الكاتب : بدر بن محمد بن عبد العزيز المحمود
لتحميل الكتاب [URL=http://hotfile.com/dl/120638797/9e5ea7c/____.doc.html]http://hotfile.com/dl/120638797/9e5ea7c/____.doc.html[/URL]
او http://www.mediafire.com/?527wmgwxgx5gge4
تمهيد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وخير البشر الغافرين، وأكثر الناس حلماً وإعراضاً عن الجاهلين. وأظهرهم صبراً على أذى السفهاء الغاشمين وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد :
فإنه لا يخفي على كل عاقل بصير مدرك للأمور حوله فشو وانتشار الشحناء والبغضاء بين المسلمين الذين سماهم الله إخوة، والإخوة يتحابون ويتوافقون ويأتلفون ولا يتباغضون أو يتهاجرون بأدنى مسبب وأتفه سبب فترى منه فشو العداوات واستطراد الفجوات عند أدنى الإساءات.
وترى انعدام واضمحلال جانب العفو عند وقوع الإساءة والحلم عن السفاهة والكظم قدر الاستطاعة وما ذاك إلا للجهالة ولكن الأكثر كان عما شُحن في القلب من قساوة، وما هو والله بصلابة، كما قد يخطأ البعض اعتقاده، وإنه مما يتحسر له المؤمن ألماً ويتفطر له الكبد كمداً وتدمى له القلوب حرقة وأسفاً حينما نجد أو نسمع مقالة بأن أخا الإسلام يهجر أخا زمالة بسبب اعتقادٍ أبعد في صوابه ، تجد الكثير من المسلمين اليوم من يهجر أخاه أياماً عديدة وأزمنة مديدة ، والله جل وعلا قد امتن على عباده بالمودة والإلفة والإخاء فقال تعالى: }وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا{ ([1])وقال تعالى: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ{([2])والنبي rيقول: «المسلم أخو المسلم..»([3])، ولكن صدق الشاعر إذ يقول:
والجهل ذو عرض لا يستراد له
والحلم آونة في الناس معدوم([4])
وإن مما يمنع الكثير من الناس عن العفو والحلم وكف الغضب هو أنه يعتقد أن في سكوته ذلاً وإهانةً لنفسه، وأن ذلك يستبين ضعفه، وهذا كله من تسويل الشيطان الرجيم، فأقول مستعيناً بالرحمن الرحيم، اعلم أخي الحبيب أنك بعفوك ومغفرتك لزلل غيرك وكظم غيظك تزيد لنفسك الرفعة في دنياك وآخرتك، وتزيدها متانة وصلابة وقوة فإن الشديد ليس بالصرعة، لكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
وبلا ريب أخي الحبيب أن هذين الخلقين يحبهما الله ورسوله «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة»([5]).
ألا تحب أخي أن يغفر الله ذنبك ويمحو خطأك }وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ{([6])أسأل الله أن يكون ذلك بلسان حالنا ومقالنا وتذكر أخي قوله تعالى واصفاً عباده المتقين }وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{([7])وقوله تعالى: }وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{([8])وغيرها من الآيات كثير.
وإني لأعفو عن ذنوبٍ كثيرةٍ
وفي دونها قطع الحبيب المواصل
وأحلم عن ذي الذنب حتى كأنني
جهلت الذي يأتي ولست بجاهل([9])
والكيس العاقل هو الفطن المتغافل، كما قال الشافعي ـ رحمه الله ـ : واعلم أخي الحبيب أن كل إنسان كائن من كان معرض للأذية من غيره إما بالفعل أو بالقول كائناً من كان، فإذا كان خير البشرية وسيد البرية قد أوذي بكلا الأمرين فكيف بمن دونه وقد قيل:
ولا ترج شيئاً خالصاً نفعه
فالغيث لا يخلو من الغثاء([10])
ومن المعلوم أن من حقوق الإخوة فيما بينهم مغفرة زلة الأخ، وقبول عذره، يقول ابن مفلح رحمه الله:
((ومما للمسلم على المسلم أن يستر عورته، ويغفر زلته، ويرحم عبرته، ويقيل عثرته، ويقبل معذرته..))([11]).
هذا مما للمسلم على المسلم فكيف مما للأخ على أخيه .
ويقول الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله: ((العفو من باب الندب وإن للإنسان أن يأخذ حقه إن رأى المصلحة في ذلك)).أ.هـ([12]).
المؤلف
شهر شعبان 1420هـ
([1]) سورة آل عمران الآية رقم (103) .
([2]) سورة الحجرات الآية رقم (10) .
([3]) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب الجمعة باب الطيب للجمعة برقم (2442)(6/227) ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره وذمه وعرضه وماله برقم (6706)(8/10).
([4]) هذا البيت لعلقمة بن عبدة الفحل؛ انظر: ديوانه (1/8)، وخزانة الأدب (11/317) ، والمفضليات (401) البيت رقم (36).
([5]) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله وشرائع الدين والدعاء إليه برقم(126)(1/36).
([6])سورة النور الآية رقم (22) .
([7])سورة آل عمران الآية رقم (134).
([8])سورة الشورى الآية رقم (43) .
([9])الآداب الشرعية (1/ 311)، وغذاء الألباب شرح منظومة الآداب (1/ 205).
([10])الآداب الشرعية (1/ 311).
([11]) الآداب الشرعية (1/305).
([12]) من فوائده وتعليقاته على رياض الصالحين مشافهة.