تفاصيل الحكاية :
سيدة مطلقة في الأربعين من عمرها ترتدي ثياباً أنيقة وزينة متكاملة بما فيها " الماكياج " والحلي الثمينة .. تخرج من سيارتها الفارهة ويرافقها شاب في العشرين من العمر نحيل البنية شارد النظرات وعلى وجهه مسحة من التعب .. وهو يسير بجانب السيدة أو يتأخر عنها قليلاً أثناء دخولهما بناء العيادات الطبية .
وقد دخلت إلى العيادة النفسية وطلبت فتح ملف بإسمها وكتبت عنوانها وعمرها ودفعت الرسوم المطلوبة .. وبعد دخولها إلى الطبيب جلست وبدأت تتحدث عن مشكلاتها الخاصة وجلس معها الشاب أيضاً وقالت أنه يعمل لديها ، وبعد بعض الحوارات قال لها الطبيب : هل تفضلي أن يخرج الشاب إلى الغرفة الثانية كي تتحدثي عن بعض التفاصيل أكثر ؟ فقالت لا داعي لذلك فالشاب يعرف كل شيء عن حياتها .. وقد تابع الطبيب الجلسة بشكل اعتيادي من حيث الفحص النفسي واستكمال القصة المرضية والعائلية والظروف الشخصية .. وتم التفاهم على أن تبدأ السيدة علاجاً معيناً ليخفف من التوتر والقلق الذي تعانيه ، إضافة لعدد من النصائح العامة وضرورة متابعة الحالة في جلسات أخرى قليلة ..
وقد تبين فيما بعد أنها لا تعاني من مشكلة أو مشكلات كما ذكرت ..!! وأنها كانت تريد أن تعرض الشاب على الطبيب النفسي وأنه هو المريض وليست هي .. وأنه كان على الطبيب أن يكتشف ذلك وأن يعالجه بشكل مباشر أو غير مباشر ..
المهم أن المريض الحقيقي هو الشاب وقد بقي صامتاً إلى النهاية ، وفي نهاية الجلسة قال للطبيب أنه يعرف أحد أقربائه وهذا نوع من التعارف الخاص والتودد.. ثم انتهت الجلسة .
وقد بينت السيدة للطبيب فيما بعد أن الشاب مغرم بها وهو مريض بحبها .. وعندما رفضت حبه حدثت له نوبات عصبية ونفسية وحاول أن يؤذي نفسه .. وأنها حاولت مساعدته بأن قدمت معه للعيادة النفسية .. وعندما سألها الطبيب ولماذا لم تخبريني بذلك أو تلمحي لي بشكل أو بآخر .. قالت : أخاف أن أجرح إحساسه ومشاعره إذا قلت أنه مريض ..!!
تعليقات :
1- مما لاشك فيه أنه من الصعب أن تخبر شخصاً ما بأنه يحتاج إلى زيارة الطبيب النفسي .. ولابد من اتباع أسلوب هادئ في الحوار والإقناع وتبسيط الأمور للمريض في عدد من الحالات .. كأن يقال بأن زيارة الطبيب النفسي أصبحت شيئاً عادياً وأن الاضطراب النفسي أو " تعب الأعصاب " موضوع شائع وليس عيباً أو حراماً .. وغير ذلك من الأساليب ..
2- يمكننا أن نلاحظ من القصة السابقة أن السيدة قد اختارت أسلوباً غامضاً جداً .. وبدلاً من مساعدة الطبيب في أن يتعامل مع المريض الحقيقي قدمت نفسها على أنها هي المريضة وصدقت ذلك وتابعت دورها بشكل ناجح وكامل .. ولكن الهدف الأساسي ضاع .. وضاع الجهد والوقت دون فائدة مباشرة ..
3- يمكننا أن نتساءل لماذا فشلت خطة السيدة أساساً ؟ وهل هي تشكو في حقيقة الأمر من حالة نفسية؟ ؟ عملياً استطاعت تمثيل دور المريضة بسهولة وانسجمت مع هذا الدور بشكل ناجح .. وكأنها هي نفسها لديها صراعاتها وقلقها ومشكلاتها التي تتطلب عوناً ومساعدة من الطبيب .. ولكنها مترددة ويحرجها أن تطلب العون .. وقد ساعد أسلوبها الخاص في زيارة الطبيب من أجل الشاب في أن تتجاوز ترددها بطلب المشورة لنفسها ، وفي النهاية طلبت المشورة كاملة وشكرت الطبيب على جهوده وتفهمه لحالتها ..
4- تتمتع الشخصية النرجسية التي تحب ذاتها " حباً جماً " برغبة مستمرة جامحة لأن تكون مركز الاهتمام والانتباه ..وهي تريد كل شيء لها .. وينقصها أن تكون حساسة لرغبات الآخرين ومتطلباتهم وأحاسيسهم ..فهي متوجهة بكل قواها وقدراتها العقلية والعاطفية والنفسية نحو ذاتها وبشكل مفرط ، مما يجعل قدر الآخر و" الآخرين " أقل حجماً واهتماماً في نفسها .. إلا بالقدر الذي يشبع رغباتها وطموحاتها هي ..
ويمكننا أن نقول أن هذه السيدة لديها عدد من صفات الشخصية النرجسية وأنها " استمرأت " واستحسنت حب الشاب الصغير لها .. وأن ذلك يعجبها بشكل ضمني أو لاشعوري لأنه يغذي أنانيتها ونرجسيتها وجروحها الخاصة ، ويمكننا أن نتوقع أنها ربما ساعدت الشاب على تأجيج عواطفه تجاهها بشكل مباشر أو غير مباشر .. وهي بالطبع تنفي أية مسؤولية لها في ذلك .. وتدل سيرتها على أنها ترغب دائما ًبأن تكون محط الأنظار والإعجاب وأن لها إحباطاتها الخاصة .
وأما محاولاتها الواعية العاقلة لتعديل موقف الشاب وتغيير حبه غير المنطقي وغير الواقعي لها فقد باءت بالفشل .. وآخر المحاولات أن تطلب عون الطبيب النفسي في هذا التغيير .. وقد فشلت طريقتها في ذلك أيضاً ..
وهكذا .. " لا يعني الإنسان كل مايقول " .. بل ربما كان يعني عكس مايقول أو يفعل في بعض الأحيان .. وربما يكون ذلك حقيقة عامة .. وربما ينتشر ذلك أكثر عند بعض الشخصيات .. وتظل الصراحة والوضوح ومعرفة الذات ومراقبتها دواءً نفسياً عاماً ، وأسلوباً صحياً في التعامل مع الذات ومع الآخرين ومع الحياة ..
ويبقى مفيداً دائماً أن " تعرف نفسك " وأن " تعرف الآخرين " .