قال النبي ?:
«صلُّوا كَمَا رَأيْتُمُونِي أُصَلّي»
[رواه البخاري]
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
أهمية الصلاة:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن على المرء أن يهتم بإقامة الصلاة، وأدائها على وجهها المطلوب شرعًا، لما لها من المكانة العظيمة، والمنزلة الكبيرة، مع إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، والتبرؤ مما يُعبد سوى الله كائنًا من كان، وأن يؤمن ويعتقد أنه سبحانه وتعالى هو المعبود بالحق، وما يعبد من دونه هو الباطل، كما قال عز وجل في سورة الحج: ?ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ? [الحج: 62].
فالتوحيد – المتمثل في تحقيق الشهادتين والعمل بهما – هو أصل دين الإسلام، وهو أول شيء يدخل به العبد في الدين.
ثم بعد هاتين الشهادتين؛ أمر الصلاة – وهي أول ما يحاسب عليها العبد يوم القيامة عن عباداته – من حفظها فقد حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ولأجل هذه الأهمية كان فضلها عظيمًا.
* فعن عثمان بن عفان ?، عن النبي ? أنه قال: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله»( ).
* وعن معدان بن أبي طلحة العمري، قال: «لقيت ثوبان مولى رسول الله ?، فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة – أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى الله – فسكت، ثم سألته، فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله ? فقال: «عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة»( ).
* وعن معاذ بن جبل ? قال: يا نبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: «لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم قرأ قوله تعالى: ?تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ?، حتى بلغ: ?يَعْمَلُونَ? [السجدة: 16، 17]، ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه»؟ فقلت: بلي يا رسول الله قال: «رأس الأمر وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد»( ).
* وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي ? أنه قال: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»( ).
* وفي حديث بريدة ? مرفوعًا: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»( ).
وقد أجمع أهل العلم على كفر من ترك الصلاة جاحدًا وجوبها؛ بل ذهب جمع من أهل العلم إلى أن من تركها تهاوننًا وإن لم يجحد وجوبها يكفر كفرًا أكبر، لما ذكرت من الأدلة السابقة إذا علم هذا فإنه يتبين مما سبق عظم أمر الصلاة في الإسلام، ولهذا اعتنى أهل العلم بذكر أحكامها، وحكمها، وفضائلها وأثرها على الفرد والمجتمع ( ).
أسباب كتابة البحث:
يدور هذا البحث حول صفة صلاة رسول الله ? وقد كتبت فيه للأسباب التالية:
1- لأهمية الصلاة ومكانتها في الدين.
2- لإهمال بعض الناس والاستخفاف بأدائها.
3- لأمره ? أن نتأسى في قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي»( ).
ولحديث أبي أيوب ?، قال: جاء رجل إلى النبي ? فقال: يا رسول الله علمني وأوجز، قال: «إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودِّع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه، واجمع اليأس عما في أيدي الناس»( ).
وفي رواية لابن عمر: «صل صلاة مودِّع، فإنك إن كنت لا تراه، فإنه يراك، وآيس مما في أيدي الناس تكن غنيًا، وإياك وما يعتذر منه»( ).
ولقوله ?: «ما من امرئ تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله»( ).
4- لتفسير كثير من العلماء قوله تعالى: ?وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ? [العنكبوت: 45]؛ بأنها الصلاة التامة التي تماثل صلاة الرسول ? ( ).
