اهتم الإسلام بطهارة الباطن اهتمامه بالظاهر لأن الله سبحانه يحب من عبده أن تكون صورتاه واحدة ليعيش هاديء النفس قرير العين مستريح الضمير قوي الايمان لأن مرض القلب نقص فيه وفساد في العقيدة واعتراض علي ما شاءه الله في ملكوته.
والحسد وهو تمني زوال نعمة الغير داء قديم ابتلي به المخلوق منذ نشأته. فأول ذنب كان في السماء مرده الحقد والحسد والمرض العليل فالله سبحانه خلق آدم من صلصال من حمأ مسنون ثم سواه ونفخ فيه من روحه ثم أمر ملائكته بالسجود له تكريما فامتثلوا أمر ربهم فهم عباده المكرمون له لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون إلا ابليس قد علاه الحقد وتملك منه داء الحسد فخالف أمر ربه مدعيا انه أذكي من آدم عنصرا وأنقي منه جوهرا لأنه خلق من نار وآدم خلق من طين.
ولقي جزاء ربه فأخرجه من جنته وأنزل عليه لعنته يصور القرآن ذلك في سورة الحجر "وإذ قال ربك للملائكة اني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعواله ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون
إلا ابليس أبي أن يكون مع الساجدين".
وفي سورة "ص":"فسجد الملائكةكلهم أجمعون إلاابليس استكبروكان من الكافرين قال يا ابليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فأخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلي يوم الدين".
وكذلك كان الحسد أول ذنب عصي به في الأرض فقد أوحي الله إلي آدم أن يزوج قابيل توأم هابيل وأن يزوج هابيل توأم قابيل وكانت علي حظ وافر من الجمال الخلقة الأمر الذي أثار عوامل الحقد في نفس قابيل ولم تشفع الاخوة ولحمةالدم أمام هذه الريح الهوجاءالصادرة من قلب مليء غيظا وحسدا وحيال هذا الابتلاء رأي آدم عليه السلام أن يقدم كل منهما قربانا فقدم هابيل جملا من أنعامه وقدم قابيل قمحا من زراعته فأيهم اتقبل قربانه كان أحق بما
اشتهت نفسه ورغبت.
وكان هابيل موفور الحظ فتقبل قربانه لطهارة قلبه ونقاء سريرته وصلته بربه وطاعته لوالديه ومع هذا لقي ربه صريع الحقد والحسد بيد قابيل الذي تنكب الطريق وضل سواء السبيل وخالف هدي ربه وانفلت من عقله زمام هواه يصور القرآن هذه القصة بقوله "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهم ولم يتقبل من الآخر قال لاقتلنك قال انما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك اني أخاف الله رب العالمين إني أريدأن تبوء بإثمي واثمك فتكون من اصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين".
ويوسف الصديق عليه السلام الذي أفاض الله عليه الكثير من نعمه ومن أفضال الله عليه ان رأي أحد عشر كوكبا يسجدون له بالإضافة إلي سجود الشمس والقمر ولما قص هذه الرؤيا التي استبشر بها علي ابيه سر خاطره وتوسم في ولده الخيرووجهه أن يكون مارأي سرابينه وبين أبيه خشيةأن يعلم اخوته فيكيدوا له كيدا ولأمر ماأحس اخوة يوسف وشعروا بأنه حل في سويداء قلب ابيه فنبتت في صدورهم آكلة الأكبادوبيتوا له أمرا وبعد اجتماع باركه الشيطان أجمعوا علي أن يلقوا يوسف في غيابت الجب وهو الغلام البريء الذي لم يرتكب ذنبا ولم يهتك عرضا وما سرق متاعا ولا استباح فحشاوماأراق دماإنما كان ابتلاؤه نتيجة مرض قلوب اخوته وماكانوا يحسون به نحوه من حسد أشعل كوامن الأحزان والهموم في نفوسهم لهذا الفساد القلبي نري القرآن المجيد يقص عن أبي الأنبياء ابراهيم عليه السلام الذي ولد ببابل - بين دجلة والفرات - وانه دعا إلي الله الذي له في كل شيء آية تدل علي أنه الواحد ولما عاد حبل الرجاء باليا ويئس من ايمانهم حيث لم يهتد لدعوته إلا القلة القليلة من قومه ومنهم ابن أخيه لوط وبعد هذه الجولات يتوجه إلي الله قائلاً "رب هب لي حكما والحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لأبي انه كان من الضالين ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم" فهو يضع النقط علي الحروف ويرسم المعالم بأن طريق النجاة يوم الفزع الأكبر هو بقدر ما تحمل بين جنبيك من قلب نقي طاهر.
وإذا ما ذكر القرآن المجيد الكثير من سوء المنقلب للذين أرداهم حسدهم وخبث طويتهم فان رسول الله وهوالمثل الأعلي لصفاءالنفس وطهارة القلب ونقاء السريرة نراه يواجه علاج فساد القلوب لتتطهر وتغسل عنها أوساخ ادرانها وفي هذا يروي أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوسا مع رسول الله فقال يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار ينظف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال فلما كان الغد قال رسول الله مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولي فلما كان اليوم الثالث قال الرسول مثل ما قاله فطلع ذلك الرجل مثل حاله الأول فلما قام رسول الله تنبه عبدالله بن عمرو فقال أني لا حيت أبي فأقسمت إلا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتي تمضي قال نعم قال أنس فكان عبدالله يحدث انه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئا غير انه إذا تعار تقلب علي فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتي صلاة الفجر قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت الثلاث وكدت أن احتقر عمله قلت يا عبدالله لم يكن بيني وبين ابي غضب ولا هجرة ولكني سمعت رسول الله يقول رجل من أهل الجنة فطلعت أنت ثلاث مرات يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرات فأردت أن أوي اليك فأنظر عملك فأقتدي بك فلم أرك عملت كبير عمل فما بلغ بك ما قال رسول الله قال ما هو إلا ما رأيت فلما وليت دعاني فقال ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحداً علي خير أعطاه الله إياه فقال عبدالله هذه التي بلغت بك.
هذه المنزلة الرفيعة التي يبشر بها رسول الله ذلك الصحابي الذي تفيأ ظلال حلاوة الإيمان لانه لم يحسد أحداً علي عطاء الله له لأنه المعطي والمقسم لحكمة يعلمها فلا اعتراض علي قسمه ولا معقب لحكمه بهذا كان قرير العين سعيدا في دنياه مطمئنا إلي آخراه.
وحسب الحسد سوء منقلب أنه يعود علي صاحبه بالوباء والخسران ويلقي ربه وكله أوزار وأثقال يوضح ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه عليه "الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار والصيام جنة من النار".
ولقد بريء رسول الله من الحاسد والنمام والكاهن واخرجهم عن حوزة المسلمين وذلك فيما يروي عنه "ليس مني ذو حسد ولا نميمة ولا كهانه ولا أنا منه" ثم تلا رسول الله قول الله تعالي "الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا".
والحق ان الحسود لا يسودوهو في حياته سابح الفكر جريح الفؤاد سقيم القلب لا يهدأ له بال ولا يستريح له خاطر فهو في حياته معذب وفي أخراه خاسر ذلك هو الخسران المبين.