توفيت والدتي في رمضان، وبكينا عليها بكاءً كثيراً مدةً طويلة، وقيل لنا: لا بد من صيام الأيام التي بكينا فيها، وأنه يعذب الميت في قبره بسبب بكاء أهله عليه، وقيل: إنه يأتي ملكان فيرشان على الميت الماء الساخن ويقولان: هذا هدية أهلك لك، فهل الحديث هذا صحيح، وه
البكاء على الميت فيه تفصيل، فإن كان البكاء بدمع العين من دون نياحة، فلا حرج في ذلك، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لما مات ابنه إبراهيم: (العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنَّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون). وقال -صلى الله عليه وسلم- ذات يومٍ لأصحابه: (اسمعوا إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا، أو يرحم)، وأشار إلى لسانه. وقال -صلى الله عليه ¬وسلم-: (الميت يعذب في قبره بما نيح عليه). فالميت إذا نيح عليه بالصوت المرتفع، بالصياح هذا جاء الحديث أنه يعذب، حديث صحيح عذاباً الله أعلم بحقيقته، عذاب الله الذي يعلمه -سبحانه وتعالى- فذلك يفيد أنه لا يجوز لأهل الميت أن ينوحوا عليه، وأن يرفعوا الصوت بالنياحة عليه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ليس منا من لطم الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (أنا بريء من الصالقة، والحالقة، والشاقة). الصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة التي تحلق شعرها، والشاقة التي تشق ثوبها. هذا كله لا يجوز، أما الحديث الذي ذكره السائل : أنه يأتي ملكان يرشان على المقبرة بماء ساخن، هذا لا نعلم له أصل، هذا الحديث ليس له أصل فيما نعلم، وإنما المحفوظ والمعروف أن الميت يعذب في قبره بما نيح عليه. هذا ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لكنه عذاب الله أعلم بكيفيته، وفيه تحذير الأقارب، والأصدقاء من النياحة على الميت؛ لأنه يضره، وأما الصيام فلا أصل له، الصيام على الميت بعدد الأيام التي نيح عليه فيها هذا لا أصل له، ليس علي أهله صيام إنما عليهم التوبة إذا كانوا ناحوا ورفعوا الصوت عليهم التوبة إلى الله، والندم، وعدم العودة لثل هذا. هذا هو الواجب على من ناح و من رفع صوته، يتوب إلى الله، ويندم ويعزم أن لا يعود ويترك هذا الشيء، هذا هو الواجب، التوبة فقط أما الصيام فلا، والضحية لا بأس بها إذا ضحى عن الميت إذا تصدق عنه كله طيب، إذا ضحى عن الميت، أو عنه وعن ميِّته ذبيحةً واحدة، عن الرجل وأهل بيته، .... الميت من أبيه وأمه، أو المرأة عن زوجها، أو عنها وعن زوجها كله طيب، وهكذا الصدقة، الصدقة عن الميت بمال، بالنقود، بالطعام، بالملابس، كله طيب، كله ينفع الميت، ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم-، أنه جاءه رجل، فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت ولم توصي، أفلها أجر أن أتصدق عنها؟ قال النبي: (نعم)، يعني لها أجر، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث؟ صدقة جارية، أو علم ينفع به، أو ولد صالح يدعو له)، فالدعاء للميت والصدقة عنه ينفعه الله بذلك، هكذا العلم النافع الذي خلفه بين الناس، خلف طلبة يعلمون الناس، خلف كتب نافعة يتعلم منها الناس، هذا ينفعه بعد الموت، كما أن الدعاء له، والاستغفار له، والترحم عليه ينفعه، هكذا تعمير المساجد بالنية عنه وقفاً له، مسجد، أو مدرسة يعلم فيها القرآن والأحاديث والشريعة المحمدية هذا ينفع الميت، هكذا الأوقاف الطيبة، وقف على الفقراء، البيوت تؤجر يتصدق...