ما تعلمته من سنواتي مع التدوين هو أنه حينما تقفز غزة إلى بؤرة الاهتمام، يتحول المزاج العام للقراء والزوار إلى الرغبة في قراءة كلمات الهجوم والقدح، وإذا كتبت عدا ذلك كان الهجوم والقدح من نصيبي أنا، ولذلك آثرت أن أبتعد عن التدوين في الفترة الماضية درءا لمعارك جانبية لا طائل منها، كذلك وجدت أن مقالات التفاؤل والنجاح في هذه الأوقات تحديدا تعتبر بمثابة الاستفزاز لمشاعر قراء المدونة، ما تركني في حيرة عن أي موضوع سأكتب؟
في مثل هذه المواقف، يتهادى التسويق أمام ناظري مختالا، يعلوه بريق مشاكس، ولمعان طاغ يجبرك على أن تنتبه له، وكنت مؤخرا لاحظت بعض مقالات تمدح كتاب Shopper Marketing الذي صدر منذ بضعة شهور، فقررت في لحظة عفوية قرائته، بعدما وجدت أن الكتب التي تعلو طاولتي وتنتظر مني قرائتها، بدأت تظهر عليها أعراض مرور الزمان، ما جعل محتوياتها تبدو قديمة.
الكتاب يقوم على تعريف القارئ المهتم بعلم التسويق بمبدأ جديد، ألا وهو البيع للمتسوقين، لا للعملاء، أي البيع لشريحة Shoppers وليس Customers والقصد هنا هو تعظيم عوائد البيع في المحلات الكبيرة، مثل كارفور و بندة وسبينيس وما في حكمها من محلات البيع المترامية. الكتاب كله عبارة عن مقالات كتبها متخصصون في فن التسويق لأولئك السائرين بين جنبات الأرفف والصفوف العارضة لآلاف المنتجات والبضائع.
الكتاب يقوم على مساعدة العاملين في هذه المحلات على حسن عرض البضائع، من أجل زيادة المبيعات، ومن أجل مساعدة المتسوقين على الشراء. أحد الفصول تحدث عن تجربة شركة نستله في روسيا، حيث دخلتها في عام 1996 وبدأت بعدها تراقب وتدرس سلوك المتسوقين الروس، وهو لعمري مشابه لسلوك المتسوقين في بلادنا العربية. الجميل في القصة أن شركة نستله راقبت – من تلقاء نفسها – أداء كل محل كبير يعرض منتجاتها، ودرست سلوك المتسوقين، وقدمت مجموعة من النصائح لكل متجر، كانت نتيجتها زيادة المبيعات.
من ضمن هذه النصائح لأحد المحلات هو وضع رفوف بيع الشيكولاته في مكان مضيء وقريب من مسارات المتسوقين، ذلك لأن قرار شراء الشيكولاته يكون عفويا، وليد اللحظة، بدون نية مسبقة، ولذلك اقترحت نستله على المحلات وضع رفوف بيع الشيكولاته في أول ممرات الشراء وليس داخلها، بحيث أنك تسير ثم تنتقل من ممر لآخر، لتجد رفوف الشيكولاته معروضة بشكل عرضي في أول الممر. هذه الفكرة البسيطة ترتب عليها زيادة مبيعات الشيكولاته بمقدار 20% في 3 أشهر.
الآن في المرة القادمة التي ترى فيها رفوف الشيكولاته معروضة بهذا الشكل، اعرف أن ورائها دراسة تسويقية متأنية. الطريف أن نستلة وجدت قضبان الشيكولاته (Bars) هي أكثر أنواع الشيكولاته المطلوبة من المتسوقين العفويين (وأنا من ضمنهم)!
يمضي الكتاب ليشرح قواعد أي المنتجات والبضائع يجب وضعها بجانب بعضها، وأيها تضعها في أكثر من موقع، لكن الأهم، يؤكد الكتاب على أن سلوكيات المتسوقين تتغير بانتظام، وأن على المسوق مراقبة هذه التغيرات والتفاعل معها. أما أهم نصائح الكتاب فهي أن التسويق مثل الرحلة، حتما ستتخذ فيها قرارات خاطئة، وحتما ستضل الطريق، لكن عليك أن تتقبل هذا الأمر وتستعد له، وأن تكون مرنا بحيث لا تستمر في الطريق الخاطيء، كذلك يؤكد الكتاب على ضرورة التعلم الدائم من المتسوقين.
وأما أكثر من لفت انتباهي في الكتاب هو أن شركة نستله سارعت لمساعدة المحلات التي تبيع منتجاتها على فهم عقلية المتسوقين، وحين أوضحت لهم بالتجربة العملية أن بعض التغييرات ينتج عنها زيادة الأرباح، توقفت مقاومة أصحاب هذه المحلات لمثل هذه الأفكار، وبعدما كان الروس لا يغيرون رأيهم بسهولة وينظرون بعين ساخرة لمقترحات نستله، أصبحوا يهتمون أكثر ويقبلون هذه النصائح وينفذوها بسرعة. هذا الأمر يجب أن تنتبه له شركاتنا العربية وتفعل مثله، فالدراسات التسويقية العربية الحالية قليلة وتحتاج إلى الدسم.
ويحضرني هنا اقتراحي على أدهم، المبرمج الذي نفذ لي تطبيق كتابي مقولات النجاح على آيفون، حين طلبت منه أن يجرب رفع سعر تطبيقه من دولار إلى خمسة، ففعل لمدة 3 أيام، ولما لم يجد أي مبيعات في هذه الأيام، عدل السعر بسرعة وأعاده إلى سابقه، وأظنه بات متيقنا من كذب وزيف ما أكتبه هنا من أفكار تسويقية، وما بين روسيا وأدهم وهذا الكتاب، أتركك عزيزي القارئ لتقرر، هل تتبع نستله، أم أدهم.
الكتاب بشكل عام يناسب من له احتكاك يومي بالمتسوقين السائرين بين جنبات صفوف ورفوف ممرات التسوق، وهو يعرض تجارب ونتائج دراسات تسويقية أجريت على هذه البيئة، ولذا لا أظنه يناسب القارئ العادي المهتم بالتسويق بشكل عام.