إن نمو شعبية الجراحة التجميلية في السنوات الأخيرة الذي فاق جميع التوقعات ، و الذي شمل كافة الشرائح الاجتماعية و إن يكن بنسب متفاوتة؛ يجعل من الأهمية بمكان تسليط الضوء على العمليات الجراحية التجميلية و الأبعاد النفسية التي تكتنفها، كما على أهمية غربلة المرضى و تثقيفهم قبل أن يضعوا أنفسهم تحت المشرط الذي يبدو أنه بات الصولجان السحري للحياة المعاصرة و المجتمع الاستهلاكي الذي نعيش فيه0
سأحاول في هذه المادة أن أفسر أسباب انتشار هذه الظاهرة في العالم و في مجتمعنا و دواعيها و مخاطرها و ضرورة انتقاء المرشحين المناسبين لها بعناية و سأتطرق إلى بعض الحالات النفسية التي يجب على جراح التجميل أن يتعرف عليها و يحيلها إلى طبيب نفسي0 و لن أناقش بطبيعة الحال ضرورات الجراحة الترميمية التي لا يجادل أحد في أهميتها و ضرورتها للمريض 0
الإعلان و الجراحة التجميلية :
لا شك أن الإعلان يحاول إقناعنا بما لا حاجة لنا به من سلع و خدمات و أفكار ، بل و طرق حياة0 و هو في سعيه لذلك يحاول صياغة آرائنا و توجهاتنا التي تخدم المعلن و ذلك من خلال أنماط و نماذج يجعل منها المعلن أسوة يجب الإقتداء بها و يستخدم في ذلك علماء النفس و نجما ت الإعلان و وسائل الإعلام و مصادر التكنولوجيا المختلفة و الإبهار لتحقيق أغراضه0 و بالإضافة إلى أن الإعلان يعمل على جذب المستهلك إلى سلعة ما، فإنه يعمل أيضاً على تعويده عليها، مما يحدث في نهاية المطاف تغيراً واضحاً في نمط تفكير الجمهور و ثقافته الاستهلاكية0 و يكمن الخطر الحقيقي في أن تتحول هذه السلع و الأفكار و الاتجاهات إلى ضرورية و أساسية بعد أن كانت ثانوية و كمالية0 و قد لوحظ من خلال الدراسات الميدانية أن الطبقات المتوسطة تقبل على شراء الكثير من السلع و المنتجات الكمالية التي تروج لها الإعلانات من باب تقليد الطبقات الغنية حتى لو أدى بهم ذلك إلى الاستدانة0 إذن في عصرنا- عصر العولمة يحوِّل الإعلان المواطن إلى مستهلك و يغدو كل شيء بما في ذلك الأفكار سلعة قابلة للتداول 0 و الجراحة التجميلية هي أكثر المجالات الطبية ارتباطاً بالإعلان و قد ازدهرت بسببه، و باتت في جزء كبير منها مادة إعلانية استهلاكية0
الأمر الذي يبعث على القلق هو أنه بات يُعلن بأن اختيار أنف جديد هو كشراء ثوب و أن الإجراءات التجميلية خالية من الألم و المخاطر و ذلك ضمن حمى إعلانية و إعلامية لا سابق لها 0 لقد ارتفع الطلب على الجراحة التجميلية 32% كل عام بعد عرض برنامج عن إعادة التصنيع الكاملة و هو برنامج Extreme Makeup الذي انطلق في عام 2002 0 و في عام 2003 أجريت أكثر من 8,7 ملايين عملية جراحية في الولايات المتحدة و ينطبق الأمر ذاته على برنامج تلفزيوني آخر هو Swan 0
إن مقاربة عمليات التجميل مسألة مركبة و متعددة الجوانب يتداخل فيها النفسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي، و لكن يبقى العامل النفسي هو المحور الذي تدور حوله كافة العوامل الأخرى0
و ظاهرة اللجوء إلى عيادات التجميل في مجتمعاتنا هي حديثة العهد نوعاً ما فهي من الناحية الاجتماعية و الاقتصادية تنطوي على ترف يركز على الشكلانية كمسألة جوهرية, حيث ينظر إلى الجسد بوصفه سلعة قابلة للتسويق وهذه النظرة إلى الجسد تختزل الإنسان في مظهره الخارجي ويصبح الجمال هو ما يقدمه الإعلان و الإعلام على شكل ممثلات هوليوود أو عارضات أزياء تعكس أشكالهن النمط الاجتماعي والثقافي للبلدان التي يعيشون فيها.
