كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مَن يدير الأهرام الآن؟
هذا السؤال يطرح نفسه في ظل خروج الأهرام السافر عن خط الدولة، وهي التي كانت موصوفة بأنها شديدة القرب منها.
فالدولة في ظل الوضع الانتقالي عينت لجنة لتعديل الدستور توشك ان تنتهي مِن عملها، وقد قصرت عملها على المواد التي تطرق كلام المتظاهرين عليها، وهي المواد التي تنظم مواصفات الترشيح لرئاسة الجمهورية، ومدة حكمه ونحوها.
"الأهرام" الذي دافع عن الدولة مع اختلاف توجهاتها حتى في ظل انتشار الفساد المالي والإداري إلى الدرجة التي أصبح فيها "أحمد عز" محللاً سياسيًا يكتب المقالات في الاهرام يتغنى باستراتيجيته الفذة في إدارة الانتخابات في مقابل فشل الآخرين مما كان يعني مزيدًا مِن صب الزيت على النار!
"الأهرام" الذي اكتشف كُتابه فجأة حجم الفساد وراحوا يلاحقونه بكتاباتهم ما زالوا ينفذون أجندات فئوية لم تتبناها الدولة في مرحلتها الانتقالية، والأخطر مِن هذا أن الثورة التي صار الأهرام متبنيًا لمشروعيتها لم تتبنها، ومع ذلك يتبناها الأهرام الإلكتروني.
أعني بذلك تلك المحاولة التي قام بها "الأهرام الإلكتروني" لهز القبول العام الذي تتمتع به "المادة الثانية مِن الدستور" الخاصة بمرجعية الشريعة الإسلامية.
ولا يعتذر أحد بأنه مجرد استفتاء اذ لا أتصور أن تقوم الأهرام في هذا التوقيت بطرح استفتاء على المادة الأولى التي تتحدث عن اسم الجمهورية وعن نظامها الأساسي، وعن انتمائها للأمة العربية، وعن "المواطنة" التي أضيفت عمدًا في استفتاء قاطعه الجميع لاعتراضهم على تعديل المادة 76 و77، والكل يعلم أنه مرر بالتزوير الفاضح.
المتظاهرون وإن اتفقوا فيما بينهم على عدم رفع شعارات سوى أن الشعب يريد إسقاط النظام إلا أنه باتفاق الجميع كان منهم "الإخوان المسلمون"، وشعارهم معروف: "القرآن دستورنا"، وكان منهم عدد كبير مِن الطيف السلفي، وشعارهم: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) (يوسف:40)، وكان منهم جمع كبير ممن لا ينتمون إلى الأحزاب الليبرالية، وهؤلاء باعتراف الجميع يؤيدون الإسلاميين في أي انتخابات نزيهة أيًا ما كان نوعها: نقابية أو برلمانية حتى إن العالمانيين تشددوا في منع الشعارات الدينية في الانتخابات حتى لا تؤثـِّر على مشاعر العامة -كما يقولون-؛ فما بالنا إذا كان الكلام على مرجعية الإسلام نفسه، وليس الإسلاميين؟!
ولم يبق إلا بعض النصارى "وأقول بعض"؛ لأن حملة جمع التوقيعات على بقاء المادة الثانية مِن الدستور التي أعلنت عنها الدعوة السلفية قد شارك فيها بعض النصارى، وهي عندنا بتوقيع كتابي خطي مشفوع بالرقم القومي لمَن أراد؛ ولأن الكنيسة استجارت بالمادة الثانية في الاحتماء مِن فرض قانون مخالف لمذهبها عليه.
وبعض الليبراليين وقد رأينا رموزهم في مظاهرات "جمعة الغضب" وهم بلا أتباع تقريبًا!
إذن "فالثورة لم تطرح المادة الثانية مِن الدستور للنقاش"، والطيف المكون للثورة في مجموعه مؤيد لها، والدولة في مرحلتها الانتقالية أعلنت أنها سوف تعدل الدستور القائم تاركة المجال مفتوحًا بعد ذلك للمرحلة القادمة.
ثم إن الدستور ليس خاصًا بالثوار، بل هو تعبير عن إرادة الأمة، ولا أظن أن هناك شيء تجمع عليه الأمة أكثر مِن مرجعية الشريعة.
فلماذا إذن طرح استفتاء على موقع الأهرام الإلكتروني حول مادة الشريعة الإسلامية؟ ولماذا يتم تكتل تصويتي ضدها بعد الساعة الثانية بعد منتصف الليل "أي في وقت الذورة في بلاد المهجر" حيث تراجعت نسبة المؤيدين مِن 87% إلى 50% قبل أن تعاود التصاعد حتى وصلت 75% لتغلق الصفحة، ويوضع استفتاء آخر!
"هل مصر في حاجة لدستور جديد"؟!
بالإضافة إلى ما انتشر من أفلام فيديو على موقع "يوتيوب" تثبت التلاعب الواضح في نتائج الاستفتاء، وفضلاً عن السماح لصاحب صوت واحد بتكرار صوته مرات بحيلة إلكترونية بسيطة اكتشفها الإخوة وجربوها لا للتزوير، ولكن لكشف التزوير في هذا الاستطلاع للرأي، فالنسبة التي استقر عليها الاستطلاع، وهي أن أكثر من 76% -أي: أكثر من ثلاثة أرباع المشاركين- تؤيد بقاء مادة الشريعة الإسلامية، رغم أنها كافية في إبقائها لو تم استفتاء شعبي إلا أننا على يقين أنها نسبة أقل بكثير مِن الحقيقة.
ونحن لا ندري سر إصرار الليبراليين على تغيير الدستور مع أن كل مشاكل الناس كانت تنفيذية، وليست تشريعية؟!
هل يرون أن إلغاء الدستور بأكمله هو أقصر طريق لإلغاء مادة الشريعة؟!
نقول لهم: لن يمر -بإذن الله- أي دستور على استفتاء شعبي وإن نص على أن يُمنح كل مواطن كل يوم جبلاً مِن ذهب إلا إذا تضمن هذه المادة.
وأما عمل دستور بدون مروره على مرحلة الاستفتاء الشعبي فمعناه انهيار منظومة المجتمع، وافتقاد السلطة التي تقدم على ذلك لأي مشروعية.
وبالتالي فنحن ننصحهم أن يعدِّلوا الدستور الحالي ويعيدوا الموازنة بيْن صلاحيات الرئيس وصلاحيات باقي أعضاء السلطة التنفيذية، ويكتفوا بهذا بدلاً مِن إشعال الحرائق بلا مبرر.
ونقول لمن تلاعب في نتائج هذا الاستطلاع: أما زلتم تعيشون بنفس أسلوب الماضي الذي بالقطع قد تغير.. ؟!
كفاكم تلاعبًا بإرادة الناس.. !
وكفاكم تضليلاً للشعب.. !
اتقوا الله في مصر.. واتقوا الله في أهلها إن لم تتقوا الله في دينكم.. إن كان عندكم منه بقية.. !