تقدم لي شاب علمت أنه يتقي الله كثيراً، ولا نزكي على الله أحدا، ولم تقدم للوالد رفضه الوالد لأسباب دنيوية، هي أنه لا يستطيع أن يباهي به أمام الناس لأن مظهره لا يعجب أناس هذا الزمان؛ لأنه يلبس القميص ولا يطيل ثيابه تأسيا بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، هذا بجانب أنه لم يعجبه أسلوب عيشته، وهي ولله الحمد اعتبار الدنيا معبر إلى دار القرار، المهم أنه رفضه لدينه -هداه الله سواء السبيل- ولما كنت قد علمت بدين هذا الأخ، وأعلم أن رفض إنسان بهذه الصفات هي فتنة في الأرض وفساد كبير، فهل إذا تكاسلت عن إسقاط الولاية عن الوالد، والتقدم إلى القاضي أو العالم يتصف بالتقوى ليتولى أمر تزويجي هل في ذلك شيء علي أم لا؟
لا ريب أن علي الوالد وعلى سائر الأولياء أن يعتنوا بأماناتهم، وهن مولياتهم من النساء من بنات وأخوات، وأن يحرصوا على تزوجيهن وعدم تعطيهن وعظلهن، وأن ينظروا إلى الأزواج من جهة الدين والاستقامة والأمانة وصلاح الحال، لا من جهة الدنيا والمظاهر، فإن هذا المظهر قد يضر صاحبه، وقد يضر مصاهريه، فالواجب على ولي المرأة أن ينظر إلى الدين والاستقامة، فإذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال في المرأة فاظفر بذات الدين تربت يداك، فهكذا ينبغي أن يقال من جهة الزوج، يقال للأولياء: فاظفروا بأصحاب الدين في تزويج بناتكم وأخواتكم ونحو ذلك، فيجب العناية بذات الدين من النساء، وهكذا العناية بصحاب الدين من الرجال، فكونه لا يطيل ثيابه هذه منقبة، هذه منقبة وفضل ينبغي أن يكون سبباً لتقريبه لا لإبعاده، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الإسبال وقال: (ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار). فلا يجوز للرجال أن يسبلوا ثيابهم تحت الكعب مطلقاً، وإذا كان عن كبر صار أعظم وأكبر، كذلك كونه مثلاً يلبس القميص العادي المعروف، أو كون رابته ليس بالكثير، أو كونه لا يحلق لحيته بل يوفرها ويعتني بها، كل هذه مناقب ومكارم وفضائل لا ينبغي أن تكون سبباً لمنع الزواج، والذي يعتبرها سبباً هذا يدل على نقصٍ في دينه ونقصٍ في إيمانه، ونقصٍ في تصوره، ونقصٍ في أدائه الأمانة، وهكذا كون معيشته ليست بالكاملة من جهة الرفاهية ومن جهة ما يحتاجه الناس اليوم من مزيد التفكه، هذا ليس بعيب، فينبغي للمؤمن أن يعتني بالدين والاستقامة، وأن لا يكون تعقله بالمال أو بالمظاهر هو المطلوب، بل هذا غلط ولا يجوز للوالد ولا لغير الوالد من الأولياء. أما المرأة فإن تقدمت للحاكم لطلب عزل الولي الذي يتساهل حتى يزوجها الحاكم فلا بأس، لها حق في ذلك، تتقدم إلى المحاكم وتطلب أن تزوج من هذا الخاطب الجيد، وأن يمنع وليها من التحكم فيها لهواه ولمقاصد المنحرفة، أو لقصد المباهاة بالأزواج والأموال، كل هذه المقاصد رديئة، وصاحبها يستحق أن يعزل ويعتبر عاظلاً لامرأته. وإن صبرت ولم تتقدم إلى المحاكم، وقالت لعل ولعل إكراماً لأبيها وإكراماً لوليها وحذراً من أشياء قد تسوء عاقبتها فلا بأس، على كل حال هذا إلى المرأة، هي مخيرة إن شاءت تقدمت إلى المحاكم ليزوجوها من الخاطب الجيد المستحق، وإن شاءت صبرت حتى يفتح الله ولعل الله أن يهدي الولي فيزوج هذا أو غيره.