وحتى في هذه البلدان فإن النزوع إلى تغيير الشكل عن طريق عيادات جراحة التجميل يعكس ميلاً إلى التنميط والتماثل مع نماذج اجتماعية تستقطب الأضواء 0 أما في مجتمعنا فيعكس هذا النزوع دونية ومحاولة للتشبه بما تقدمه الثقافة الغربية والبروز الاجتماعي من خلال الشكل الخارجي الذي يعني الجمال وإلغاء كافة الأبعاد الأخرى للإنسان كجوهر ينطوي على قيم وأخلاق ومثل0 ولكن لذلك أيضاً بعداً نفسياً غاية في الأهمية فهناك اضطرابات نفسية تتعلق بصورة الشخص ونظرته إلى هذه الصورة ويتبدى ذلك بالنفور غير المنطقي أو الانشغال المفرط بأحد الملامح المكروهة.
خصوصية الجراحة التجميلية:
تتميز الجراحة التجميلية عن فروع الجراحة الأخرى بمجموعة من الخصائص أذكر منها:
- إن من يبدؤها و يطالب بها هو المريض نفسه و ليس الطبيب، فهنا نحن أمام انقلاب الأدوار في العلاقة بين الطبيب و المريض0 فما يسمى في الطب و الجراحة استطباب أو داعي العمل الجراحي يحدده الطبيب أما هنا فيحدده المريض مع ما يترتب على ذلك من خلل في القدرة على تحديد ما هو ضروري طبياً0
- تستثير هذه الجراحة ردّ فعل حاد من المريض و ذويه ، الأمر الذي قلما نجده في الجراحات الأخرى0
- وجود عنصر أو مكون نفسي بالغ الأهمية0
- دور الإعلان الهائل في انتشارها و تقديمها كحاجة ملحة للناس0
- دور السلوك الاستهلاكي في صياغة الدوافع لدى الناس ، و النظر إلى الجراحة التجميلية على أنها سلعة قابلة للتسويق التجاري0
الجراحة التي تنفع النفس :
على وجه العموم نلاحظ أن المرضى الذين يطلبون الجراحة التجميلية هم أصحاء من الناحية الجسدية، و بالتالي فإن الهدف الأساس لأي جراحة تجميلية هو مريض سعيد و هذا يعني أن النتيجة الناجحة جراحياً تعني القليل إن لم يكن المريض سعيداً بالنتيجة0
بينما يُظهر البحث بأن معظم المرضى راضون عن النتيجة، فإن نحو 15% من الذين يخضعون لجراحة تجميلية قد لا يرضون أبداً و منبع ذلك مرض نفسي خطير0 فإذا كان هذا الإجراء المرغوب به بشدة يخفق في تحقيق آمال مريض نفسي ما ، فإن النتائج قد تكون مدمرة- بل حتى مميتة أحياناً0
أجريت دراسة راجعة شملت 3521 امرأة أجريت لهن غرسات تجميلية للثدي ، فوجد أن نسبة الانتحار كانت أعلى بثلاثة أضعاف لدى هؤلاء النساء من باقي النساء اللائي لم يخضعن لعملية تجميل0 و في حين لا يحمِّل الباحثون مسؤولية الانتحار لغرسات الثدي في أي حال ، إلا أن النتائج تشدد على الحاجة لغربلة طلاب هذا النمط من الجراحات و ذلك من أجل البحث عن مرض نفسي دفين0 و لكي نفعل ذلك ينبغي أن نفهم ماهية الدوافع التي تجعل الناس ينشدون الجراحة التجميلية0
تعزيز الجسد: باعث طبيعي
