يوجد في قريتنا امرأة تدعي بأن روحها تسرح في المقابر ليلة كل خميس وجمعة أثناء منامها، وتقول: إنها تنظر موتى المسلمين وكل امرئ بما كسب رهين، ومع ذلك فإنها تنظر الرجل أو المرأة الذين كانوا يعيشون على ظاهر الأرض وانتقلوا إلى عالم الآخرة؛ فإن كان الرجل في الدنيا قاطعاً للصلاة أو آكلاً لأموال الناس بالباطل؛ فإن هذه المرأة تنظره وهو يعذب في الآخرة، والرجل الصالح في الدنيا تقول: إنه في الآخرة مع الصالحين، علماً أن هذه المرأة تزعم وتقول: إنها محملة أمانة من الموتى لأهلهم في الدنيا، أن يسددوا عنهم ديونهم أو السرقات؛ فإنهم يعذبون بها في قبورهم، وفعلاً فإن أهل الميت يقضون ديون موتاهم، وفي المرة الثانية تأتي هذه المرأة وقد خفف عنهم العذاب كما تزعم، سؤالي: أفتونا عن رأي هذه المرأة وغيرها من النساء اللائي يدعين هذه الأقاويل هل هو حق ما ذكر في سؤالي؟ أم أنه كذب وخرافات؟
هذا وأمثاله لا يعتمد عليه، ولا يجوز تصديقه ولا الاعتبار به من كل الوجوه، فإنها قد ترى بعض الرؤيا وتصدق في بعض الرؤيا، وقد ترى رؤيا غير صادقة وقد تكذب في رؤياها، وقد يخيل لها الشيطان أشياء لا صحة لها ولا وجود لها. فالحاصل أن هذه المرائي التي تدعيها يدعيها بعض الناس أو يدعيها بعض النساء كل ذلك لا يجب الاعتماد عليه، لا في قضاء الديون، ولا في السرقات، ولا في غير ذلك، ولكن إذا كانت امرأة صالحة قد ترى مرائي صالحة وتصدق فيها مثل ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين من النبوة). ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ذهبت النبوة وبقيت المبشرات). وهي رؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له. فالرؤيا الصالحة من الرجل الصالح لها شأن ولها قيمة، ولكن لا يعتمد عليها في تشريع أمور في إيجاب أمور أو تحريم أمور أو تكليف أهل بيت في كذا أو تحميلهم كذا أو ما أشبه ذلك، لا، لأن هذه المرأة قد تصدق وقد تكذب وقد يكون الرائي صالحاً وقد يكون غير صالح وقد يكون لبس عليه وقد تأتيه الشياطين فتخيل إليه أشياء يزعم أنه رآها في النوم. فالمقصود أن هذه المرائي وأشباهها لا يعول عليها، ولا يعتمد عليها في أن فلان يعذب أو فلان ينعم أو فلان عليه دين أو فلان ليس عليه دين أو ما أشبه، لا، ولكن أهل الميت ينبغي لهم أن يراعوا ميتهم كأن يعلمون عليه شيئاً من الديون أو من تركته أو من ماله إذا أعانهم الله على ذلك، وهذا عمل طيب، وإذا كان قد سرق سرقة من الناس يعرفونها أدوها عنه من ماله كان له مال، وإن كان ما له مال وأدوها عنه فجزاهم الله خيراً. المقصود أن أهل الميت يلاحظون ميتهم فإن كان عليه ديون أو حقوق للناس أدوها من تركته أو أدوها من ماله إن كان ما عنده تركة، واحتسبوا الأجر في ذلك، أو عنده مال ولم يسمح الورثة فإذا أدى عنه بعض أصحابه أو أحبابه احتياطاً فهذا حسن، وأما الاعتماد على هذه المرائي فلا يعتمد عليه.