين الناس عندما قال لمندوب الملك، وهو في الجمعية الوطنية­ قل لسيدك­ الملك­ نحن هنا بأمر الشعب، ولن نتزحزح من أماكننا إلا علي أسنة الرماح!!
    وعندما حاولت الملكيات في أوروبا أن تنقذ الملك لويس السادس عشر، أسرعت الثورة بالقبض علي الملك الذي حاول الهرب مع زوجته وإعدامها! وأعلنت الجمهورية سنة 1792م.

    * * *

    وتطورت الأحداث..
    واستطاع المتطرفون من اليعاقبة (حزب الجبل) السيطرة علي الأمور، وكان روبسبير قد دخل هذا الحزب، ثم استطاع أن يسيطر عليه ويصبح هو الحاكم الحقيقي لفرنسا!
    ورغم أنه كان نحيل الجسد، صغير الجسم، إلا أنه كان خطيبا مفوها يستطيع أن يسيطر علي الجماهير بحسن إلقائه وبالشعارات التي يطلقها.
    ويقول عنه المؤرخ ه.ج.ويلز:
    '... أصبحت الثورة تحت سلطان زعيم متسلط شديد التعصب هو روبسبير.
    ومن العسير علينا أن نفضي في هذا الرجل برأي، فإنه كان ضعيف البنية جبانا بفطرته، فقيرا مزهوا بنفسه، ولكنه أوتي ألزم الصفات لبلوغ القوة وهي الإيمان، فراح يعمل علي إنقاذ الجمهورية علي الصورة التي خيلها إليه تصوره، كما كان يتوهم أنه لا منقذ لها إلا شخصه هو، ومن ثم أصبحت عقيدته الراسخة أن بقاءه في الحكم هو السبيل لإنقاذ الجمهورية، وخيل إليه أن الروح الحي للجمهورية قد نشأ عن تذبيح الملكيين وإعدام الملك.
    ثم تحدث عن محكمة الثورة وعملها، وكيف ابتدأ بذلك سيل منهمر من الذبح والتقتيل، وجاء اختراع المقصلة (الجيلوتين) في أنسب الأوقات لهذه النزعة الدموية، فأعدمت الملكة بالمقصلة، وكذلك أعدم معظم خصوم روبسبير بالمقصلة، وأعدم أيضا بالمقصلة كل كافر أنكر الكائن الأعلي (الذي اتخذه روبسبير ربا).
    ويقول المؤرخ الكبير: وانقضت الأيام يوما بعد يوم، وأسبوعا بعد أسبوع، وهذه الآلة الجهنمية تحز الرؤوس بعد الرؤوس وتقول هل من مزيد!
    ولا أخال إلا أن حكم روبسبير كان يعيش علي الدم، ولا يزال يطلب من المزيد منه فالمزيد، كمدمن الأفيون حيث يطلب منه المزيد فالمزيد، وأخيرا جاء دور روبسبير نفسه فعجزل وأجعدم بالمقصلة نفسها في صيف عام 1794م..

    * * *

    ولكن كيف كانت نهاية الطاغية؟
    يقول المؤرخ الدكتور محمد متولي:
    مضي روبسبير.. ذلك النمر الضاري.. دراكولا مصاص الدماء.. قضي علي نفسه بتطرفه واشتطاته، فقد أصدر في 10 يونيو سنة 1794م قانونا كان بمثابة السيف علي رقاب أعضاء المؤتمر الوطني الفرنسي.. بمقتضي هذا القانون حرم أعضاء المؤتمر من حصانتهم البرلمانية، وكان يهدف من وراء هذا القانون الإطاحة بكل من يرفع رأسه معارضا إياه، أو مخالفا أفكاره.. ولكنه نسي ما قد يصنعه الخوف في لحظة اليأس.. ذلك أن الشجاعة قد تدب حتي في قلب الجبان إذا ما اضطر إلي الدفاع عن نفسه.
    وخشي أعضاء المؤتمر الذين وعوا دروس المقصلة جيدا.. خشوا علي أنفسهم ولذا دبرت مؤامرة ضد (روبسبير) وأعوانه، واتفق كل من (باراس دتاليان) متزعمين المؤامرة وهما من رجال الثورة اللذين كانا خائفين علي ما يفعله (روبسبير) ومن معه، لذلك عزما علي التخلص من هذا الطاغية.. وبدلا من استخدام الخطب والكلمات لإسقاطه استخدما نفس أسلحته.
    القوة.. ومن ثم جهزا قوة عسكرية واقتحما بها دار البلدية التي كان بها روبسبير يحاول تبرير جرائمه وتدبير جرائم جديدة.
    ونجحت إحدي الرصاصات التي أطلقت عليه في أن تصيب فكه، واقتيد وهو يقطر دما إلي المقصلة، كي يذوق نفس الكأس التي أذاقها الكثير من فرائسه.
    ويعلق مؤرخنا علي هذا الحدث­ الذي أطاح بهذا الطاغية الذي أحال حياة الناس في فرنسا إلي جحيم لا يطاق.. بسفكه الدماء وعدم التورع بإنزال العقاب.. وأقل العقاب عنده هو الإعدام بالمقصلة­ بلا مبرر­ عقب علي ذلك بقوله..
    وهكذا انتهي هذا الكابوس المخيف الطويل، وزالت فجأة حمي التذبيح الممقوتة التي كلفت باريس وحدها ألفين وستمائة ضحية، وبقية أنحاء فرنسا أكثر من 30 ألف قتيل!!
    لقد وجهوا له تهمة الخيانة العظمي، فانفض من حوله أنصاره وتركوه لمصيره المحتوم، وانتهي هوان الشعب الفرنسي بتخلصه من حكم الطاغية، وبدت روح الأمل تدب من جديد لإقامة مجتمع الحرية والإخاء والمساواة الذي افتقدته الجماهير بعد ظلام ليل طويل'.

    * * *

    وهكذا انتهت هذه الصفحة القاتمة التي ألقت ظلالها الكثيفة علي فترة من فترات التاريخ الفرنسي.. وكانت هذه الفترة من أحلك الفترات التاريخية، والتي كانت تعطي صورة لمختلف شعوب العالم، علي أن الطغيان لا يدوم، وأن السلطة التي تتخذ منه وسيلة لقمع الحريات، وترهيب الناس ستكون لها نهاية سيئة.. نهاية تساوي ما اقترفه الطغاة في حق شعوبهم من استبداد.. لأن الحق ينبثق دائما مهما كانت عتمة الطريق!!

    مراجع

    طغاة التاريخ.. د. محمود متولي
    موجز تاريخ العالم.. ه.ج.ويلز
    ترجمة عبدالعزيز توفيق جاويد
    دوائر المعارف المختلفة
    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()