بتـــــاريخ : 12/11/2010 12:06:17 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1828 0


    الإنسان واللغة والتطور .. فرضيات ونظريات حديثة

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : إعداد وعرض وتعليق : الدكتور حسان المالح | المصدر : hayatnafs.com

    كلمات مفتاحية  :

     
    الإنسان واللغة والتطور .. فرضيات ونظريات حديثة
     
     
    1- The Evoluation of Modern Humans: Where are we now ?
     
    General Anthropology 7 (2):1-5. 2001
     
    2- تاريخ البشرية ، أرنولد توينبي ،  نقله إلى العربية نقولا زيادة ، 
     
    الطبعة الرابعة 2003 ، الأهلية للنشر والتوزيع ، لبنان
     
     3- في نشأة اللغة .. من إشارة اليد إلى نطق الفم
     
    تأليف : مايكل كورباليس ، ترجمة محمود ماجد عمر ،  سلسلة عالم المعرفة ، مارس ،  2006 ، الكويت
    إعداد وعرض وتعليق : الدكتور حسان المالح
    استشاري الطب النفسي - دمشق
     
     
     
    حول الإنسان والتطور :
    قدمت الاكتشافات الحديثة المرتبطة بعلوم المستحاثات ( fossils ) معلومات هامة حول العمليات التطورية التي أدت إلى ظهور الكائن البشري الحالي .. ومن النظريات الشهيرة عالمياً نظرية الخروج من أفريقيا ( Out of Africa ) والتي ارتبطت بعالم الانثروبولجيا البريطاني كريس ستينجر Chris B. Stinger ، والتي تفترض أن الإنسان الحالي المنتشر في جميع أنحاء العالم قد تطور وظهر في أفريقيا ثم خرج منها إلى باقي القارات .. منذ حوالي مليوني سنة . وله مقولة مشهورة تقول : " كلنا أفريقيون تحت جلدنا " " All of us are Africans under the skin" .
    ويقول ستينجر إن عملية تطور الإنسان كانت عملية معقدة واستغرقت حوالي أربعة ملايين سنة ، وكانت بداياتها محددة في أفريقيا .. ومنذ حوالي مليوني سنة خرج شبيه الإنسان إلى باقي أنحاء العالم .
    وقد وجدت مستحاثات تعود إلى " شبيه الإنسان منتصب القامة" ( Homo Erectus ) في شرق أفريقيا وفي جورجيا وأندونيسيا تعود لنفس الفترة الزمنية . وتختلف النظريات والتفسيرات حول ماذا حدث بالضبط من تحولات على شبيه الإنسان هذا إلى الإنسان الحالي المعاصر . وبعض العلماء يعتقد أن هناك تزاوجاً هجيناً ساهم في هذه العملية خلال فترات زمنية طويلة وفي أماكن مختلفة من العالم خلال المئتي ألف سنة الماضية .. وأن تغيرات المناخ قد لعبت دوراً في انقراض الأنواع الشبيهة بالإنسان ( مثل إنسان نيانثردال الموجود في أوروبا ) ، وأدت إلى ظهور النوع الإنساني من خلال صفاته وتكيفه مع المناخ الجديد والنباتات المتوفرة والحيوانات الموجودة حوله ، وهذا التكيف الناجح يرتبط بتكوين علاقات جماعية أوسع ، وثياب ومساكن أكثر فعالية مقارنة مع الأنواع المنقرضة السابقة . وقد حدث ذلك خلال المئتي ألف سنة الماضية .. وكان خلال فترات زمنية طويلة .. وكل هذه التغيرات والتطورات لم تكن سريعة أو مفاجئة أو كاملة .
    وتدل الموجودات الأثرية على تطور في الأدوات الحادة المستعملة في تلك الفترة الزمنية وعلى ظهور أنواع من الفن والرموز والمدافن البشرية .
    وقد وجدت الحفريات في أفريقيا أدلة على وجود السلوك الإنساني المعاصر مثل إنتاج أدوات معقدة ومركبة واستغلال لموارد البحر والأصبغة الترابية الحمراء منذ زمن طويل .. ولكن لم يتم العثور على مستحاثات بشرية جنباً إلى جنب هذه الأدلة الدالة على السلوك البشري .. وبعض العلماء يعتقد أن التطور التشريحي الجسدي للإنسان المعاصر قد سبق ظهور الأدلة على السلوك البشري .. وربما حدث تطور بطيء مواز في هذين الأمرين معاً.
    ويبدو أن التكيف مع نمط العيش على أطراف الأنهار وفي المناطق الساحلية  قد ساهم في انتقال الإنسان خارج أفريقيا .
     وفي جانب آخر .. تدل دراسات المورثات ( الجينية ) على أن المظاهر العرقية للبشر مسؤول عنها بضعة مورثات فقط  .. وأن هذه المورثات قد تطورت مؤخراً في الأزمنة الحديثة وبشكل سريع . وعلى الرغم من اختلاف الملامح المميزة العرقية مثل لون البشرة وشكل الأنف وشكل العين .. فإنه من المدهش أن نعرف أن البشر المعاصرين متماثلين في تكوينهم الوراثي العام .
    ويبقى السؤال لماذا نحن الجنس البشري ( Homo Sapiens ) قد بقينا وليس إنسان نيانثردال ( Neanderthals ) ؟
     بعض العلماء يعتقد أن الجواب لأننا نملك دماغاً أكبر ، وهيكلاً عظمياً أقل وزناً ، و لدينا لغة دقيقة ومعقدة ، وأن لدينا مهارات تنظيمية أفضل من إنسان نيانثردال .
    ويطرح الفيلسوف الإنكليزي المعروف أرنولد توينبي في كتابه " تاريخ البشرية " وجود نقطة تفرع هامة في مسيرة الأحياء الشبيهة بالإنسان .. وأنه لم يبق أمامها إلا أحد احتمالين بديلين .. فإما أن تصبح بشرية أو أنها تعجز عن البقاء .. وأن الأحياء الشبيهة بالإنسان أصبحت حيوانات اجتماعية لأنها اكتشفت أنها لاتستطيع مقاومة الحيوانات المفترسة إذا لم تتوحد ضدها مما طور التعاون الاجتماعي ونظمه .. وأن اكتشاف النار وتسخيرها بدلاً عن الخوف منها مثل الكائنات الأخرى ، إضافة لترقيق الحجارة واستعمالها كأدوات .. كل ذلك قد ساهم في تطور الإنسان فيما يعرف بما قبل التاريخ .. وأما التاريخ البشري المدون والذي يعود لخمسة آلاف سنة فقط فهو يدل على أن الإنسان قد قضى وقتاً طويلاً جداً قبل أن يبدأ بممارسة القدرة الروحية والمادية التي وفرتها له يقظة الوعي الإنساني والأخلاقي .
     