82% ممن ينشدون الجراحة التجميلية هم من النساء و 40% منهن تقع أعمارهن بين 35 و 50 سنة0 و يعد شفط الدهون الإجراء الأكثر شعبية0 إن رغبة هؤلاء في تقويم الأنف أو إزالة التجاعيد أو تسطيح البطن ، قد تكون عميقة الجذور في الثقافة الإنسانية و البيولوجيا النفسية للبشر0 ففي أغلب الثقافات يُساوى الجمال بالصحة الجيدة0 و استناداً للنظريات الاجتماعية البيولوجية ، يحوز الأشخاص الجذابون في المجتمع أفضلية أو تميزاً عندما يتعلق الأمر باختيار شريك ، الأمر الذي يحيلنا إلى مفهوم بقاء الأصلح0 فضلاً عن ذلك فإن الأبحاث المجراة على الثقافات تظهر أن الأشخاص الأجمل من ناحية الشكل يميلون إلى الحصول على وظائف ذات دخل أعلى ، و أنهم أكثر نجاحاً في مهنهم من الأشخاص الأقل جاذبية؛ كما أن هناك أدلة على أن التنافس الاجتماعي يحفّز الناس بشكل طبيعي على التلاعب بمظهرهم من أجل النجاح0 و يعتبر علماء النفس استراتيجيات تحسين الذات و تعزيزها ( استخدام المكياج و اختيار الملابس المناسبة مثلاً ) تدبير يهدف إلى خلق انطباع عن الشخص0 إذن الجراحة التجميلية هي في نهاية المطاف وسيلة أخرى متقدمة يستخدمها الناس غالباً من أجل خلق انطباع جيد0
من هم المرشحون المناسبون للجراحة التجميلية؟
المرشحون الأنسب هم الواقعيون تجاه حاجاتهم و توقعاتهم، و هؤلاء الأشخاص نموذجياً ينشدون العلاج من مشكلة لم تتمكن الحمية الغذائية و لا التمارين الرياضية من حلّها مثل الجلد المترهل على البطن بعد فقد وزن كبير0
و لكن متى تكون الجراحة التجميلية مفرطة أو مغالية؟ يوافق الخبراء على أن ذلك يعتمد على الشخص0 فالأشخاص المستقرون نفسياً يمكن لهم أن يتحملوا جيداً عدة عمليات إذا كانت الأهداف واقعية و محددة0 فعلى سبيل المثال قد تجري امرأة مستقرة نفسياً شفط دهون و تسطيح بطن و رفع الحاجب في نفس الزمن أو خلال فترة زمنية قصيرة0
وفقاً للجمعية الأمريكية لجراحي التجميل ، تعتبر الإجراءات التالية ضمن المجال المقبول للبالغين، و ذلك اعتماداً على عمر المريض: فالذين في الثلاثينات من عمرهم يقترح حقن ذيفان البوتولونيوم ( بوتوكس، ميوبلوك ) لإزالة التجاعيد حول العينين و طي المعدة و رفع الثدي للنساء اللواتي لم يعد يرضعن0 و لمن هن في الأربعينات فتضيف الجمعية شفط الدهون لمناطق فيها مشكلة مثل ناحية تحت الذقن أو الوركين أو الفخذين و إزالة الأوردة العنكبوتية0 و لمن في الخمسينات أو أكبر تتضمن لائحة الجمعية رفع الوجه و الجراحة على الجفن0
نماذج الدافع:
إن الاختيار المناسب للمرضى من أجل الجراحة التجميلية يجب أن يبدأ بتقييم نفسي فعال ، و أن يتم التركيز بشكل أساسي على الدافع0 تتعدد دوافع المرضى للعمل التجميلي بعدد المرضى أنفسهم و ليس كل سبب أو كل شخص يرغب في الجراحة مناسب للعمل الجراحي0 قد ينبع الدافع من مصادر مختلفة، و المريض الذي يطلب الجراحة التجميلية يكون مدفوعاً بضغوط داخلية أو خارجية أو كليهما0 و لأن جراحي التجميل لم يتلقوا تدريباً رسمياً في الطب النفسي ، فإنهم غالباً ما يجدون صعوبة في التشخيص الصحيح للدوافع الحقيقية ، و بالتالي فإن جراحي التجميل ، محاولة منهم تمييز المرضى على أنهم مناسبين أو غير مناسبين انفعالياً، هذا إن حاولوا ذلك أصلاً ؛ غالباً ما يعتمدون على خبرتهم الخاصة و على تعليم معلميهم أو ببساطة كمقاربة جشطالتية ( انطباعية عامة )0
