وقف الشاب الصغير في طرقات معرض الكتاب، يطالع كتابا عربيا يقدم مخططات دوائر إلكترونية للهواة، فاستوقفه رسم مخطط دائرة إلكترونية وجد أن تنفيذه لها أمر محتمل، فما كان إلا أن فكر بكل براءة في أن يخرج ورقة وقلم، وبدأ ينقل مخطط هذه الدائرة على الورقة. ما هي إلا دقائق معدودة حتى وجد أحدهم يصيح فيه، ويخطف الكتاب من يديه، وبدأ يحقق معه مثلما تعرض لنا الأفلام المصرية الدرامية الكئيبة. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذا أخذ هذا البطل النشامي المغوار يضيق على صاحبنا حتى لم يتركه إلا وقد دفعه إلى خارج المعرض، وظنه بنفسه البطولة والعمل الصالح والمحافظة على حقوق المسلمين والعباد.
دعونا نترك هذا الموقف الدرامي بكل ما فيه من سواد، وننتقل إلى صاحبنا وقد كره الاقتراب من أي كتاب عربي بعدها، ووجد في المركز الثقافي البريطاني بديلا أفضل، فالمركز سمح له باستعارة 3 كتب انجليزية في وقت واحد، لمدة 3 أسابيع، الأمر الذي سمح له بتصوير القيم من هذه الكتب، حتى أن المركز ذاته كان يوفر خدمة تصوير فصل كامل من كل كتاب يعرضه، وأغلب الظن أن المركز خشي من الزحام وكثرة الطلبات فلم يسمح بتصوير أكثر من ذلك، رغم أن التبرير الرسمي كان الحفاظ على حقوق الملكية، مع أن المركز رغم ذلك ولم يمانع من تصوير فصل ما في كل أسبوع.
اترك كل هذا، وانتقل معي إلى لقطة أخرى في محل بيع كتب اسمه Borders مقام في سوق تجاري، في نهايته مقهى ستاربكس، يسمح لك بأن تأخذ كتبه المعروضة على الرفوف، وتذهب إلى المقهى لتتناول قهوتك المفضلة، وتقرأ كتابك المفضل، حتى أن زوار المقهى يتركون الكتب دون حرج ولا يعيدونها إلى الرفوف. لماذا؟ لأن المحل يريد توفير تجربة قراءة لا يشوبها شائبة.
الآن أريدك أن تقارن، بين هذا النشامي المغوار الذي أنقذ الثقافة العربية من الانهيار، وبين محل Borders الذي اشتهر بتشجيعه لزواره على القراءة. آه، نسيت أن أخبرك أن متجر Borders يبيع الكتب الانجليزية بالأخص، ومعها بعض الكتب العربية على استحياء. هل تريد المزيد من القهوة المُرة؟ أغلب الكتب المباعة هي الانجليزية، حكما على سويعات قضيتها في طرقات هذا المتجر أطالع مشتريات الداخل والخارج.
بشكل عام، هل تشجع الحياة العربية على القراءة في الكتب؟ لا داع لتوضيح ضعف الحصيلة العربية من القراءة مقارنة بالعالمية بشكل عام، ولا عجب في هذا وبلادنا تعج بمثل ذلك النشامي الذي حمى الكتاب من نقل ما فيه، وضيق الخناق على مرتكب هذا الفعل الآثم حتى طرده خارج قلعة العلم. كم منكم مر بمحلات بيع الكتب العربية التي ما أن تدخلها حتى تجد هجوما بالأسئلة من أحفاد الهكسوس العاملين فيها والذين لا يتركوك حتى تخرج فارا بحياتك من باب المحل – نادما على هذه الخطيئة.
ربما كان قاسم كبير منكم يتفق مع موقف هذا البطل المغوار الذي حمى الكتاب من السرقة الفكرية، لكن إذا كنت لا تزال تذكر ملخص الكتاب الأخير الذي قدمته، فستذكر مقولة أن وجود أكثر من منافس في سوق واحد يساعد على توسع وانتشار هذا السوق، وفي النهاية زيادة المبيعات. الكتاب وسيلة نشر عِلم، وعندما تسمح لأكثر من شخص بمشاركة هذا العلم، فأنت توسع حجم السوق، الأمر الذي يسمح بزيادة المبيعات، فهذا القارئ إما أن يتحول ليكون مشتريا أو مؤلفا، أو مثقفا يفيد المجتمع بشكل أو بآخر.
أريد من قارئي دائما أن يفكر في الصورة الأكبر، الصورة التي تظهر على مر عشرات السنين، وليس على مدى ثوان أو دقائق أو ساعات. وقبل أن تسيء فهمي وتتحول إلى الجهة الأخرى من المعادلة وتحدثني عن قرصنة الكتب عبر تصويرها أو توفير نسخها الإلكترونية للتنزيل بدون شرائها، فهذا أرفضه بدوري، لأن المؤلف يجب أن يربح ليمضي في تأليف كتابه التالي.
للوقوف دون الإفراط أو التفريط، ما أريد قوله اليوم هو ضرورة العمل على نشر العلم، بوسائل متفق على مشروعيتها، وأقصد بذلك تبادل الكتب المطبوعة، دون نسخها أو تصويرها وحسب، ودون توفير نسخ إلكترونية منها للتنزيل على غير رضا وبدون موافقة مؤلفيها. من بين الأفكار الجميلة لتنفيذ ذلك الأمر موقع الصديق محمد بدوي: تبادل الكتب، والذي كان لي شرف تشجيعه على المضي فيه، وسعدت جدا حين أعاد تصميمه بشكل متطور، لكن المحزن هو قلة إقبال الزوار على المشاركة في الموقع، وقلة عمليات تبادل الكتب عن طريقه، ولعل طلبي من قارئ مدونتي أن يجرب الاشتراك في خدمات هذا الموقع، وحثي له أن يحرص على مشاركة المعرفة بشكل مشروع، لعل كل هذا يكون الخطوة الأولى في سبيل النهضة والعودة إلى جادة الإبداع الثقافي العربي. الآن من يريد مبادلة الكتب معي في الإمارات؟
تبادل الكتب لن يقتل سوق الكتب أو يقلل من مبيعاتها، فما أن تنجح في صنع قارئ شغوف نهم، فلن تكفيه الكتب المستعارة، بل سيخرج للشراء، ومع انتشار الثقافة، سيزيد عدد المشترين وعدد المؤلفين حتما.
ملحوظة: نعم، بطل هذه القصة هو محدثكم!