    حول اللغة والتطور :
    وتدل الدراسات الحديثة على أن " اللغة الأولية " قد تطورت لدى ثلاث مجموعات تطورية من الكائنات وهي : الطيور والثدييات البحرية ( الدلافين وأسود البحر ) والقردة العليا . وتمثل اللغة الأولية في أفضل الأحوال نحواً بدائياً يسمح بمختلف الترابطات بين الكلمات التي تمثل الأشياء والأفعال . بينما النحو الحقيقي في اللغات البشرية يشمل صفات التعاقبية بين الكلمات ، والأزمنة ، وتضمين فقرات ، والقدرة التوليدية اللغوية .
     وهناك دلائل  من خلال تحليل د. ن. ا (DNA ) أن حوالي عشرة آلاف فقط من  الكائنات البشرية (Homo sapiens ) قد عاشوا في فترة زمنية منذ 170 ألف سنة في أفريقيا وأن لديهم قدرة على الكلام ..
    ويعتقد بعض العلماء أن اللغة نبعت من إشارات اليد وليس من الأصوات الملفوظة .. وأن اللغة تطورت لا من النداءات الصوتية لأسلافنا من الرئيسات بل من إيماءات أيديهم ووجوههم .
    وبعض العلماء يعتقد أن الإيماءات لاتشكل لغة أولية .. وإن إسهامها في اللغة كان ببساطة تهيئة الأرض للبرمجة الإرادية لأفعال الكلام الصوتي . وقد تطورت اللغة فيما بعد كإنجاز صوتي .. في حين عاشت الإيماءات في الرقص والتمثيل الإيمائي ولغة الجسد والطقوس وبعض أشكال الموسيقى والاتصالات غير الكلامية .
    بينما يعتقد بعضهم الآخر أن الكلام والإشارات يؤلفان نظاماً واحداً متكاملاً .. ومن المثير للانتباه أن اللغات الإشارية تستخدم غالباً للتغلب على الكلام في المحرمات .. كما أن الإشارات يمكن لها أن تستخدم في الظلام . والاتصالات الصوتية معرضة لخطر اكتشافها في حين أن الإشارات اليدوية صامتة . ومن الإشارات مايعطي تأكيداً للكلام ، ومنها إشارات إيقاعية فقط ، ومنها إشارات كاشفة تنقل معنى . ويمكننا القول عموماً أن الإشارة هي أكثر رسوخاً في نظام الاتصالات لأنها تعود إلى زمن أبعد في ماضينا التطوري .
    ويبدو أنه منذ خمس أو ست ملايين سنة نهضنا واقفين على أقدامنا .. والوقوف على القدمين هو الخصيصة الرئيسية التي تميز الإنسانيات من القردة العليا الأخرى .. وتفسير الوقوف على القدمين ربما ارتبط بضرورة الرحيل إلى بيئة غابات متاخمة للبحيرات أو الأنهار أو البحر وكان عليها أن تبحث عن طعامها في المساء وهذا يعني أن المشي على قدمين كان تكيفاً مع الخوض في الماء .. وعلى أية حال فإن الوقوف على قدمين قد حرر الأيدي والأذرع لتقوم بتأدية الإشارات بصورة أكثر فعالية .
    والحقيقة أن كثيراً من أنواع المخلوقات تظهر تحكماً للجانب الأيسر من المخ في إنتاج الأصوات وفهمها .. وهو تحيز قد يعود إلى نشأة الحبال الصوتية منذ حوالي 170 مليون سنة.. ومع التزايد المستمر في اندماج الصوت في الإشارة اليدوية ربما أوجد ذلك سيطرة لهذا النصف الأيسر على الاتصالات الإشارية أيضاً .
    والحقيقة أننا مارسنا المشي جيداً قبل أن نمارس الكلام .. وتقول إحدى النظريات أن أصابع القدم لدى معظمنا زوائد عديمة النفع تقريباً .. وهي مجرد أشياء تذكرنا  بماضينا الشجري .. والمنطقة الدماغية المسؤولة عن بدء الحركة في الأقدام وأصابعها ، أقل كثيراً مما يناظرها في مخ القرد أو الشمبانزي بما يسمح بزيادة كبيرة في المساحة العصبية المتوفرة للسيطرة على الأيدي .
