رد على ما كتبه أحد الكتاب في حق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد[1]:
فقد اطلعت على القصة التي نقلها الكاتب من تاريخ ابن جرير الطبري رحمه الله عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال ما نصه:
(فاتبعته فدخل داراً ثم دخل حجرة فاستأذنت وسلمت فأذن لي فدخلت عليه، فإذا هو جالس على مسح (بساط) متكئ على وسادتين من أدم محشوتين ليفاً فنبذ إليّ بإحداهما فجلست عليها وإذا بهو في صفة فيها بيت عليه ستير، فقال: يا أم كلثوم ألا تخرجين إلينا تأكلين معنا من هذا. قالت: إني أسمع عندك حس رجل، قال: نعم ولا أراه من أهل البلد. قالت: لو أردت أن أخرج إلى الرجال لكسوتني كما كسى ابن جعفر امرأته. وكما كسى الزبير امرأته. وكما كسى طلحة امرأته. قال: أو ما يكفيك أن يقال أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وامرأة أمير المؤمنين عمر. فقال: كل فلو كانت راضيةً لأطعمتك أطيب من هذا) أ.هـ.
وهذه القصة باطلة لا تثبت رواية ولا دراية. أما الرواية، فلأن مدارها على جماعة من الضعفاء وبعضهم متهم بالكذب وتنتهي القصة إلى مبهم لا يعرف من هو ولا تعرف حاله وهو الذي رواها عن عمر؛ وبذلك يعلم بطلانها من حيث الرواية.
وأما من حديث الدراية فمن وجوه:
1- شذوذها ومخالفتها كما هو معلوم من سيرة عمر رضي الله عنه وشدته في الحجاب وغيرته العظيمة، وحرصه على أن يحجب النبي صلى الله عليه وسلم نساءه حتى أنزل الله آية الحجاب.
2- مخالفتها لأحكام الإسلام التي لا تخفى على عمر ولا غيره من أهل العلم، وقد دل القرآن والسنة النبوية على وجوب الاحتجاب وتحريم الاختلاط بين الرجال والنساء على وجه يسبب الفتنة ودواعيها.
3- ما في متنها من النكارة الشديدة التي تتضح لكل من تأملها، وبكل حالة فالقصة موضوعة على عمر بلا شك؛ للتشويه من سمعته أو للدعوة إلى الفساد بسفور النساء للرجال الأجانب واختلاطهن بهم أو لمقاصد أخرى سيئة، نسأل الله العافية.
ولقد أحسن الشيخ أبو تراب الظاهري والشيخ محمد أحمد حساني والدكتور هاشم بكر حبشي فيما كتبوه في رد هذه القصة، وبيان بطلانها، وأنه لا يصح مثلها عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جزاهم الله خيراً وضاعف مثوبتهم وزادنا وإياهم علماً وتوفيقاً وجعلنا وإياهم وسائر إخواننا من أنصار الحق.
وللمشاركة في بيان الحق وإبطال الباطل رأيت تحرير هذه الكلمة الموجزة؛ ليزداد القراء علماً ببطلان هذه القصة وأنها في غاية السقوط للوجوه السالف ذكرها وغيرها.
والله المسئول أن يهدينا جميعاً إلى سواء السبيل وأن يعيذنا وسائر إخواننا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه سميع قريب، وصلى الله على نبينا محمد.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية
والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
[1] نشر في مجلة اليمامة العدد 684 وتاريخ 2/3/1402هـ.