ليست جميع الدوافع الداخلية أو الخارجية مناسبة للجراحة0 ثمة بعض الأمثلة عن الباعث الخارجي تستحق التمعن الدقيق0 فغالباً ما تنشأ الحاجة لإسعاد الآخرين ( زوج ، قريب ، عاشق ، غريب ) عن اعتقاد خاطئ بأن التغيير في المظهر الخارجي سيؤدي إلى نتائج معينة مثل تحسين العلاقة أو المحافظة على الزواج0 طبعاً هذه الفكرة نادراً ما تكون صحيحة، و قد تشير إلى أمر أكثر خطورة عند المريض0 و فضلاً عن ذلك فإن الملحّين على الذهاب إلى الجراحة التجميلية قد يكونوا سلبيين نحو العمل الجراحي و ليسوا مرشحين مناسبين0 فالمريض المناسب يكون فاعلاً في قراره السعي إلى الجراحة و ليس تأثراً بالآخرين0
إن طلب الجراحة التجميلية كوسيلة للترقي في المهنة غالباً ما ينتج عنه الإحباط و ليس الرضا بعد العمل الجراحي، رغم الفكرة العامة التي تقول بأن الأشخاص الأكثر جاذبية هم الأكثر نجاحاً؛ و بالتالي فإن استخدام الجراحة التجميلية كوسيلة لتحقيق هذا الهدف نصيحة سيئة0 على العكس من ذلك، إذا كان المريض مدركاً بأن الجراحة الناجحة لا تضمن الترقية المهنية ، فإن هذا المريض قد يستخدم تحسن المظهر بصورة أكثر فاعلية0
يعتبر المرضى الذين لديهم دوافع داخلية للجراحة التجميلية مرشحون مناسبون بصورة عامة0 يمكن أن نعرف الدوافع الداخلية على أنها مشاعر مديدة حول عيوب في المظهر الجسدي و كذلك التزام قوي بالتغيير الجسدي0 بيد أن تعريف العيب الوجهي يتباين إلى حد كبير بين المرضى، فالحالة التي تبدو ذات شأن بسيط للجراح قد لا تبدو كذلك للمريض، كما أن الخط الفاصل بين العلّة الحقيقية و تلك المدركة هي في الغالب غير محددة0
يبدو أن المرشحين ذوي الدافع الداخلي يعوزهم التكيف مع وضع محدد0 و تعكس الحالة النفسية عيباً جسدياً محدداً و التجديد أو الترميم الجراحي يؤدي إلى غياب القلق0 و هذا يختلف جوهرياً عن مريض يكون عنده العيب هو البؤرة فقط0 فبالنسبة لمثل هذا المريض ، حالما يجري إصلاح جزء من الوجه فإنه سرعان ما يجد عرضاً آخر يقنّي أو يفرغ عُصابه من خلاله0
نظرة على الدوافع غير الصحية:
المرضى الذين يجرون شيئاً في كل سنة أو سنتين أو الذين أجروا الكثير من الجراحات بحيث أنهم لم يعودوا يظهرون طبيعيين ( و مع ذلك يريدون المزيد ) يمثلون المرشحين الذين ينبغي الاستفسار عن دوافعهم0 يُشار إلى هؤلاء أحياناً " بمدمني الجراحة المتعددة " و يرجح ألا يكون هؤلاء سعداء نتيجة الجراحة بصرف النظر عن هذه النتيجة من الناحية التقنية0
لسوء الحظ ليس هناك أداة موضوعية سهلة الاستخدام لتحري مثل هؤلاء المرضى0 و مع ذلك فقد حددت الأبحاث مجموعة من المؤشرات التي يمكن أن يستخدمها الطبيب لمساعدته على تحديد هؤلاء المرضى0 عند تقييم المرشحين المحتملين يجب الانتباه إلى المرضى الذين:
- لديهم توقعات غير واقعية عن نتيجة الجراحة كالظن بأن زروع الثدي قد تصلح علاقة محطمة أو أن إصلاح الأنف سيساعد في تأمين عمل أفضل0
- مدفوعون بقضايا العلاقة كالطلاق أو استحثهم الأصدقاء أو الأقارب0
- لديهم قصة جراحة سابقة غير مُرضية رغم أنها كانت ناجحة تقنياً0