وقد حاولت في هذه الرسالة أن أجمع صفة صلاة رسول الله ? جامعة فيها بين سهولة العبارة ودليل كل مسألة غالبًا، على ما قرره أهل العلم دون التوسع في الخلافات الفقهية، وقد استعنت في كتابتي بمراجع كثيرة، ومن أهمها: صفة صلاة النبي ? للشيخ ابن عثيمين، وللشيخ الألباني رحمهما الله تعالى، وفي خاتمتها جمعت بعض ما يقوله المصلي من الأذكار الواردة في الصلاة؛ سائلة المولى سبحانه وتعالى أن يوفقني لما يحبه ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ولا يسعني هنا – بعد حمد الله عز وجل – إلا التقدم بالشكر الجزيل لكل من ساعدني وسعي في إخراج هذا العمل، أسأل الله العظيم أن يجزيهم عني خير الجزاء وأن يثيبهم على أعمالهم، إنه سميع مجيب، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
المؤلفة
فدوى بنت عبد الله بن عمير الخريجي
المدينة المنورة
9/1/1427هـ
ما يفعله المصلي
1- استقبال القبلة:
الدليل: أمر رسول الله ? للمسيء صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة، فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن»( ).
وفي رواية للبخاري: «إذا قمت إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن» ( ).
2- القيام للصلاة:
لقوله تعالى: ?وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ? [البقرة: 238].
ويستفتح الصلاة بقوله: «الله أكبر»، وأمر بذلك المسيء صلاته( ).
3- حال اليدين في القيام:
كان يرفع يديه مع التكبير تارة ( )، وبعد التكبير تارة ( )، وتارة قبله ( ).
انظر: صورة رقم (1-2)( ).
4- صفة رفع اليدين عند التكبير:
كان يرفعهما ممدودة الأصابع، لا يفرج بينهما ولا يضمها ( ).
* وكان يجعلهما حذو منكبيه ( )، وربما كان يرفعهما حتى يحاذي بهم أذنيه ( ).
انظر: صورة رقم (1-2).
5- موضع اليدين حال القيام:
أ- جاءت النصوص فيها بوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، وبالقبض: أما الوضع؛ فعن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي ? قال: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، قال أبو حازم: لا أعلمه إلا يَنْمي ذلك إلى النبي ?...»( ).
وعن وائل بن حجر ?: «أنه رأى النبي ? رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر...، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يديه اليمنى على اليسرى...»( ).
انظر صورة رقم (3).
أما القبض؛ فعن علقمة بن وائل عن أبيه قال: «رأيت رسول الله ? إذا كان قائمًا في الصلاة قبض بيمينه على شماله»( ).
انظر الصورة رقم (4).
ب- وضعهما على الصدر: كما في حديث وائل بن حجر وغيره ( ).
انظر صورة رقم (3-4).
6- موضع النظر في الصلاة:
أ- ورد في ذلك أحاديث تفيد ثبوت النظر إلى موضع السجود( ).
ب- وكان النبي ? ينهى عن رفع البصر إلى السماء، حتى قال: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم»، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: «لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم»( ).
وفي رواية جابر بن مسرة مرفوعًا: «لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم»( ).
ولأهل العلم مسائل عدة تتعلق بموضع النظر في الصلاة:
* فمنهم من قال: ينظر تلقاء وجهه إلا إذا كان جالسًا، فإنه يرمي ببصره إلى موضع إشارته بأصبعه، ومنهم من قال: ينظر إلى موضع سجوده، فهو أخشع لقلبه.
* وبعضهم فرق بين المنفرد والمأموم، فإن المنفرد له أن ينظر إلى إمامه حتى يتابعه.
* واستثنى بعض أهل العلم فيما إذا كان في صلاة الخوف، لأن الإنسان يحتاج إلى النظر يمينًا وشمالاً في حال الخوف.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هذا الاستثناء صحيح.
* واستثنى بعضهم المصلي في المسجد الحرام، فإن له أن ينظر إلى الكعبة، ولكن هذا الاستثناء ضعيف كما قال الشيخ ابن عثيمين، لأنه يشغل المصلي بالطائفين.
