توضيح: المقصود من كلمتي “بدون استحياء” ليس الاستعانة بمن تكشف أضعاف ما تحجب، بل الاستعانة بأفكار تسويقية غير مسبوقة، أفكار سيرفضها التقليديون من الناس ومن المسوقين، أفكار تظنها مجنونة!
حقيقة أتعبني التفكير في ترجمة لعنوان كتاب المسوق الرائع جون سبولسترا Jon Spoelstra، والذي أسماه Marketing Outrageously وأعرف أنها ليست الترجمة الدقيقة أو الصحيحة، لكن دعني أزعم أنها أقرب ترجمة لما قرأته من كتابه حتى الآن.
المؤلف أقرب منه للثوار أكثر منه مؤلف كتب أو أكاديمي أو أستاذ، رياضي تعلم التسويق من واقع التجربة والخبرة، والرغبة القوية في النجاح، وهو اشتهر أكثر بعد كتابه: بيع الثلج لأهل الاسكيمو، وهو خبير في انتقاء الكلمات التحفيزية، حتى لتقرأ كتابه ثم تجد نفسك في قمة الحماسة لخوض غمار عالم التسويق الجميل.
القاعدة الأولى: إذا لم تكن راغبا في أخذ بعض المخاطرات في التسويق، اعمل في عد الحبوب.
الفصل الأول: هل لديك الشجاعة الكافية؟
حين كان جون ابن 13 عاما، عمل كموزع جرائد في أحد أحياء مدينة ديترويت بولاية ميتشيجان، وكان يوزع 50 جريدة يوميا، في جدول يستغرق منه ساعة كاملة كل يوم. نظر جون فوجد أن بيتين من كل ثلاثة بيوت يمر عليها يوميا لم تشترك في الجريدة اليومية التي كان يوزعها.
استغرق الأمر من جون الشاب بضعة شهور حتى فطن إلى حقيقة مفادها أنه لو تمكن من إقناع قاطني هذه البيوت للاشتراك في الجريدة التي يوزعها، فإنه كان سيحقق ربحا أكبر، وبدأ يفكر، آني له ذلك؟
بعد إجرائه لبحث سريع، جمع منه أسماء قاطني هذه البيوت، أعد جون رسالة وضعها على عتبات بيوت غير المشتركين، كتب فيها:
أنا الولد موزع جريدة أخبار ديترويت، وحتما شاهدتموني من قبل، اركب دراجتي وأمر أمام منزلكم كل يوم في ذات الوقت، سواء كان الجو صحوا أو غزير المطر. إن بإمكاني تسليم الجريدة لكم مثلما أسلمها لجيرانكم.
إن الجريدة مليئة بالمقالات المثيرة للاهتمام، وأنا أعتقد أنكم ستستمعون بقراءتها، فإذا أردتم تجربة الأمر، علقوا البطاقة المرفقة مع رسالتي هذه على مقبض باب منزلكم، وسأقوم بتوصيل جريدة يوميا ولمدة أسبوع على نفقتي الخاصة، وإذا نالت الجريدة إعجابكم، فسأستمر في توصيلها لكم. أنا أقبض الثمن بشكل شهري.
خلال شهور ثلاثة، كان جون يسلم 100 جريدة في ذات الوقت الذي يستغرقه في السابق، مضاعفا ربحه مع بذله لذات المجهود أو أزيد قليلا. بعدها ببضعة شهور، جرب جون الأمر مرة أخرى في حي ملاصق، ليزيد عدد ما يسلمه إلى 150 جريدة يوميا، مع بذل بعض المجهود الإضافي. بعدها ببضع سنين، ولكي يتغلب على الخجل عنده، بدأ جون يبيع موسوعة بريطانيكا من باب لباب بينما كان يدرس في الجامعة ويلعب في فريق كرة السلة.
يؤكد جون على أنه ألف هذا الكتاب لكي يقنعنا بفكرة التسويق المجنون، المعتمد على استعمال الخيال، الذي لا يرفض سخرية الغير منه، الذي ينسى الافتراضات ويبدأ من جديد بدون قناعات سابقة، الذي يفعل كل ما يرفضه حزب التسويق الآمن!
أقف هنا، فارضا نفسي على قرائي، مستعيدا للذاكرة نقاشاتي العقيمة قديما مع زملاء العمل، حين كنت أقترح على بعض رجال المبيعات شراء بعض الأشياء الصغيرة لصالح العمل والعاملين والعملاء، وكنت أفاجئ بردود هادرة: هل تريدني أن أنفق على الشركة؟ هل هي شركتي أو شركة أبي؟ إن الراتب بالكاد يكفيني، إنك يا رءوف صغير السن بدون مسؤوليات أو أولاد، ولذا تستهتر عند إنفاق المال.
دائما ما اقترحت شراء بعض الهدايا التذكارية وعمل بعض المفاجآت للعملاء، وحتى حين نجحت في إقناع أهل الحل والربط، كانت الهدايا تأتي رخيصة مبتذلة مستهجنة، وكان بعض العاملين يستولون عليها ويأخذونها لأنفسهم، وينظرون إلى الفكرة على أنها سفيهة مجنونة.
إن هؤلاء الحكماء كان يبررون صعوبة الحصول على عملاء جدد للشركة التي يعملون لها بأن السوق حالته سيئة، وتارة أن المنافسة كثيرة جدا، أو أن العملاء السابقين يكرهونهم، وينكرون جميلهم…
بالطبع، حال كوني وقتها خريج بدون تقدير، كان يعني أني لا أفهم شيئا، وأن الأفضل لي البقاء صامتا، وأنه حتى ولو صدق شيئا مما قلته، فهي الصدفة لا أكثر… هذا الأمر دفعني أكثر للتعمق في دراسة التسويق بشكل فردي، وأن أغطس في أعماق كتب تتفق مع ما ذهبت إليه من تفكير…
وأنت عزيزي القارئ، إلى أي الحزبين تنتمي، وهل واجهت معارضة مثلي، أم لم تراودك مثل هذه الأفكار الفاجرة من الأساس؟
– نكمل بعد فاصل، بمشيئة الله.
— الشكر موصول لأخي سعد الخضيري…….