- يركزون على تشوه بسيط أو عيب غير بائن لأي شخص سوى المريض نفسه0
إن معرفة دوافع المريض ليست سهلة دوماً ، ذلك أن المريض قد يخفي رغباته الحقيقية0 فقد يطلب جراحة معينة في حين يرغب حقيقةً بأخرى0 أحياناً يكون المريض لديه اضطراباً نفسياً0 مثل هذه الظروف تتطلب من الجراح أن يفهم ما لم يُقال، و هذا يعني أن الجراحُ المريضَ بما في ذلك قصته الكاملة و فحصه جسدياً و التأكيد على القصة الاجتماعية و العائلية0 إن اختيار مريض لجراحة تجميلية يبدأ من المقابلة الأولى و مسؤولية الجراح هي مسح و تحري جميع المرضى0 و النتيجة السيئة تكون إما نتيجة اختيار مريض غير مناسب أو خطأ تقني0
حالما يشير الفحص الجسدي و القصة إلى أن المريض قادرٌ على العمل الجراحي ، فإن على الطبيب أن يحاول كشف مخاوف و رغبات المريض و أن يقيِّم ما إذا كانت هذه الأمور ستؤدي إلى مشكلات مستقبلية0 على الجراح أن يفهم سمات شخصية المريض و ما يحب و ما يكره فضلاً عن غاياته من الجراحة التجميلية و سبب سعيه لذلك في هذا الوقت و توقعاته من نتائج العمل الجراحي0 إذا لم يشعر الجراح بالارتياح من المعلومات التي حصل عليها من المريض عندئذ يتوجب إحالته إلى الطبيب النفسي0
اقترح غولدوين و كورني سلسلة إضافية من الأسئلة التي يمكن استخدامها للتقييم قبل العمل الجراحي لمريض الجراحة التجميلية0 يؤكد الإجماع المقبول بأن على الجراح أن يقضي مهما يكن من الوقت لكي يقيم بشكل فعال مريضه بحيث يكون قادراً على تقديم الخيار العلاجي الأنسب لكل مريض0 و قد شرح غولدوين و كورني بعض النتائج التي تجعل الجراح ، حسب خبرتهما‘ يفكر مرتين قبل إجراء العمل الجراحي 0 و هي تتضمن المرضى العازبين و غير الناضجين الذكور و المفرطي التوقع و النرجسيين0
يخدم مظهر المريض و سلوكه كمؤشرات على اضطراب نفسي خفي0 و تتطلب الفطنة التشخيصية دراية بالعلامات الدقيقة الموحية بمشكلات كامنة و يجب أن يكون لدى الجراح دوماً ملاحظة حدسية عملية للمريض0 هل لباس المريض مثير و مغوٍ؟ هل ينسحب من التواصل الجسدي أو يتجنب بشكل فاعل التواصل البصري؟ كيف حال وجدان المريض و مزاجه؟ هل صوته رتيب أو قابل للإثارة؟ يمكن أن يتوقع الجراحون أن يكون مرضاهم متوترون و خجولون أثناء الاستشارة، و لكن مثل هؤلاء المرضى يحتاجون إلى متابعة إضافية لأن التوتر قد يكون مؤشراً على اضطراب انفعالي، فالقلق شائع في اللقاء الأول و يمكن أن يؤثر على التذكر و التعبير و فهم غايات و اختلاطات العمل الجراحي0
ثمة فرق بين الذكور و الإناث في سعيهم للعمل التجميلي0 إذ يبدو أن الذكور يفتقدون إلى مفهوم واضح عن الجسد و إلى الدراية العميقة بمظهرهم الجسدي، و نتيجة لذلك يجدون صعوبة في التعبير عن غرضهم من الجراحة التجميلية0 أيضاً يعتبر العديد من المؤلفين أن المرضى الذكور هم بصفة عامة أقل استقراراً من الناحية النفسية و يبدون مظاهر مرضية أكثر من الإناث0
المؤشرات التشخيصية :