    وبالطبع فإن الأيدي والأصابع متخصصة في المعالجة الحاذقة للأشياء .. كما أن القدرة على صنع الأدوات هي إحدى السمات الإنسانية المميزة .
    وتقول إحدى الفرضيات أن : ظهور الجين الذي يعطي نصفاً واحداً من المخ السيطرة على النصف الآخر كان هو الحدث النوعي الذي أوجد " هوموسابينز" المحدثين وزودنا باللغة واللاتناظر المخي ونظرية العقل وخطر الاضطراب الذهاني ..
    ومن المعروف أن الكلام والصنع والتخطيط المعقد وتنفيذ المتتاليات تعتمد أساساً على النصف الأيسر في معظم الناس . وأن منطقة بروكا والنطق تقع في الجانب الأيسر من اللحاء الجبهي أمام المنطقة التي تسيطر على حركات الفم واليدين .. وإن تلفها يمنع النطق والكلام .
    وتدل الدراسات على أن مستخدمي اليد اليمنى يميلون إلى الإشارة باليد اليمنى بينما مستخدمو اليسرى يظهرون ميلاً أكبر للإشارة بكلتا اليدين .
    ويمكن القول أن النصف الأيمن من الدماغ يحتفظ بسجل صادق لأحداث الماضي بينما النصف الأيسر يميل إلى التفسير والتحليل . وأيضاً فإن الوظائف الأكثر سلبية ترتبط بالنصف الأيمن مثل الإدراك المكاني والإدراك الانفعالي .. ويبدو أن المشي على قدمين زاد الفرصة لكل من عمل اليد كما في استخدام وصنع الأدوات والاتصالات المعقدة الإشارية والتي تعد من صنع اليدين .. وتبين إحدى الفرضيات أن تجنيب المخ إلى جانبين ربما نشأ في اللاتناظرمن أجل إصدار الأصوات .. وهذا يعني أنه حالما بدأ أجدادنا يزيدون الأصوات على الإشارات دخل اللاتناظر في النظام موجداً تحيزاً في الإشارا ت إلى اليمين وفي السيطرة على الاشارات الاتصالية أيضا ً.. ومن المثير للانتباه أن ثلثي أفراد الشمبانزي تظهر تفضيلاً لليد اليمنى بينما تزداد هذه النسبة إلى 95 بالمئة عند البشر .
    ومن الفرضيات أن الأصوات الأولى التي أصدرها البشر منذ حوال مئتي ألف سنة ( اللغات البشرية المعروفة يمكن تتبعها إلى خمسة أو ستة آلاف سنة فقط ) .. كانت مصحوبة بالأعمال العنيفة مثل القطع والكسر والطرق والسحق .. وأن اللغة الأولى كانت تقليداً لهذه الأفعال أو اقتراحات لأفعال ..
    وإن نزول الحنجرة في الحلق نتيجة ترتبت على المشي على قدمين .. وموقعها هذا يساعد على إصدار أصوات عالية ومخيفة ( المراهق البالغ صوته أقوى من الطفل ) .. مما يضمن أساليب تكيفية مفيدة دفاعية وهجومية .
     
    كلمة أخيرة .. تمثل الجهود العلمية الحثيثة المرتبطة بعلوم الإنسان ومورثاته وتاريخه .. قفزة كبيرة في ميادين الطب والعلوم الإنسانية المرتبطة به .. وتتنوع الفرضيات والنظريات ونتائج الأبحاث في مدلولاتها والخلفيات الفكرية التي تحكمها .. وبعضها يمكن توظيفه عقائدياً واجتماعياً وعرقياً .. والمهم أن تستمر الجهود العلمية الرصينة غير المتحيزة في بحثها عن حقائق بشرية يمكن استخدامها وتوظيفها في سبيل خير الإنسان والبشرية .

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()