هناك من يقول: بدعة حسنة، ودليله حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سنَّ سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها). وحينما أرد عليهم بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار). فهنا لفظ : (كل) شمل البدع كلها؛ فيردون علي بهذا الحديث، فهل قولهم صحيح، وهل هناك تضارب بين هذين الحديثين؟ أفيدونا يرحمكم الله، جزاكم الله خيراً؟
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فليس بين الحديثين - بحمد الله - اختلاف ولا تضارب، بل قوله عليه الصلاة والسلام: (كل بدعة ضلالة). كلام عام محكم يشمل جميع البدع، ولا يستثنى منه شيء، وقد جاء هذا عنه في عدة أحاديث منها ما رواه مسلم في الصحيح عن جابر - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة). زاد النسائي - رحمه الله -: (وكل ضلالة في النار). ومنها ما رواه أبو داود وغيره من حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة). وهذا عام لا يستثنى منه شيء، فجميع البدع التي أحدثها الناس قولية أو فعلية أو عقدية كلها داخلة في هذا الحديث، كما أنها داخلة في قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته من حديث عائشة - رضي الله عنها-. وفي رواية لمسلم عنها - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). والمعنى فهو مردود. فجميع البدع التي أحدثها الناس كلها داخلة في هذه الجملة،: (وكل بدعة ضلالة). ويجب الحذر منها ، والتحذير منها. أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً). فهذا الحديث في إحياء السنن وإظهارها وليس فيه إحداث البدع، ولكنه في إظهار السنن ، ونشرها بين الناس عند جهلهم بها ، وإماتتهم لها، فالذي يحيي السنن ، ويظهرها ، وينشرها بين الناس له هذا الأجر العظيم، له أجر ذلك، ومثل أجور من عمل بالسن بأسبابه. فقوله: (من سنَّ). يعني من أظهر السنن وأحياها وبينها للناس، ويدل على هذا سبب الحديث ، فإن سبب الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رأى جماعة من مضر مجتابي النمار، قد ظهرت عليهم الفاقة والحاجة ، فخطب الناس بعد الصلاة - عليه الصلاة والسلام - وقرأ قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [(1) سورة النساء]. وآية الحشر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [(18) سورة الحشر]. ثم قال: (تصدق رجل من درهمه ، من ديناره ، من ثوبه ، من صاع بره ، من صاع شعيره... ) الحديث.. فجاء رجل من الناس بصرة من فضة كادت كفه تعجز عنها ، بل قد عجزت، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الرجل، ورأى الناس تتابع في الصدقة بأسبابه، قال: (من سن في الإسلام سنة حسنة..). يعني أظهرها ، وبينها ، وسارع إليها ، حتى اقتدى به الناس فيها، وفي ذلك يتضح للسائل وغيره أن معنى الحديث : (من سن في الإسلام سنة حسنة). معناه إظهارها ، وبيانها ، ونشرها بين الناس، والمسارعة إلى ذلك، وأنها هذا الفاعل يكون له أجره ، ويكون له مثل أجور من تابعه في ذلك. سماحة الشيخ تشيرون إلى أسباب ورود الحديث يبدو لي أن هذا علم مستقل بذاته، هل تتفضلون بإلقاء الضوء عليه؟ نعم، نعم، بيان أسباب الحديث مما يعين على فهمه، والجمع بينه وبين غيره الأحاديث التي قد يبدو لبعض الناس أن هناك تخالفاً وتعارضاً، فإذا سمع القارئ ، أو اطلع القارئ على سبب الحديث زال عنه الأشكال ، واتضح له اتفاق السنة، وائتلافها ، وأن بعضها يصدق بعضاً.