مشكلتي تأخر سن الزواج، والطلاق
سماحة الوالد العالم الإسلامي كله يشهد مشكلتين رئيسيتين لهما آثار اجتماعية خطيرة هما مشكلة الزواج وتأخر سن الزواج. ثم مشكلة الطلاق. ففي مشكلة تأخر سن الزواج إحصائيات خطيرة في عالمنا الإسلامي تثبت عاماً بعد آخر زيادة أعداد غير المتزوجين، وغير المتزوجات. طبقاً لأسباب اقتصادية وأسباب أخرى ومشكلة الطلاق تقابل مشكلة الزواج زيادة عدد المطلقات والمطلقين. لدرجة أن دولة من الدول أثبتت أن مليوني مطلق زادوا خلال عام واحد في دولة إسلامية كبيرة؟
في الحقيقة لا إشكال في الزواج ولا في الطلاق وإنما حصل ذلك من جهل الناس. وقلة العلم وكثرة الغضب، وقلة الصبر، والواجب على الرجال البدار بالزواج مع الاستطاعة. وعدم التكلف في المهور وفي مؤن الزواج، حتى يكثر المتزوجون. وحتى يقل العزاب، وتقل العوانس في البيوت، ولكن بسبب الجهل والطمع وعدم الرضى باليسير أغلوا المهور. وتكلفوا في مؤن الزواج إلا من شاء الله، وبسبب ذلك قل الزواج لأنه ليس كل واحد عنده قدرة.
فالواجب على المؤمنين التعاون في هذا والتسامح وعدم التكلف في الزواج حتى يكثر المتزوجون، وحتى يقل العزاب، وتقل العوانس في البيوت. هذا هو الواجب على الجميع، والواجب على الرجل أن لا يستعجل في الطلاق وأن يعاشر بالمعروف وأن يحذر ظلم المرأة وبخسها حقوقها، والواجب على الزوجة التواضع وعدم إغضاب الزوج وعدم إيذائه، وعليها أن تتواضع وأن تستعمل اللطف والرفق والكلام الطيب مع الزوج حتى لا تثير حفيظته فيطلق. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء))[1] متفق على صحته.
فالمشروع للزوج تقوى الله سبحانه وعدم العجلة في الطلاق والتحمل والصبر. وعلاج الأمور بالحكمة والكلام الطيب والأسلوب الحسن وعدم ظلم المرأة، المشروع للمرأة تقوى الله، وألا تستثير الزوج بطلب الطلاق، وأن تقوم بواجبها، وأن تعاشر بالمعروف، وهو كذلك عليه أن يعاشر بالمعروف كما قال الله سبحانه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[2] وقال جل وعلا: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ[3] وعلى الجميع الصبر والاحتساب في جميع الأحوال كما قال سبحانه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ[4] فلا بد من الصبر والتعاون على الخير لقول الله سبحانه وتعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى[5] ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم))، ويقول في لفظ آخر: ((فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج فإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها))[6] فلا بد من الصبر على بعض العوج. ولا بد للمرأة أن تصبر أيضاً على ما قد يقع من الزوج من بعض الخلل أو بعض التقصير وما أشبه ذلك.
فعليهما جميعاً أن يتعاونا على البر والتقوى، وعلى الزوج أن يتحمل ويتقي الله ويعاشر بالمعروف ويعرف لها قدرها وحقها. وعليها أن تصبر وتتحمل بعض الشيء وتؤدي الحق الذي عليها حتى لا يقع الطلاق. نسأل الله لنا ولجميع المسلمين الهداية والتوفيق.
[1] أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع برقم 5065، ومسلم في كتاب النكاح باب استحباب النكاح برقم 1400.
[2] سورة النساء، الآية 19.
[3] سورة البقرة، الآية 228.
[4] سورة الزمر، الآية 10.
[5] سورة المائدة، الآية 2.
[6] أخرجه مسلم في كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء برقم 1468.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد الثلاثون