وخلص الشيخ في هذه المسألة إلى أن المصلي ينظر: إما تلقاء وجهه، وإما موضع سجوده في غير ما استثني، ولكن أيهما أرجح؟ الجواب: أن يختار ما هو أخشع لقلبه إلا في موضعين، فيما إذا جلس فإنه يرمي ببصره إلى موضع إشارته إلى إصبعه، وفي حال الخوف.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين أيضًا عن إغماض العينين في الصلاة لحصول الخشوع، فقال: لا، لأن الخشوع الذي يحصل لك يفعل المكروه هو من الشيطان، فهو كخشوع الصوفية في أذكارهم التي يتعبدون بها وهي بدعة، والشيطان قد يبعد عن قلبك إذا أغضمت عينيك، فلا توسوس من أجل أن يوقعك فيما هو مكروه، فنقول: افتح عينيك، وحاول أن تخشع في صلاتك ( ).
7- أدعية الاستفتاح:
كان النبي ? يستفتح القراءة بأدعية كثيرة متنوعة فيها ذكر لله تعالى وتمجيده، وتسبيحه، ودعاؤه، وغير ذلك، مما يجد القارئ جملة منها في آخر الرسالة.
8- القراءة:
أ- الاستعاذة:
كان النبي ? يستعيد بالله تعالى بعد دعاء الاستفتاح، فيقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه»( ).
وكان أحيانًا يزيد فيقول: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم...»( ).
ب- قراءة الفاتحة:
ثم يقرأ الفاتحة ويقطعها آية آية ( ).
وكان النبي ? يأمر بقراءة الفاتحة في الصلاة، وقد اختلف الفقهاء في حكم قراءة الفاتحة في الصلاة قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى هي ركن لا تصح الصلاة بدونها، لا في حق الإمام ولا في حق المأموم، ولا في حق المنفرد، لا في الصلاة الجهرية، ولا في الصلاة السرية، ففي حديث عبادة بن الصامت: «قرأ رسول الله ?، فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ، قال: «لعلكم تقرءون خلف إمامكم»، قلنا: نعم هذا يا رسول الله، قال: «لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها»( ).
ولا يعارض هذا حديث أبي هريرة: أن رسول الله ? انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: «هل قرأ معي أحد منكم آنفًا؟» فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: «إني أقول ما لي أنازع القرآن»، قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله ? فيما جهر فيه النبي ? بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله ?»( ).
فإن المراد: انتهوا عن قراءة ما سوى الفاتحة، وكانوا بالأول يقرؤون كالإمام، ويخالجون الإمام وينازعونه القراءة ( ).
ج- ثم يقرأ بعد الفاتحة ما تيسر له من القرآن.
9- عند إرادة الركوع:
ورد أن النبي ? إذا فرغ من القراءة سكت سكته ( )، ثم يرفع يديه على الأوجه المتقدمة في تكبيرة الإحرام ويكبر ويركع ( ).
10- صفة ركوع النبي ?:
كان النبي ? يضع كفيه على ركبتيه ( ).
بل كان يأمرهم بذلك ( ).
انظر صورة رقم (6).
وفي حديث المسيء صلاته يقول النبي ?: «إذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك، ثم فرج بين أصابعك، ثم امكث حتى يأخذ كل عضو مأخذه»( ).
وكان ? يجافي وينحي مرفقيه عن جنبيه ( ).
وكان إذا ركع بسط ظهره وسواه ( ).
وجوب الطمأنينة في الركوع:
ورد في حديث المسيء صلاته أن النبي ? قال له: «إذا قمت إلى الصلاة، فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا...»( ).
وأما أذكار الركوع فسأذكرها في آخر الرسالة بإذن الله تعالى.
11- الاعتدال من الركوع:
- ورد في حديث المسيء صلاته السابق قريبًا أن النبي ? قال له: «ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا».
وكان النبي ? يرفع صلبه من الركوع قائلاً: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد»( ).
ويرفع يديه عند الاعتدال من الركوع ( ).
انظر صورة رقم (1-2).
وقد روى رفع اليدين في المواطن الثلاثة السابقة نحو من ثلاثين نفسًا ( ).
وسأذكر في آخر الرسالة الأذكار المسنونة في هذا الموضع بإذن الله تعالى.
وضع اليدين بعد الرفع من الركوع:
توضع اليمنى على ذراع اليسرى لعموم حديث سهل بن سعد ولفظه: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي ?...»( ).
