أنا إمام مسجد، ويرى الجماعة أنني أحسن أهل البلد فقهاً في الدين، وليس ذلك من جودتي وعلمي ولكن هذا عائد لقلة الدارسين في بلدتنا، ويأتيني أسئلة متعددة في الرضاعة، وأفتي فيها، ولكن أحياناً أشك في هذه الفتوى، فهل هناك قاعدة مطردة في وجوه الرضاعة من حيث الحل والتحريم والزواج؟
الواجب على طالب العلم أنه لا يفتي إلا عن بصيرة، وأن لا يقول على الله بغير علم، لأن الله حرم القول عليه بغير علم، فلا يجوز للمسلم أن يفتي إلا بعلم لا في الرضاع ولا فيه غيره، وطالب العلم أولى الناس بأن يتحرى ويطالع كتب أهل العلم ويسأل أهل العلم حتى يكون على بينة فيما يبين الفتوى فيه من الرضاع أو غيره، فالسائل يجب عليه أن يعتني بأحكام الرضاع ويراجعها في أمهات الكتب، ويراجع كلام أهل العلم، ويتبصر ويراجع الأحاديث، مثل بلوغ المرام، مثل ملتقى الأخبار، وهكذا الكتب المفيدة التي شرحت أحكام الرضاع، حتى يكون على بصيرة، فإذا عرف الأحكام الشرعية في الرضاع أفتى. والخلاصة في هذا: أن الرضاع المحرم الذي تحصل به الحرمة لا بد فيه من أمرين، أحدهما: أن تكون الرضعات خمس مرات فأكثر، والأمر الثاني: أن يكون في الحولين، حال الطفل في الحولين، فعلى المفتي أن يلاحظ هذا، فإذا كانت الرضعات خمساً أو أكثر وكان الطفل في الحولين حين الرضاع تمت أحكام الرضاع، وصارت المرضع أماً له، وأولادها إخوةً لها، وأبوها جده، وأمها جدته، وهكذا كالنسب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، ولا بد من مراعاة أن تكون المرضعة ثقة، التي أخبرت، التي أخبروا عنها ثقة عدل، فالمرضعة التي ليست مضبوطة أو معروفة بالكذب أو ما أشبه ذلك مما يقدح فيها لا يعتمد على قولها أنها أرضعت فلاناً، وهكذا من ينقل عنها الرضاع ويشهد عليها بالرضاع لا بد أن يكون عدلاً، ويقبل في هذا واحد، ثقة من الرجال أو ثقة من النساء، ولا يقبل من ليس بثقة لا من الرجال ولا من النساء، فإذا شهد الثقة أنها أرضعت الرجل خمس رضعات أو المرأة أرضعت خمس رضعات في الحولين اعتبرت هذه الرضاعة وصارت المرضعة أماً للرضيع، وصارت أمها وجداتها جداتٍ له، وصار أبناؤها إخوة له، وصار زوجها أباً له، وهكذا. فيجب على المفتي أن يلاحظ هذا، ثم الرضاعة لا بد أن يعرف فيه، الرضاع كونه يمسك الثدي، ويمص اللبن، ثم يطلقه، هذه رضعة، إذا أمسك الطفل الثدي وامتص اللبن وابتلع اللبن هذه واحدة، فإذا أطلقه وعاد وامتص اللبن هذه ثانية، فإذا أطلق وعاد هذه ثالثة، وهكذا حتى يكمل خمس رضعات وإن كان في مجلسٍ واحد، وإن كان في ساعةٍ واحدة، وهكذا لو كان في أيام أو في أوقات، لا بأس، الحاصل: أنه لا بد أن يهتم بالموضوع ويعتني ولا يتساهل لا من جهة الرضعات ولا من جهة المرضعة، والشاهد على الرضاع. والرضاع مثل النسب، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إذا ثبت، وإذا اشتبه عليه شيء لا يعجل في الفتوى، يؤجل ولا يعجل حتى يتضح له الأمر، أو يتصل بأهل العلم يسألهم أو يكتب إلى البعيد عنه يسألهم حتى يكون على بينة وعلى بصيرة، وهذا من الاحتياط الواجب، ومن الورع الواجب، حتى لا يقول على الله بغير علم.