قرأت في كتاب التوحيد هذا الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر أخرجاه. السؤال: ماذا يقصد -صلى الله عليه وسلم- بقوله لا عدوى ، والعلم الحديث قد أثبت أن كثيراً من الأمراض تنتقل بالعدوى؟ وضحوا لي هذا الأمر،
الحديث المذكور صحيح. أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين، زاد مسلم: (ولا نوأة ولا غول). في الحديث أيضاً: (ويعجبني الفأل، قيل يا رسول الله وما الفأل ؟، قال: الكلمة الطيبة). فالعدوى التي نفاها الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي ما يعتقده أهل الجاهلية من الكفرة أن الأمور تعدي بطبعها، من دون قضاء الله وقدره سبحانه، وأن انتقال الجرب، أو الجذام من شخص إلى شخص، أو من دابة إلى دابة أن هذا طبعي، لا دخل لقدر الله في ذلك، ولا لفعله سبحانه وتعالى، وهذا باطل، هذا انتقال من عين إلى عين في الجرب، وغيره إلا بإذن الله وقدره السباق وحكمته سبحانه وتعالى، ولهذا لما قال بعض البادية يا رسول الله لما سمع لا عدوى، قال يا رسول الله: الإبل الكثيرة يكون فيها البعير الأجرب فتجرب كلها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (فمن أعدى الأول؟)، يعني من الذي أنزل الجرب بالأول، الله الذي أنزله؛ لحكمةٍ بالغة. فالذي أنزله بالأول هو الذي أنزله في البقية، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يورد ممرض على مصح). يعني لا يورد صاحب الإبل المراض إبله عل صاحب الإبل الصحاح. لأن هذا وسيلة لانتقال المرض، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)؛ لأن الجذام ينتقل، فهذا معناه إقرار الانتقال لكن ليس على العدوى التي تقولها الجاهلية، بل ينتقل بإذن الله عند المخالطة، قد ينتقل عند المخالطة، إذا خالط الأجرب الصحيح والمجذوم والصحيح قد ينتقل، وهكذا الأمراض الأخرى عند الاختلاط قد ينتقل وقد لا ينتقل، وهو ليس بلازم، لكن إذا ابعد الصحيح عن المريض يكون هذا هو الأولى، كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يورد ممرض على مصح). وقال آمراً: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، فالمعنى أبعدوا المريض عن الصحيح إذا كان يخشى من العدوى، لا يخلط هذا مع هذا، فهذا معناه تجنب الأسباب التي تسبب انتقال المرض، ولكن ينبغي أن يعلم أنه لا عدوى، ولا انتقال إذا انتقل ليس لأنه يعدي بطبعه، وأنه ليس بإذن الله، ولا بمشيئة الله، بل ينتقل لكن بمشيئة الله، وبإذنه وقدره سبحانه وتعالى، لا أحد يستطيع أن ينقل شيء إلى شيء إلا بإذن الله وقدره، لا حي، لا حيوان، ولا إنسان ولا غير ذلك، كل شيء بقضاء وقدره، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كل شيءٍ بقدر حتى العجز والكيس). ويقول الله في كتابه العظيم: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا (22) سورة الحديد. ويقول جل وعلا: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) سورة القمر. المقصود أن الله سبحانه قدر الأشياء كلها: الصحة والمرض والسفر والإقامة والولد ذكراً كان أو أنثى والحياة والموت وغير ذلك، كلها بأقدار ماضية من الله -عز وجل-، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء)، فالأمور كلها مقدرة، فكون هذا البعير يمرض، أو هذه الفرس، أو هذا الإنسان بقدر، وكون هذا الصحيح يخالط هذا المريض، فيصاب بمرضه هذا بقدر، وليس بلازم، قد يقع قد تكون الصحيحة مع الجرب ولا تجرب قد يكون إنسان مع مجذوم ولا يصاب بالجذام، قد جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه أخذ بيد مجذوم وهو يأكل فقال: (قل بسم بالله ثقةً بالله)، ولم يجذم -عليه الصلاة والسلام-، فالإنسان إذا خالطهم ببيان أن الله جل وعلا هو المقدر ويعلم الناس أن هذا ليس بمشيئة العدوى، ولكن بمشيئة الله، إذا أرأف على ذلك حتى يعلم الناس أن هذه الأمور بقضاء الله فهو سبحانه وتعالى جواد كريم الذي يصونه ويحفظه حتى يعلم الناس الحقيقة التي بينها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والخلاصة: أنه لا عدوى على طريقة الجاهلية، يعني لا عدوى بالطبع، ولكن قد تقع العدوى وهي الانتقال قد تقع بمشيئة الله وإذنه بسبب الاختلاط بين المرضى، والأصحاء في بعض الأحيان.