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله أن الإنسان يخير بين إرسالهما، وبين وضع اليد اليمنى على اليسرى، وكأن الإمام أحمد رحمه الله رأى ذلك؛ لأن ليس في السنة ما هو صريح في هذا فقال: الإنسان مخير، وهذا كما يقول بعض العلماء في مثل هذه المسألة الأمر في ذلك واسع، ولكن الذي يظهر أن السنة هو وضع اليد اليمنى على ذراع اليسرى لعموم هذا الحديث فإنك إذا نظرت لعموم هذا الحديث (في الصلاة) ولم يقل في القيام، تبين لك أن القيام بعد الركوع يشرع فيه الوضع، وفي حال الجلوس على الفخذين، وفي القيام، ويشمل ما قبل الركوع وما بعد الركوع يضع الإنسان يده اليمنى على ذراعه اليسرى، وهذا هو الصحيح ( ).
12- السجود:
أ- الخرور إلى السجود:
يكبر ويخر ساجدًا ( )، ولا يرفع يديه حين يسجد ( ).
ب- كيفية النزول على الركبتين:
وكان النبي ? يضع ركبتيه قبل يديه ثم يديه بعدهما ثم جبهته وأنفه، هذا هو الأرجح الذي رواه شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر: «رأيت النبي ? إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه! وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه»( ).
انظر صورة رقم (5) و(7).
ولم يروى في فعله ما يخالف ذلك ( ).
ج- صفة السجود:
كان النبي ? إذا أراد أن يسجد يكبر، ويجافي عضديه عن جنبيه عند السجود ( ).
وكان ? يقول: «إذا سجد العبد سجد معه سبعة أطراف: وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه»( ).
وكان ? يعتمد على كفيه ويبسطهما ( ).
ويضع أصابع كفيه ويوجهها قبل القبلة ( ).
كان النبي ? يجعل كفيه حذو منكبيه أحيانًا ( )، وأحيانًا حذو أذنيه ويسجد بين كفيه ( ).
وكان يمكن أنفه وجبهته من الأرض ( ).
ولا يفترش ذراعيه ( )، بل كان يرفعها عن الأرض ( )، ويباعدهما عن جنبيه حتى يبدو بياض إبطيه من ورائه، حتى لو أن بهيمة أرادت أن تمر بين يديه لمرَّت ( ).
انظر صورة رقم (8) ص 51.
كان النبي ? يأمر بإتمام الركوع والسجود ويقول: «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته»، قالوا: يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته؟ قال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها»( ).
وورد أنه يفرق ركبتيه ولا يضم بعضهما إلى بعض ( ).
وأما القدمان فإنه يضمهما مستقبلاً بأطراف أصابعه القبلة ( ).
انظر: صورة رقم (9).
13- الرفع من السجود والجلسة بين السجدتين:
ثم يرفع رأسه من السجود مكبِّرًا ( ) دون أن يرفع يديه حذو منكبيه ( ).
ثم يجلس مفترشًا رجله اليسرى، ويجلس عليها وينصب اليمنى( ).
ويكون حال اليدين كما هو التشهد الأول وسيأتي بإذن الله( ).
وكان من هدي النبي ? إطالة هذا الركن بقدر السجود فعن أنس ?: «كان رسول الله ? إذا قال: سمع الله لمن حمده، قام حتى نقول: قد أوهم ثم يسجد، ويقعد بين السجدتين، حتى نقول: قد أوهم»( ).
وسأذكر في آخر الرسالة ما ورد من الأدعية في هذا الموضع.
14- ثم يسجد الثانية كالأولى.
15- النهوض إلى الركعة التي تليها:
ثم يرفع مكبرًا ناهضًا على صدور قدميه معتمدًا على ركبتيه إن سهل ( ).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «وإن لم يسهل عليه فإنه يعتمد على الأرض، ويبدأ بالنهوض من السجود بالجبهة والأنف ثم اليدين فيضعهما على الركبتين، ثم ينهض على صدور القدمين، ثم قال: هذا هو السنة»( ).
