تمهيد:
في عام 1990 كانت ترتيب شركة دل الـ 25 على مستوى العالم في سباق أفضل شركات الكمبيوتر، خلف شركات مثل كومودور، تاندون، مايتاج. في عام 1999، اختفت 17 شركة من هذه الـ 25 شركة – أغلقت أبوابها وانزوت في ذاكرة التاريخ، في حين تحولت دل لتكون أكبر شركة أمريكية، والثانية على مستوى العالم. في عام 1999، كانت دل تعمل في أكثر من 170 دولة حول العالم.
صنعت دل اسمها عبر انتهاجها لسياسة جديدة: البيع مباشرة إلى العملاء، إذ تخرج منتجاتها من المصنع إلى موقع العميل. أخبر الكثيرون من مديري الشركات مايكل دل أنهم يسرعون الخطى نحو التحول إلى النموذج المباشر، لأن العميل يحصل على المنتج كما يريده وكما طلبه، (وليس وفق المخزون المتوفر في مخزن دكان كفيل كومار)، كما لا تنتج المصانع منتجات لا يريدها المستهلكون، ما يقضي على أي مخزون كاسد غير مباع، ما يقلل مصاريف التخزين، ما يزيد من هامش الربح، ويسمح بتقديم أسعارا تنافسية.
إن سبب نجاح – أو فشل – أي شركة عملت في مجال الكمبيوتر هو السرعة المذهلة لتطور هذه الصناعة، والخطر العظيم الذي يحيق بغير المنتبه لهذه التغيرات المتلاحقة، وبالذي لا يتكيف مع هذه التغيرات بشكل سريع. وأما قدوم شبكة انترنت فجعل هذه السرعة أكبر بكثير، بل وجلبت انترنت معدل التغير السريع هذا إلى كل الصناعات، فبات كل شيء اليوم يتغير ويتطور ويتقدم بمعدل سريع ومخيف. كذلك فتحت انترنت الباب أمام شركات كثيرة جديدة للظهور والانتشار والنجاح، وفوق كل ذلك، تتطور انترنت بسرعة مذهلة بدورها، وهي غيرت قواعد المنافسة وخدمة الجمهور. تضع انترنت عجلة القيادة في يد المشتري لا البائع، فهي تقلل من تأثير البعد الجغرافي وعنصر المسافة بينهما.
الفصل الأول:
مايكل دل صغيرا
لطالما كان مايكل دل يحب اختصار الخطوات الزائدة، فهو يذكر صغيرا كيف شاهد إعلانا في مجلة يعرض على قارئه نيل شهادة التخرج من مرحلة التعليم المدرسي عبر اختبار واحد، فأرسل يطلب اجتياز هذا الاختبار، فأرسلت الشركة مندوبة مبيعات لتقابل السيد مايكل دل، الذي كان في الصف الثالث الابتدائي وقتها، فما أن رأته المندوبة، وعلم أبواه بالقصة، حتى ضحكا وظنا أن مايكل كان يمزح، لكنه لم يكن كذلك، فمن ذا الذي يضيع من عمره سنوات في الدراسة – في حين يمكنه اختصارها باختبار واحد. من يومه ومايكل يحب الاختصارات، وهذا ما ألهمه فكرة شركته، القائمة على البيع مباشرة وبدون وسطاء أو دخلاء.
ميلاد فكرة البيع المباشر
وعمره 12 سنة، اختبر مايكل مزايا اختصار الأطراف الوسطى، إذ كان والد أفضل أصدقائه من هواة جمع الطوابع، الأمر الذي ترك أثره على مايكل وصديقه، ولذا عمل مايكل في وظيفة ساقي الماء في مطعم صيني، وبدأ يقرأ المجلات المتخصصة في عالم هواة جمع الطوابع، وبدأ يلاحظ الارتفاع المستمر في الأسعار، وبدأ عقله يفكر في إمكانية استغلال هذه الأمر تجاريا. لا عجب في هذا، فعلى مائدة الطعام في منزله، كانت النقاشات العائلية تدور حول مدى صحة القرار الذي اتخذه مدير البنك الفيدرالي، وكيف ستؤثر قراراته على الاقتصاد، ومدى تأثير الزيادة في سعر النفط على سوق الأسهم، وما السهم الذي يبشر بارتفاع سعره.
عمد مايكل وصديقه لشراء الطوابع من مزاد، حتى إذا جمع كمية كافية، وأتفق مع بعض هواة الجمع على بيع طوابعهم نيابة عنهم، أقام هو وصديقه المزاد الخاص بهما، كما وضعا إعلانا صغيرا لهذا المزاد في صحيفة محلية مهتمة بالطوابع. هذا المزاد عاد بأرباح قدرها ألفي دولار على مايكل. هذه الأرباح علمت مايكل أنه إذا أخرج الوسطاء من المعادلة، فإن ربحه يزيد بقوة.
وعمره 16 سنة عمل مايكل كبائع اشتراكات في جريدة محلية، وكانت الجريدة تعهد إلى البائعين بقوائم أرقام هواتف سكان الأحياء المجاورة، وهم يتصلون بهم ويعرضون عليهم الاشتراك. بسرعة لاحظ مايكل أن نوعيات بعينها من الناس هي التي تستجيب بسهولة لعرض الاشتراك في الجريدة، وخلص إلى أن المتزوجين حديثا، والمنتقلين حديثا للسكن في أي حي، هما الفئتان اللتان تقبلان الاشتراك في الجريدة بسهولة ومرونة. بسرعة بدأ مايكل يفكر كيف يمكنه العثور على المزيد من هاتين الفئتين وبسرعة؟
ببحث سريع، علم مايكل أن من يريد الزواج عليه الحصول على ترخيص من المحكمة المحلية، وكان على طالب الرخصة وضع عنوانه وطريقة الاتصال به، وكانت هذه المعلومات حكومية وبالتالي مجانية يمكن الحصول عليها. عمد مايكل إلى استئجار زميلين له وقاموا معا بمسح بيانات المتقدمين للحصول على رخصة الزواج في 16 مقاطعة محيطة. كذلك تعرف مايكل على شركة تهتم بجمع بيانات الذين تقدموا بطلب الحصول على رهن لشراء بيت / سكن جديد. بعدها بدأ مايكل يتصل بهؤلاء الذين ظهروا في هذه القوائم ويعرض عليهم فرصة الاشتراك في الجريدة. هذا العام، كان صافي دخل مايكل السنوي 18 ألف دولار، وهو رقم أكبر مما كانت تحققه معلمته في مدرسته.
فاصل ثم نواصل.