لا يمكن أن تضمن الانطباعات المبنية على سلوك المريض و شخصيته انتقاء مناسباً0 فالمعلومات المستحصلة من دوافع داخلية جرى التعبير عنها و من الانطباعات الأولية قد تجعل بعض المرضى غير المناسبين يبدون مناسبين للجراحة0 و لكن عندما تخفق هذه المنهجية المبدئية ، يجب أن تُظهر دراسة شاملة لقصة المريض مع وقت كاف معه ، جملة مؤشرات تشخيصية مفيدة في تصنيف المرضى0 و تتضمن المؤشرات الإيجابية لدى مريض ما يلي:
· العيب الحقيقي مُلاحَظ بوضوح لدى كل من المريض و الطبيب0
· العيب طفيف و قد تم الإعداد للجراحة التصحيحية منذ زمن طويل0
· المظهر هام على الصعيد المهني0
· مريض مستقر انفعالياً يكبر في السن و يريد أن يبدو أكثر شباباً0
المؤشرات الإنذارية السيئة تتضمن المجموعات التالية:
· مرضى لديهم أمراض نفسية متكررة أو يستخدمون الأدوية النفسية: و هذه المجموعة لا تكتنف كافة المرضى النفسيين0 في الواقع هناك العديد من المرضى النفسيين المناسبين بشكل جيد للجراحة التجميلية و يستفيدون منها، و مع ذلك فإن المرضى الذين أدخلوا بشكل متكرر إلى المراكز النفسية قد لا يكونون مستقرين انفعالياً و قد تكون لديهم معاني متوهمة للجراحة التجميلية0
· المرضى الذين أجروا جراحات تجميلية متعددة و كانوا في كل مرة غير راضين: مثل هؤلاء المرضى غالباً ما يغرون الجراح غير الخبير و غير الحذر، لأن يرى الحالة كتحدٍّ لتجريب مهاراته0
· المريض الذي يتبضع عند الجراحين: رغم أن الاستشارة ضرورية من أجل مقارنة التقنيات و الأسعار و الخبرات فإن المريض المتردد بعد لقائه 2-3 جراحين هو غالباً مريض صعب و غير سعيد في النهاية0
· المرضى الذين يعتقدون بأن تصحيح عيب ما جراحياً هو حل لكافة مشكلاتهم: يكون لدى هؤلاء المرضى عادة مرض نفسي يغدو واضحاً فقط بعد الجراحة0
· المرضى الذين لم يفكروا ملياً بالإجراء الجراحي لفترة من الوقت: إذ أن القرار في السعي إلى العمل الجراحي بنزوة قد يشير إلى اندفاع هوسي أو هيستريائي0
الحالات النفسية التي غالباً ما تطلب الجراحة التجميلية :
اضطراب تشوه شكل الجسد (Body Dysmorphic Disorder ( BDD:
الاضطراب العقلي الذي كثيراً ما يصاحب مرضى الجراحة التجميلية يسمى اضطراب شكل الجسد و هو نمط من أنماط الوسواس القهري0 يُبتلى هؤلاء المرضى بانشغالهم بأحد العيوب الجسدية الصغيرة و بأكثر من عيب غير موجود0 تبدأ الحالة نموذجياً في سن المراهقة و تبقى خلال البلوغ و هي تؤثر بالتساوي على الرجال و النساء0 و في حين يقدر بأن ما نسبته 15% من مرضى الجراحة التجميلية لديهم اضطراب تشوه شكل الجسد، فإن الأدلة تقترح بأن نسبة الحدوث قد تكون أعلى من ذلك0 يمضي هذا الاضطراب عادة دون تشخيص، جزئياً لأن المرضى يحيطون انشغالاتهم بستار من السرية0 كما أن السبب يعود أيضا إلى أنهم غالباً ما ينتقلون من طبيب إلى آخر إلى أن يعثروا على شخص يوافق على علاجهم0 يقاوم هؤلاء المرضى، نموذجيا، العلاج النفسي لاعتقادهم أن المشكلة جسدية0 لسوء الحظ من النادر أن تكون الجراحة التجميلية هي الحل و من المرجح أن تفاقم الضائقة لديهم0 و بينما لا يُعرف بعد سبب الاضطراب ، فإنه يعتقد بأن هناك قصوراً في الناقل العصبي المسمى السيروتونين0 تتضمن بعض العوامل المساهمة خلفية أسرية مختلة من الناحية الوظيفية و قصة انتهاك في الطفولة0