هذا وقد ورد في الباب عن مالك بن الحويرث الليثي ?: «أنه رأى النبي ? يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدًا»( ).
ويصلي الركعة الثانية كذلك مثل الركعة الأولى ما عدا تكبيرة الإحرام، والاستفتاح، والتعوذ وتجديد النية.
16- التشهد الأول في الصلاة الرباعية أو الثلاثية والأخيرة في الصلاة الثنائية:
أ- الجلوس في التشهد: فإذا رفع رأسه مكبرًا جلس في الركعتين على رجله اليسرى، ونصب اليمنى ( ).
صفة وضع اليدين على الفخذين:
ب- كان ? يضع يديه على فخذيه، ويجعل مرفقه على فخذه، وطرف يده على ركبتيه، ويقبض ثنتين من أصابعه، ويحلق حلقه، ثم يرفع إصبعه يدعو بها لحديث وائل ? قال: لأنظر إلى رسول الله ? كيف يصلي؟
فنظرت إليه، فكبر، ورفع يديه... إلى أن قال: ثم قعد... ثم رفع إصبعه ورأيته يحركها ويدعو بها ( ).
انظر صورة رقم (14).
أو يجلي الجلسة السابقة أو يقبض الخنصر والبنصر ويضم إليها الإبهام ( ).
انظر صورة رقم (13).
وفي رواية ابن عمر مرفوعًا: «كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام، فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها»( ).
انظر: صورة رقم (11-12).
ج- صفة التشهد:
كان النبي ? يتشهد في هذه الجلسة ويعلم أصحابه أن يقولوا: «التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين – فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض – أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو»( ).
«وكان ? يخفف هذا التشهد جدًا حتى كأنه على الرصف وهي الحجارة المحماة ولم ينقل عنه أنه ? صلى عليه وعلى آله – في هذا التشهد ولا كان يستعيذ فيه من عذاب القبر وعذاب النار وفتنة المحيا والممات...»( ).
17- القيام إلى الركعة الثالثة ثم الرابعة:
ثم ينهض إلى الركعة الثالثة مكبرًا ( )، وأمر بذلك المسيء صلاته في قوله ?: «إذا قمت إلى الصلاة فكبِّر... ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها»( ).
وله أن يرفع يديه عن التكبير ( ).
18- ويصلي ما بقي من الصلاة كالركعة الثانية:
أي بدون تكبيرة الإحرام ولا استفتاح ولا تعوذ لا تجديد نية، وتمتاز هاتان الركعتان عن الأوليين: بأنه يقتصر فيهما على الفاتحة وأنه يسر فيهما بالقراءة ( ).
19- التشهد الأخير:
ثم كان ? بعد أن يتم الركعة الرابعة – والثالثة في المغرب – يجلس للتشهد الأخير، وكان يأمر فيه بما أمر فيه في التشهد الأول، إلا أنه كان يقعد فيه متوركًا ( ).
أ- صفة التورك:
* أن ينصب اليمنى ويجلس على مقعدته مخرجًا رجله اليسرى من ناحية اليمنى ( ).
انظر صورة رقم (16).
* أن يفرش اليمنى ويجلس على وركه اليسرى مخرجًا رجله اليسرى ناحية اليمنى ( ).
انظر صورة رقم (15).
* أن يفرش اليمنى ويجلس على وركه اليسرى مخرجًا رجله اليسرى من بين فخذه وساقه.
انظر صورة رقم (17).
ب- الصلاة على النبي ? في التشهد:
ويصلي على النبي ? في هذا الموضع ( ).
وكان النبي ? يعلم أن يستعاذ بعد ذلك فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال»( ).
والصواب بلا شك أن يدعو بعد التشهد بما شاء من خير الدنيا والآخرة، وأجمع ما يدعو في ذلك: ?رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ? [البقرة: 201]، فإن هذه جامعة لخير الدنيا والآخرة ( ).
