يعتبر الامتحان الدراسي أحد المواقف الصعبة التي يتعرض لها الإنسان ..فهو يعني اختباراً وتقييماً مباشراً وواضحاً لشخصيته وقدراته وذكائه ..أي ببساطة يعني قيمته كإنسان .
وتختلف درجة التوتر والقلق التي تسبق الامتحان أو التي ترافقه ، بين شخص وآخر وفقاً لتركيبته النفسية وثقته بنفسه وظروفه العائلية والاجتماعية المحيطة .. والحقيقة " إن قليلاً من الخوف والقلق لا بأس فيه " .. لأنه طبيعي .. والقلق الطبيعي ينشط الجهود الإيجابية للإنسان كي يتعامل مع الأمور الهامة والصعبة ومن ثم السيطرة عليها والنجاح فيها .
وهناك عدد من الأعراض الشائعة التي تسبق الامتحانات مثل : الصداع ونقص الشهية وآلام البطن والإسهال المتكرر والغثيان والإقياء .. إضافة للدوخة والدوار والإحساس بعدم التوازن .. وخفقان القلب وآلام الصدر . وهناك أعراض أخرى مثل الآلام العضلية المتنوعة والشعور بالتعب والإعياء وغير ذلك ..وأما الأعراض النفسية الصريحة فهي الترقب والخوف وتوقع الفشل والرسوب وصعوبات النوم والأحلام المزعجة والكوابيس ، إضافة للعصبية والنرفزة والتوتر ونقص التركيز والمثابرة وغير ذلك ..
ولابد من التأكيد على أن هذه الأعراض الجسمية والنفسية كلها تعبيرات عن ازدياد القلق والخوف والتوتر .. وهي تمثل ردوداً جسمية على القلق أو أنها من أعراض القلق الجسمية والنفسية ..وهي لا تعني وجود مرض خطير .. وبالطبع فهي أعراض مزعجة وقد تكون معطلة .. ولابد من الاطمئنان والتطمين من قبل الطلبة وأهلهم ..ومن المطلوب السيطرة على هذه الأعراض والتخفيف منها بالدعم النفسي والتفاؤل والتشجيع والتطمين .. وأيضاً من خلال التخفيف من الأمور التي تزيد القلق مثل المشروبات المنبهة ( الشاي والقهوة والكولا والمتي والشوكولا ) ، ومن خلال تنظيم الوقت وأوقات المذاكرة والدراسة وأوقات الراحة والنوم .ولابد من تعديل الأفكار الخاطئة المقلقة والمخيفة وتبني أفكاراً صحية وعملية وواقعية .. وأن يأخذ الطالب بأسباب النجاح من حيث بذل الجهد في الحفظ والاستذكار والدراسة وبشكل مناسب ..
وبعض الحالات تحتاج للعون الاختصاصي في حال عدم الاستجابة لهذه الأساليب العامة من خلال تقييم الحالة وتقديم العلاجات المناسبة .
والأشخاص الذين يزداد خوفهم وقلقهم من الامتحانات يكونون عادة ممن يشكون من صراعات نفسية تتعلق بالتنافس والنرجسية ( حب الذات ) والطموح والمثالية .. بسبب تكوينهم الذاتي أو تربيتهم ، وعادة ما يكون هؤلاء من المتفوقين والحساسين . وقد يزداد قلقهم لدرجة كبيرة وبعضهم يراجع العيادات النفسية لطلب المشورة وتخفيف أعراض التوتر المصاحبة مثل القلق والأرق والعصبية وضعف التركيز والنسيان والخوف من الامتحان . ومن السهل عادة تقديم بعض النصائح العامة والعملية لهم أو مهدئ خفيف مناسب .
وبعضهم الآخر ممن لديه أعراض شديدة كالاكتئاب أو الوسواس القهري ( مثل الرغبة في التأكد من حفظ المعلومات وتكرارها والدقة الشديدة ) يحتاج لعلاجات أخرى دوائية وجلسات نفسية وغير ذلك .
وأما بعض الطلبة ممن ينقصهم التوازن النفسي العام إضافة إلى وجود درجة من التقصير في واجباتهم وتحصيلهم الدراسي ، فمن الممكن أن يكون موقف الامتحان مسرحاً لردود فعل متعددة ومرضية .. مثل الإغماء المتكرر والتهديد بالانتحار أو محاولته والتصرفات غير المقبولة والاندفاعية ومحاولات الغش والتهور إضافة للقلق والاكتئاب ، وأيضاً المبالغة في التعويض عن التقصير الدراسي بالسهر المتواصل وتناول مختلف المنبهات بكميات كبيرة وغير ذلك ..
ولاشك بأن التخويف الشديد من الأهل والعقوبات الصارمة تساهم في زيادة التوتر وردود الأفعال المرضية ، ومثلها في ذلك عدم التوجيه أو الوعود بالمكافآت غير المناسبة والإفراط في ذلك ..
والحقيقة أن النجاح في الامتحان له معان كثيرة بالنسبة للشخص .. ومنها الاعتزاز بالذات ولذة النصر والتفوق .. وأما الرسوب والفشل فهو في أحد معانيه العميقة جرح خاص لنرجسية الإنسان قد يبقى يحمله بداخله زمناً طويلاً .ولابد من التأكيد على أن النجاح والرسوب هو جزء من الحياة نفسها .. حلوها ومرها .. ولابد من الإعداد المتوازن لأجيال الطلبة مما يعينهم على فهم الحياة نفسها والاستعداد لمتطلباتها .
وفي عصرنا الحالي يزداد التنافس والصراع بين الناس مما يصل إلى أشكال مرضية قاسية لا داعي لها .. وقد أدى ذلك في بعض المجتمعات الغربية إلى ازدياد في حالات وفيات الأطفال والمراهقين من خلال إيذاء النفس بشكل مباشر أو غير مباشر وذلك مع نهاية السنة الدراسية وظهور نتائج الامتحانات في كل عام ..والحمد لله فإن هذه الظاهرة ليست منتشرة في بلادنا .. ولكن يجب التأكيد على ضرورة الاهتمام بجيل الطلبة في مختلف أعمارهم وتقديم العون اللازم لهم وإعدادهم بشكل متوازن لمواجهة مراحل الحياة المختلفة بقوة وعزم وصبر وجد ومثابرة .. ولابد من التأكيد على ضرورة التعرف على خبرات الحياة المتنوعة والمواقف الصعبة و " الاستفادة من الفشل " في حال الرسوب أو الحصول على درجات متدنية واعتبار ذلك فرصة حقيقة للتطور والتقدم والمراجعة لتنمية القدرات وتعديل الأخطاء والمضي نحو الأفضل .
( مأخوذ بتصرف من كتاب الطب النفس والحياة للمؤلف الجزء الأول ، ط 2 ، 1998 ، دار الإشراقات ، دمشق )