مضاعفة الحسنات كماً وكيفاً ومضاعفة السيئات كيفاً لا كماً
هل تضاعف السيئة في مكة مثل ما تضاعف الحسنة؟ ولماذا تضاعف في مكة دون غيرها؟
وجهت إلي مجلة التوعية الإسلامية بالحج أسئلة، من بينها السؤال التالي وهو:
هل تضاعف السيئة في مكة مثل ما تضاعف الحسنة؟ ولماذا تضاعف في مكة دون غيرها؟
الجواب: الأدلة الشرعية على أن الحسنات تضاعف في الزمان الفاضل والمكان الفاضل، مثل رمضان وعشر ذي الحجة، والمكان الفاضل كالحرمين، فإن الحسنات تضاعف في مكة والمدينة مضاعفة كبيرة، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في ما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا)) رواه أحمد وابن حبان بإسناد صحيح.
فدل ذلك على أن الصلاة بالمسجد الحرام تضاعف بمائة ألف صلاة في سوى المسجد النبوي، وتضاعف بمائة صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وبقية الأعمال الصالحة تضاعف، ولكن لم يرد فيها حد محدود إنما جاء الحد والبيان في الصلاة، أما بقية الأعمال كالصوم والأذكار وقراءة القرآن والصدقات فلا أعلم فيها نصاً ثابتاً يدل على تضعيف محدد، وإنما فيها في الجملة ما يدل على مضاعفة الأجر وليس فيها حد محدود.
والحديث الذي فيه: ((من صام في مكة كتب الله له مائة ألف رمضان)) حديث ضعيف عند أهل العلم .
والحاصل أن المضاعفة في الحرم الشريف بمكة المكرمة لا شك فيها - أعني مضاعفة الحسنات - لكن ليس في النص فيما نعلم حد محدود ما عدا الصلاة فإن فيها نصاً يدل على أنها مضاعفة بمائة ألف صلاة كما سبق.
أما السيئات فالذي عليه المحققون من أهل العلم أنها لا تضاعف من جهة العدد ولكن تضاعف من جهة الكيفية، أما العدد فلا، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا[1].
فالسيئات لا تضاعف من جهة العدد لا في رمضان ولا في الحرم ولا في غيرها، بل السيئة بواحدة دائماً وهذا من فضله سبحانه وتعالى وإحسانه. ولكن سيئة الحرم، وسيئة رمضان، وسيئة عشر ذي الحجة أعظم إثماً من السيئة فيما سوى ذلك، فسيئة في مكة أعظم وأكبر وأشد إثماً من سيئة في جدة والطائف مثلاً، وسيئة في رمضان، وسيئة في عشر ذي الحجة أشد وأعظم من سيئة في رجب، أو شعبان ونحو ذلك.
فهي تضاعف من جهة الكيفية لا من جهة العدد، أما الحسنات فهي تضاعف كيفية وعدداً بفضل الله سبحانه وتعالى، ومما يدل على شدة الوعيد في سيئات الحرم وأن سيئة الحرم عظيمة وشديدة، قول الله تعالى : وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[2]. فهذا يدل على أن السيئة في الحرم عظيمة حتى إن في الهم بالسيئة فيه هذا الوعيد. وإذا كان من هم بالإلحاد في الحرم متوعداً بالعذاب الأليم فكيف بحال من فعل في الحرم الإلحاد بالسيئات والمنكرات فإن إثمه يكون أكبر من مجرد الهم، وهذا كله يدلنا على أن السيئة في الحرم لها شأن خطير. وكلمة: (إلحاد) تعم كل ميل إلى باطل سواء كان في العقيدة أو غيرها؛ لأن الله تعالى قال: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ[3]، فنكر الجميع، فإذا ألحد أحد أي إلحاد فإنه متوعد بهذا الوعيد. وقد يكون الميل عن العقيدة إلى الكفر بالله فيكفر بذلك فيكون ذنبه أعظم وإلحاده أكبر.
وقد يكون الميل إلى سيئة من السيئات كشرب الخمر والزنا وعقوق الوالدين أو أحدهما فتكون عقوبته أخف وأقل من عقوبة الكافر.
وإذا كان الإلحاد بظلم العباد بالقتل أو الضرب أو أخذ الأموال أو السب أو غير ذلك فهذا نوع آخر، وكله يسمى إلحاداً، وكله يسمى ظلماً، وصاحبه على خطر عظيم، لكن الإلحاد الذي هو الكفر بالله والخروج عن دائرة الإسلام أشد من سائر المعاصي وأعظم منها، كما قال الله سبحانه وتعالى : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[4].
والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبيه وآله وصحبه.
[1] سورة الأنعام الآية 160.
نشرت بالعدد التاسع من مجلة التوعية الإسلامية في الحج التي تصدر بمكة - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الثالث