وسيأتي ذكر بعض الأدعية في آخر الرسالة قريبًا:
20- التسليم:
ثم يسلم عن يمينه: «السلام عليكم ورحمة الله»، وعن يساره: «السلام عليكم ورحمة الله»( ).
انظر صورة رقم (18-19) ص52.
فصل الأدعية المتعلقة بالصلاة
1- أدعية الاستفتاح:
كان النبي ? يستفتح الصلاة بأدعية كثيرة متنوعة، وكان يقرأ تارةً بهذا وتارةً بهذا وكان يقول:
أ- «اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد»( ).
ب- «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وأهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئتها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، إنا بك وإليك، تبارك وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك...»( ).
إلى غير ذلك من الأذكار.
2- أذكار الركوع:
وكان النبي ? يقول في هذا الركن أنواعًا من الأذكار، والأدعية، يقول هذا تارة، وذاك تارة أخرى، فمما ثبت عنه أنه ? كان يقول:
أ- «سبحان ربي العظيم» (ثلاث مرات فأكثر)( ).
ومعلوم أن قولها مرة واحدة واجب، والسنة أن تكرر أكثر من مرة.
ب- «سبحان ربي العظيم وبحمده» (ثلاث مرات)( ).
ج- «سبوح قدوس رب الملائكة والروح»( ).
د- «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي».
وكان رسول الله ? يكثر أن يقوله في ركوعه وسجوده ( ).
هـ- «اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، أنت ربي خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي، وعصبي لله رب العالمين»( ).
إلى غيرها من الأذكار.
فائدة: هذه الأذكار والأدعية تقال بعد قول: «سبحان ربي العظيم» مرة واحدة، لأنها من واجبات الصلاة، لما رواه عقبة بن عامر ? قال: «لما نزلت ?فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ? [الواقعة: 74] قال رسول الله ?: «اجعلوها في ركوعكم»، فلما نزلت ?سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى? [الأعلى: 1] قال: «اجعلوها في سجودكم»( ).
3- دعاء الاعتدال من الركوع:
كان النبي ? إذا رفع رأسه من الركوع قال: «سمع الله لمن حمده»، وإذا استوى قائمًا قال: «ربنا لك الحمد»( ).
وربما قال: «ربنا ولك الحمد»( ).
وكان يقول أحيانًا: «اللهم ربنا لك الحمد»( )، وأحيانًا يقول: «اللهم ربنا ولك الحمد»( ).
وقد صح عن النبي ? أنه كان يقول: «ربنا لك الحمد، زيادة «حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه» ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد»( ).
4- أذكار السجود:
كان النبي ? يقول في هذا الركن أنواعًا من الأذكار والأدعية، يدعو تارة بهذا وتارة بهذا، ومن ذلك:
أ- «سبحان ربي الأعلى» (ثلاث مرات فأكثر)( ).
وهي من واجبات الصلاة كما تقدم التعليق عليه في أذكار الركوع.
ب- «سبحان ربي الأعلى وبحمده» (ثلاث مرات)( ).
ج- «سبوح قدوس رب الملائكة والروح»( ).
د- «اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجلَّه، وأوله وآخره، وعلانيته وسره»( ).
وكان النبي ? يقول: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء»( ).
5- الأذكار في الجلسة بين السجدتين:
من الأذكار التي كان النبي ? يقوله: «اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، واهدني، وارزقني».
وفي رواية: «ربِّ اغفر لي وارحمني، واجبرني، وعافني، واهدني، وارفعني».
وفي أخرى: «اللهم اغفر لي، وارحمني، واجبرني، واهدني، وارزقني»( ).
6- الأدعية بعد الفراغ من التشهد الأخير وقبل السلام:
كان النبي ? يقول: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شرِّ فتنة المسيح الدجال»( ).
ومن تلك الأدعية:
أ- «اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل»( ).
ب- «اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا»( ).
