نريد أن نتفق على أن الاعتداء على كرامة أي مواطن في مصر إهانة لكل المصريين، وطعنة موجهة إلى قلب الثورة، التي ما قامت إلا لترد للشعب المصري كرامته المستباحة.
وأذهب في هذا الصدد إلى أن تلك الكرامة ينبغي أن تظل الخط الأحمر الثابت الذي لا يسمح لأحد كائنا من كان أن يمسه، وأن أي مساس بذلك الخط ينبغي ألا يمر دون حساب رادع.
ما دفعني إلى البوح بذلك الكلام أن شعورا بالغضب والمهانة ينتابني منذ قرأت شهادة أوردها أحد المدونين على الإنترنت (طالب جامعي اسمه مصعب الشامي) يوم 23 مايو الحالي، وكان صاحبنا هذا أحد الذين تظاهروا أمام مبنى السفارة الإسرائيلية في ذكرى النكبة.
وبسبب من ذلك اعتقلته الشرطة العسكرية لعدة أيام. وفي شهادته ذكر مصعب أن أحد ضباط الجيش، وهو يعتقله وصفه بأنه ابن «عاهرة»، فما كان منه إلا أن طلب منه أن يترك أمه في حالها ويخرجها من الموضوع، وحينئذ ركله الضابط في وجهه وأسكته.
منذ قرأت هذا الكلام وأنا أعتبر الركلة أصابت وجهي، والعبارة تتردد في أذني. إذ ذكرني تصرف الضابط بسلوك عناصر أمن الدولة قبل 25 يناير. وقلت إن هذا الرجل لم ينتبه إلى أن الدنيا تغيرت. وأن تصرفه يعنى أنه لم يدرك مغزى أن تكون في البلد ثورة يفترض أن تكون على قطيعة مع ذلك السلوك، بحيث لا يجرؤ ضابط مهما علت رتبته، وأيا كانت الجهة التي ينتمي إليها على أن يتعامل مع أي مواطن مهما صغر شأنه بهذا الأسلوب الجارح.
إذا قيل إن تلك حالة فردية واستثنائية وأن المؤسسة التي ينتمي إليها الرجل، تستنكر التصرف وتستهجنه، فردي أنني قد لا أشك في ذلك، وسوف أصدق الكلام في حالة واحدة هي أن يعلن ذلك الرأي على الملأ وأن يحاسب الضابط على ما فعله.
وإذا قيل إن الثورة لم يمض على نجاحها سوى أشهر قليلة، وأننا لا نستطيع في ذلك الأجل المحدود أن نطالب كل ضابط شرطة أو جيش بأن يعبر عن احترامه ويحسن من لغة مخاطبته للمواطنين، فردي أن هذا مفهوم ولكننا لن نصل إلى تحقيق ذلك الهدف إلا إذا سارعنا إلى محاسبة كل من يثبت أنه اعتدى على كرامة المواطنين، لأن ذلك وحده كفيلا بتحذير الآخرين وردعهم.
وإذا قيل إننا تقدمنا خطوة إلى الأمام حين تم إيقاف التعذيب في السجون والمعتقلات، فردي أن ذلك إذا صح فهو خطوة مقدرة لا ريب يشكر كل من أسهم فيها، ولكنني أذكر بأن الإهانة والإذلال تعذيب نفسي، وأننا لا نسعى إلى تخفيف صور إذلال المصريين وإهدار كرامتهم، وإنما مطلبنا الحقيقي هو طي تلك الصفحة تماما. ووقف كل صور الإذلال والإهانة.
قد يقال أيضا إن الواقعة نسبت إلى ضابط في الجيش وأن ما يتعلق بالمؤسسة العسكرية يعد خطا أحمر، وأن تعليمات إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة تقضي بالامتناع عن نشر أي مواد تتعلق بتلك المؤسسة إلا بعد إطلاعها عليها والموافقة على نشرها.
وردى على ذلك أنه من حيث المبدأ فإن زمن الخطوط الحمراء انتهى، بمعنى أنه لا ينبغي بعد الثورة أن يكون أي أحد أو أي مؤسسة فوق النقد والمساءلة.
وتعليمات الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة على العين والرأس، لكنها تحتاج إلى ضبط ومناقشة. ذلك أنني أفهم أن ينصرف ذلك الحظر إلى الشأن العسكري بالدرجة الأولى. أي إلى كل ما يتعلق بأنشطة المؤسسة العسكرية المتعلقة بأمن البلد وسياسة الدفاع أو أي عمل عسكري من أي نوع.
ولا أظن أن اعتداء الشرطة العسكرية على المتظاهرين أو إذلالهم بعد اعتقالهم يعد شأنا عسكريا. وبدلا من أن تحظر الشؤون المعنوية نشر أخبار الانتهاكات التي تقوم بها الشرطة العسكرية، فأولى بها والمتوقع منها بعد الثورة أن تمنع وقوع أمثال تلك الانتهاكات من الأساس، وأن تحاسب المسؤولين عنها. فتحمى بذلك المواطنين ولا تتستر على الفاعلين.
من ناحية ثانية، فثمة مفارقة في هذه الجزئية خلاصتها أنه في حين امتثلت الصحف لقرار حظر نشر أخبار تلك الانتهاكات التي ترصدها المنظمات الحقوقية المصرية، فإن قيادة القوات المسلحة دأبت على إذاعة ردود وتعليقات على تقارير تلك المنظمات، ولأهمية مصدرها فإن الصحف: تحتفي بتلك الردود وتبرزها، في حين أن القارئ العادى لا يتاح له أن يطلع على مضمون التقارير موضوع الرد. كأنما أريد للقارئ أن يطلع على مرافعة في قضية لم يسمع بها أصلا!
إننئ أرجو ألا يشك أحد في احترامنا للقوات المسلحة وكل ما هو منسوب إليها، لكننا نرجو منها أيضا أن تبادلنا نفس القدر من الاحترام.
...............................