تتضمن العيوب التي تقلق المريض بشكل نموذجي و لدى كلا الجنسين : حب الشباب أو الندوب الصغيرة أو عيب طفيف في الأنف0 قد يوسوس المرضى الذكور من الذكورة أو بناء الجسم أو قلة الشعر ، في حين تميل النساء للوسوسة من أثدائهن و أوراكهن و سيقانهن و وزن أجسامهن0
تتضمن المرافقات المرضية الاكتئاب حيث يوجد لدى 6 من بين 10 مرضى لديهم هذا الاضطراب و الرهاب الاجتماعي الذي يوجد لدى 1 من بين 3 مرضى و كذلك بقية الاضطرابات الوسواسية0
يرجح تفويت اضطراب تشوه شكل الجسد إذا لم يجرِ تقييمه بشكل مباشر0 فإذا قدم المريض تفاصيل دقيقة عن مدى بشاعة و شذوذ العيب البسيط الذي يحمله ، فإنه يجب التأكد من سؤاله كم من الوقت يقضي و هو يفكر فيه0 إن الإفادة عن ساعة أو أكثر في اليوم لهي دليل إيجابي على وجود هذا الاضطراب و خاصة إذا أخبرنا المريض عن مشكلات في العمل أو في المنزل و في المواقف الاجتماعية0
في الواقع إن العلامة الأساسية التي تفصل عدم الرضا الطبيعي نحو جزء من الجسد عن وسواس يتطلب اهتماماً نفسياً ، هي الأداء الوظيفي السيئ في الحياة اليومية0 يجب الانتباه جيداً لمريضة تخبرك بأنها لا ترى الأصدقاء بشكل منتظم أو لديها مشكلة في الاحتفاظ بعمل بسبب " العيب " 0 إن نحو 25% من المصابين باضطراب تشوه شكل الجسد لديهم قصة ملازمتهم لمنازلهم لمدة أسبوع على الأقل في فترة ما من حياتهم- الأمر الذي يعني أنهم تجنبوا كافة الاتصالات الاجتماعية بسبب ما يعتقدونه عيباً0 و نحو 30% من هؤلاء المرضى يحاولون الانتحار أو لديهم قصة محاولات انتحارية0
تتضمن الأعراض الأخرى لاضطراب تشوه شكل الجسد ، النظر بشكل متواتر إلى المرآة و قضاء ساعات من أجل الهندام و محاولة إخفاء ما يعتقد أنه عيب تحت القبعة أو الثياب أو المكياج0 نحو ثلث المرضى ينزعون جلدهم بشكل وسواسي و يقضون نحو 8 إلى 12 ساعة في اليوم مستخدمين شفرات الحلاقة أو الإبر أو الملاقط أو الدبابيس لإزالة " العيوب "0 لدى المرضى ذوي الحالات الأخطر "أوهام إشارة" ، إذ يحملون أفكاراً مفادها بأن الآخرين يحدقون في العيب و يسخرون منهم و يتحدثون عنها0
اضطرابات الشخصية : Personality Disorders
هناك بعض أنماط الشخصية التي لا تناسب الجراحة التجميلية0 و هذه تتضمن اضطرابات الشخصية الفصامانية schizoid و الزورانية paranoid و الهيستريونية histrionic و الاكتئابية depressive 0
- اضطراب الشخصية الفصامانية :
يوصف هؤلاء بأنهم منسحبون اجتماعياً و منطوون و غريبو الأطوار و لا يرتاحون بوجود الآخرين0 مثل هؤلاء المرضى غالباً ما يعبرون عن أسباب مبهمة و غامضة تحدوهم لإجراء العملية التجميلية، و هم غير قادرين على تقديم أهداف واضحة من العملية حتى بعد مزيد من الاستفسار0 قد يطلب المريض العملية " لأنه سيبدو من الأفضل أن يظهر بهذا الشكل "0 يتجنب هؤلاء الأشخاص و بشكل وصفي التواصل البصري و يظهرون القليل من الانفعال و يجدون صعوبة في الاسترخاء أثناء الاستشارة مع الطبيب0 يدلون بتعليقات عفوية قليلة ، هذا إن فعلوا ذلك أصلاً، و يجيبون على الأسئلة باقتضاب0