د- وعلم النبي ? أبا بكر أ، يقول: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم»( ).
هـ- «اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقاءك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين»( ).
التنبيه على مسألتين:
المسألة الأولى: هل يدعو الإنسان قبل السلام أو بعده؟
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «ندعو قبل السلام؛ لأن هذا الذي أرشدنا إليه النبي ?، ولأنك ما دمت في صلاة فإنك تناجي ربك وإذا سلمت انصرفت، وكونك تدعو في الحال التي تناجي فيها ربك خير من كونك تدعو بعد الانصراف».
وقال: «هذا ترجيح نظري، وأما ما يفعله بعض الناس من كونهم إذا سلموا دعوا بعد الفريضة أو بعد النافلة، فهذا لا أصل له، ولم يرد عن النبي ? إلا حين وضع كفَّار قريش سلا الناقة عليه، هو ساجد فإنه لما سلم رفع يديه يدعو عليهم»( ).
المسألة الثانية: هل تخالف المرأة الرجل في شيء من صفة الصلاة:
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «إن هذه علة لا يمكن أن تقاوم عموم النصوص الدالة أن المرأة كالرجل في الأحكام، لا سيما وقد قال النبي ?: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، فإن هذه الخطاب عام لجميع الرجال والنساء، والقول الراجح أن المرأة تصنعه كما يصنع الرجل فترفع يديها وتجافي، وتمد الظهر حال الركوع، وترفع بطنها عن الفخذين، والفخذين عن الساقين في حالة السجود»( ).
وكذلك قال الشيخ الألباني رحمه الله: «كل ما تقدم من صفة صلاته ? يستوي فيه الرجال، ولم يرد في السنة ما يقتضي استثناء النساء من بعض ذلك، بل إن العموم قوله ?: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
وذكر قول إبراهيم النخعي قال: «تفعل المرأة في الصلاة كما يفعل الرجل».
وروى البخاري في التاريخ الصغير (ص95) بسند صحيح عن أم الدرداء: «إنها كانت تجلس في صلاتها جلسة الرجل كانت فقيهة».
وقال رحمه الله: «وحديث انضمام المرأة في السجود وأنها ليست في ذلك كالرجل، مرسل لا يصح».
رواه أبو داود في المراسيل عن يزيد بن أبي حبيب.
وأما ما رواه الإمام أحمد في مسائل ابنه عبد الله (ص71) عن ابن عمر: «أنه كان يأمر نسائه يتربعن في الصلاة»، فلا يصح إسناده؛ لأن فيه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف»( ).
الله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فهرس المحتويات
المقدمة 6
ما يفعله المصلي 11
1- استقبال القبلة: 11
2- القيام للصلاة: 11
3- حال اليدين في القيام: 11
4- صفة رفع اليدين عند التكبير: 12
5- موضع اليدين حال القيام: 12
6- موضع النظر في الصلاة: 14
7- أدعية الاستفتاح: 16
8- القراءة: 16
9- عند إرادة الركوع: 18
10- صفة ركوع النبي ?: 18
11- الاعتدال من الركوع: 19
12- السجود: 21
13- الرفع من السجود والجلسة بين السجدتين: 25
14- ثم يسجد الثانية كالأولى. 26
15- النهوض إلى الركعة التي تليها: 26
16- التشهد الأول في الصلاة الرباعية أو الثلاثية والأخيرة في الصلاة الثنائية: 27
17- القيام إلى الركعة الثالثة ثم الرابعة: 29
18- ويصلي ما بقي من الصلاة كالركعة الثانية: 30
19- التشهد الأخير: 30
20- التسليم: 32
فصل الأدعية المتعلقة بالصلاة 33
1- أدعية الاستفاح: 33
2- أذكار الركوع: 34
3- دعاء الاعتدال من الركوع: 35
4- أذكار السجود: 36
5- الأذكار في الجلسة بين السجدتين: 37
6- الأدعية بعد الفراغ من التشهد الأخير وقبل السلام: 37
فهرس المحتويات 44