للفقراء نخيل بساتين توقف، يتصدق بثمرتها على الفقراء، والمساكين، وفي وجوه الخير كل هذا ينفع الميت. سماحة الشيخ فرقٌ بين النياحة والبكاء برفع الصوت إذا غلب الإنسان على ذلك، أو النياحة بالأجرة كما كان يفعل في المجتمع الجاهلي، بما توجهون الناس حول هذا؟ النياحة مثل ما تقدم، النياحة رفع الصوت سواءٌ كان بأجرة، أو بغير أجرة، يرفع الصوت؛ لشدة الألم لشدة الحزن، أو مجارات لغيره، أو رياء، أو إرضاءً لأهل الميت، كل هذا لا يجوز، أما البكاء العادي بدمع العين، أو مع صوت يسير خفيف هذا ما يسمى نياحة، ما يسمى نياحة؛ لأن هذا قد يقع من الإنسان عند شدة المصيبة، أو كلمات قليلة تسمع من ولد الميت، أو أخيه، مثل ما وقع لفاطمة وغيرها بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم-، الشيء القليل يعفى عنه، أما النياحة هي رفع الصوت.... هذا هو الممنوع، أما الشيء اليسير، أو بدون صوت،يعني دمع العين لكن بدون صوت يسمع هذا لا حرج، يسمى بكاء. إذا غلب الإنسان أثناء البكاء وارتفع صوته سماحة الشيخ، غُلب؟ نرجو أن لا يضره إذا كان قليل، و بغير اختياره، بل غلبه الأمر من غير اختياره؛ لشدة المصيبة، وشدة وقع المصيبة وقع منه شيء، ثم تراجع وحزن، لا حرج نرجو أن لا يضره ذلك: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (16) سورة التغابن. جزاكم الله خيراً، لا بد سماحة الشيخ من وصية للناس؟ الوصية تقوى الله، والحذر من المعاصي؛ لأن النياحة معصية، وإذا كان معها لطم خد، أو شق ثوب، أو نتف شعر يكون أشد جريمة، لا يجوز للمسلم والمسلمة، كذلك المصيبة لا بد منها، كل إنسان سيموت، لا بد يكون الإنسان عنده تحمل يحمد الله، والله يقول: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) (155-156) سورة البقرة. قال ¬-سبحانه-: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (157) سورة البقرة. فلا بد من صبر، قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (فإذا أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)، فالمؤمن يتحمل، يصبر، ولا يجزع ولا ينوح، ولا يرفع صوته بالصياح، ولا يشق ثوباً، ولا يلطم خداً، ولا ينتف شعراً، بل يحذر ذلك كل الحذر، ويتحمل ويتوب إلى الله، ويصبر ويقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل، اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منه)، هكذا المؤمن مأمور، وفي الحديث الصحيح يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما من عبدٍ يصاب بمصيبة، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي وأخلفني خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها)، لا بد من التحمل والصبر. جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ كلنا إلى الموت قادمون بما نوصي محبينا إذا متنا حتى لا ينوحوا علينا؟ نعم، الرجل يوصي أهله، وهكذا المرأة توصي أهلها بأن لا ينوحوا توصيهم، كما حذرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: (إياكم والنياحة علي)، والرجل يوصي أهله والمرأة توصي أهلها، توصي زوجها، الزوج يوصي زوجته يوصي أهله، الله يقول: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، التواصي لا بد منه؛ لأن المسلم أخو المسلم، والزوج يحب لزوجته الخير، والزوجة كذلك،والوالد يحب لولده الخير، والولد يحب لأبيه وأمه الخير، فالتواصي لا بد منه؛ لأن النياحة تضر الميت وتضرهم، يأثمون والميت يضره ذلك، فالتواصي بترك ذلك الذي يضر الجميع أمرٌ مطلوب، الله -سبحانه- يقول: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)، نسأل الله للمسلمين التوفيق والهداية. جزاكم الله خيراً