مازلنا نحيا أصداء ثورة شعبنا المجيدة, ليس فقط نتيجة للتحولات التاريخية التي تشهدها الحياة السياسية المصرية حاليا, ولكن نظرا لآثارها التي امتدت الي وجداننا جميعا.وعلي الرغم من أن وزارة الداخلية حظيت بالنصيب الأكبر من هذا التيار الجامح نحو التغيير والتطوير لمؤسسات الدولة.
, إلا أن مؤسسات أخري مثل وزارة الخارجية قد شملتها تلك العاصفة الساعية الي التطوير.
وقبيل تولي حكومة د. عصام شرف مسئولية البلاد بأيام قليلة, دعا الدبلوماسيون بوزارة الخارجية عددا من شباب قادة الثورة للتحاور معهم, ورغم ما اشتمله هذا اللقاء من عبارات الإعجاب والتقدير للشباب الثوري وانجازهم التاريخي, وعبارات التحية المتبادلة أيضا مع الدبلوماسيين بالوزارة, التي أكد شباب الثورة أن ميدان التحرير قد امتلأ بالعديد منهم, وأن معظمهم لم يكن بمعزل عن إرادة الشعب وتطلعاته, إلا أن الانتقادات التي وجهها بعض شباب قادة الثورة لوزارة الخارجية ودورها قد أذهل العديد من الدبلوماسيين الحضور, الذين لم يخض معظمهم في الدفاع عن مؤسستهم حتي لا يفسد جو هذا اللقاء.
فالتحدي الأكبر الذي يواجه مؤسسة الدبلوماسية المصرية عقب ثورة52 يناير, يتركز بالأساس حول دور مصر الاقليمي والدولي, الذي دأبت وسائل الإعلام علي وصفه بالتراجع خلال السنوات الأخيرة, ودون الخوض في تفاصيل هذا الأمر وحقيقته وأسبابه, والذي يرتبط بالأساس بتغير مدخلات السياسة الخارجية المصرية وقوتها الاقتصادية وأولوياتها السياسية داخليا وخارجيا مقارنة بفترات تاريخية سابقة, بالاضافة الي العنصر الأهم, وهو القيادة السياسية ورغبتها في القيام بهذا الدور, والذي يحتاج الي تولي رئيس جديد مقاليد الحكم في البلاد, حتي تتضح ملامح هذا الدور الاقليمي كي يتلاءم مع دولة مثل مصر بتاريخها وثقلها السياسي.
وبقيت العلاقة الأهم بين المواطن والسفارة, المرتبطة بجميع الخدمات التي يتم توفيرها للمصريين بالخارج, والتي تمثل أحد أهم العثرات أمام تلك العلاقة, وترتبط بعدة اشكاليات, أهمها أن المواطن المصري الذي يشكو من عدم استجابة السفارة لمطالبه, يكون في الأغلب قد لجأ اليها عقب تجاوزه للكثير من القواعد والقوانين بتلك الدولة, ثم يأتي للسفارة قد يطلب منها العون, وعلي الرغم من صعوبة هذا الأمر, إلا أن غالبية العاملين بها لا يتواني عن تقديم ما لديهم من امكانات وعلاقات شخصية بعواصم تلك الدول للعون قدر المستطاع.
بالاضافة الي معضلة تعامل العديد من المصريين مع السفارة وكأنها تمتلك جيوش جرارة وأساطيل وحسابات مفتوحة من الأموال, يمكن الإنفاق منها والدفاع عن المصريين بالخارج وإعادتهم الي ديارهم فورا, وخير دليل علي ذلك أزمة إجلاء رعايانا في ليبيا, والانتقادات الحادة التي انهالت علي الخارجية المصرية, وإدارتها لتلك الأزمة التي بالتأكيد تعدت قدرات وامكانيات الدولة, وخاصة خلال تلك الفترة العصيبة التي نحياها, ومن ثم لابد أن ندرك جيدا حجم إمكانيات السفارة الممكنة, وضخامة العمالة المصرية الموجودة علي الأراضي الليبية, والأهم من ذلك مدي تعاون السلطات الليبية مع السفارة لتنظيم عودة المصريين.
وفي سياق متصل, تأتي قضية الانتخابات في الخارج وتولي سفاراتنا عملية مشاركة المصريين فيها, والتي تحتاج الي توفير فريق عمل كبير يسافر الي جميع سفاراتنا وقنصلياتنا بالخارج, خاصة في ظل الاشراف القضائي علي الانتخابات, ولكن جميع الصعوبات أمام هذا الأمر يمكن تداركها متي تم اتخاذ قرار سيادي بالمضي قدما في العمل علي تطبيق هذا المطلب الشرعي والملح لإخواننا المصريين بالخارج.
إننا نحتاج الي ثورة حقيقية في التعامل بين المواطن وأجهزة الدولة, ولا يستثني من ذلك وزارة الخارجية, التي لم أكتب تلك الكلمات دفاعا عن العاملين بها, فجميع العاملين بها وبجميع مؤسسات الدولة لابد أن يدركوا معطيات المرحلة الجديدة, التي أصبح فيها الشعب هو صاحب السيادة الحقيقية وليس النظام.
فنحن علي أعتاب مرحلة تاريخية جديدة في هذا المضمار, نحتاج أن نستلهم جميعا خلالها روح اللجان الشعبية التي لمسناها وعشناها في أثناء ثورة هذا الشعب المجيد, تتسم بالتعاون بين الجانبين لصالح هذا الوطن الغالي, فالعاملون بالدولة يحتاجون الي اعادة صياغة علاقتهم بالمواطن, وأن تنتهي من حياتنا جميع صور التعالي والإهمال التي نسمع بها, وأن يدرك الجميع حجم هذا المواطن الذي وقف العالم أجمع له إجلالا وتقديرا لثورته وتاريخه الذي أعاد رسم معالمه بنفسه.
وعلي الجانب الآخر يحتاج هذا الشعب الكريم إلي أن يكون علي ذات المستوي الحضاري, وأن يبتعد عن تصيد الأخطاء لكل ما يتعلق بالدولة ومؤسساتها, فالجميع يحتاج الي روح جديدة تتسم بالمسئولية والإدراك الحقيقي لحقوق كل طرف, وبالعدالة والمساءلة للجميع ـ حاكم ومحكوم ـ وبعيدا عن تصفية الحسابات والانتقام, ودون التأثر بالرصيد السلبي لمؤسسات الدولة لدي ذاكرة المواطن المصري.