- اضطراب الشخصية الزورانية :
يعني الزور Paranoia ريبة شاملة و غير مبررة بالآخرين0 و الذي لديه هذا الاضطراب يكون عادة ذكر شاب غير متزوج و هو غالباً مستوحد و مفرط الحساسية0 و هؤلاء الأشخاص يرجح أن يكون لديهم قصة عدم استقرار في العمل , و يقدمون أنفسهم على أنهم ضحايا بريئين للظلم، و يلقون اللوم على الآخرين ( مثلاً أطباء سابقين )0 يمكن أن يظهر هؤلاء متوترون ، حذرون ، ومتكتمون0 و هم غالباً مجادلون أو حتى عدائيون و متزمتون أخلاقياً0 أثناء الاستشارة يرجح أن يكون انشغالهم بكيفية الحفاظ على أنفسهم " متماسكين " و جديين إلى درجة كبيرة0 قد يتفحصون بقلق الغرفة و يجدون صعوبة في الاسترخاء و هم غالباً ما ينشغلون بالتفاصيل الصغيرة للتغلب على شكوكهم0
- اضطراب الشخصية الهيستريونية :
انفعال هؤلاء الأشخاص مفرط غالباً و هم ينشدون اهتماماً متواصلاً0 ردود أفعالهم الانفعالية متقلبة و سطحية و هي تتماوج بين الضحك بسهولة و انفجار الدموع0 يمكن لهؤلاء المرضى أن يستخدموا العروض الباهرة لانفعالاتهم و مظهرهم لكي يسيطروا على الآخرين0 على سبيل المثال قد يستخدم الشخص الذي لديه اضطراب شخصية هيستريونية سلوكاً مغوياً للحصول على خدمات خاصة من الجراح0 يميل هؤلاء الأشخاص إلى عدم التعاون و عدم الانضباط و عدم الدقة في المواعيد0 و لديهم رغبة شديدة لجذب الانتباه ، و ينشدونه من خلال مظهرهم الخارجي ، الذي يقلقون بشأنه إلى درجة مفرطة0 أثناء المقابلة يطلبون باستمرار التطمين أو الاستحسان أو الإطراء0 غالباً ما يكون أسلوبهم في الكلام شديد الانطباعية0 فمثلاً عندما يُطلب من المريضة أن تصف والدتها، فإن الجواب قد يكون " لقد كانت شخصاً جميلاً "0
- اضطراب الشخصية الاكتئابية :
هؤلاء لا يرغبون بالضرورة بالجراحة التجميلية، بل قد يلجؤون إليها معتقدين بأن تحسين مظهرهم الخارجي سيحسن مشاعرهم نحو أنفسهم0 يكون لديهم شكاوى جسدية متعددة و تضيق في عملية التفكير و تناقص في السلوك العفوي0 يكررون الأسئلة بقلق، و يطالبون بضمانات ، و لا يبدون متفائلين حتى مع التطمينات0 عند تقييم مريض اكتئابي محتمل فإنه من المهم طرح أسئلة نوعية حول شدات الحياة0 إن فقد عزيز هو المحرض الأكثر شيوعاً للاكتئاب0
و أخيراً .. تتحمل وسائل الإعلام المسؤولية الأكبر عن الترويج العشوائي لعمليات التجميل و تقديمها على أنها الحل السحري للمشاكل المعقدة التي ينوء تحتها الإنسان سواء كانت نفسية أم اجتماعية أم مهنية0 و نتيجة الغسيل المستمر للدماغ الذي تمارسه شركات الإعلان ، لا غرو في أن تبلغ نسبة الأمريكيين غير الراضين عن أشكالهم نحو 40% و الكثير من هؤلاء و مثلهم الكثير في بلداننا هم ضحية مجتمع استهلاكي لا يرى في الإنسان أكثر من صورة ليس بالضرورة أن تحمل الجوهر0