الدعوة إلى الله ترتكز في تبليغها للناس على وسيلة اتصال ، سواء أكانت مسموعة أم مكتوبة أم مرئية ، وكلما كانت الوسيلة ذات فاعلية من حيث الشمول والاتساع ، والسرعة والوصول ؛ كانت أنجح وأنفع في الحصول على غايات الدعوة إلى الله ، وتحقيق أهدافها ، فالشبكة العنكبوتية العالمية ( الإنترنت ) تعتبر من أهم وسائل الدعوة إلى الله ووسائطها في عالمنا الحاضر ؛ لما لها من سعة الانتشار ، وسرعة الاتصال وقلة التكاليف الاقتصادية ... وهذا المقال هو مساهمة في تسليط الضوء على هذه الجوانب .
الدعوة إلى الله .. فضلها وأهميتها :
كلمة الدعوة من الألفاظ المشتركة التي تطلق على الإسلام والرسالة ، وعلى عملية نشره وتبليغه وبيانه للناس .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( الدعوة إلى الله : هي الدعوة إلى الإيمان به ، وبما جاءت به رسله بتصديقهم فيما أخبروا به ، وطاعتهم فيما أمروا به ، وذلك يتضمن الدعوة إلى الشهادتين ، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ، والدعوة إلى الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره والدعوة إلى أن يعبد ربه كأنه يراه .
والدعوة إلى الله بمعنى ( نشر الإسلام وتبليغه ) صارت علمًا مستقلاً ، له موضوعه ، وخصائصه ، وأهدافه وأساليبه ووسائله ، وهو بذلك يواكب سائر العلوم الإسلامية ، يفيدها ويفيد منها ، ويشاركها في إفادة الإسلام برسم طريق منهجي يكفل له الانتشار والذيوع .
وفضل الدعوة عظيم ، وأثرها جزيل ، إنها من القربات ، ومن أفضل الطاعات ، وإن أهلها في غاية من الشرف وفي أرفع مكانة : قال تعالى : ] وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ [ ( فصلت : 33 ) .
أهمية الدعوة إلى الله :
تبرز أهمية الدعوة إلى الله بأنها وظيفة تولاها الله سبحانه بنفسه فهو الذي يدعو عباده إلى طاعته وتقواه التي هي طريق الجنة وينهاهم عن معصيته التي هي طريق النار قال تعالى : ] وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [ ( يونس : 25 ) .
وقام بهذه الوظيفة الأنبياء والمرسلون الذين هم خيار الخلق وأشرف العباد ، وكذلك جعلها الله من أسباب تفضيل هذه الأمة قال تعالى : ] كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ[ (آل عمران : 110) .
ركائز الدعوة إلى الله عبر الإنترنت :
بعد النظر إلى واقع الدعوة إلى الله عبر الإنترنت نجده في كثير منه واقعًا يتصف بالعشوائية في الطرح ، والاضطرابية في المنهج ، والخلل في المصدر ، كما أنه يفتقد أصول الحوار والتعامل مع المخالف ، قد يأتي غالبًا بنتائج عكسية ، تقضي على آمال الدعوة والدعاة ، ولهذا أرى أنه ينبغي أن تُراعى في الدعوة إلى الله عبر الإنترنت تحقيق مجموعة من الركائز منها :
1- المصدرية الأصلية :
يجب أن يكون مصدر الدعوة إلى الله أصيلاً وقطعيًّا في الثبوت وصحيحًا في الدلالة والفهم ، من الكتاب وصحيح السنة والإجماع المعتبر والقياس الصحيح ، وألا تكون المصدرية ناشئة عن تصورات عقلية فاسدة ، أو أهواء منحرفة ، أو سلوك مُعْوَجّ .
2- المنهجية القويمة :
لا بد أن يكون منهج الدعوة إلى الله منهجًا صحيحًا يبتغي الحق ، ويبطل الباطل ، ولا يتحقق ذلك إلا بسلوك منهج أهل السنة والجماعة في العقائد والأخلاق واجتناب منهج أهل البدع والأهواء .
3- المرجعية الراسخة :
يجب أن يصدر في الدعوة إلى الله عن العلماء وأهل العلم الذين هم ورثة الأنبياء ، والأمناء على أديان الناس وعباداتهم ، الراسخين في العلم والعمل به ، وألا يوكل ذلك إلى المتعالمين ومن ليس أهلاً في الإفتاء والتعليم والدعوة إلى الله .
4- الاتصاف بأخلاق الدعاة :
ينبغي للداعية عبر الإنترنت أن يتصف بأخلاق الدعاة إلى الله من سلوك الحكمة في المدعوين ، ولين الجانب معهم ، والصبر على المخالف وتجريد المقصد من حظوظ الدنيا وشهوات النفس .
مسوغات الدعوة إلى الله عبر الإنترنت :
لقد اشتملت شبكة الإنترنت على عدة مسوغات تجعله أرضًا خصبة للاستثمار الدعوي ومن هذه المسوغات :
أولاً : جاذبية الإنترنت :
إقبال الناس المتزايد على استخدام الإنترنت كبير ؛ إذ يبلغ عدد المتسخدمين حوالي ( 350 ) مليونًا ، وينضم شهريًّا أكثر من ( مليون ) مستخدم ، وأصبحت الإنترنت اليوم مرجعًا لكل باحث عن معلومة معينة ومقصدًا لكل طالب علم ديني أو دنيوي .
لقد كان من الصعوبة فيما مضى الحصول على معلومات صحيحة وشاملة عن الإسلام في كثير من بلدان العالم ، أما اليوم فقد اختلف الوضع تمامًا وصار الإسلام يقتحم بيوت الناس ومعاهدهم بل وغرفهم الخاصة !
ومن شواهد ذلك :
أن شابًا نيوزلنديًا اسمه ( أحمد ) أسلم منذ 3 سنوات ووالداه غير المسلمين لا يعلمان عن إسلامه شيئًا ! وشاهد آخر : ( جميلة ) هي فتاة أمريكية ألمت عبر الإنترنت من خلال قيامها بطباعة الكتب الإسلامية من الإنترنت أثناء العمل لتسهر على قراءتها في عطلة نهاية الأسبوع .
وفي البرازيل اعتنقت الإسلام فتاة يابانية ، وهي الآن داعية للإسلام عبر الإنترنت والأمثلة كثيرة .
وفي كل يوم يصل إلى بريد المحتسبين للدعوة عبر الإنترنت الكثير من الأسئلة والاستفسارات حول الإسلام ، بل وصل الأمر إلى أن طلاب الجامعات الغربية الذين يدرسون الإسلام والثقافات وأساتيذهم يدرسون الإسلام والثقافات وأساتيذهم يسألون المسلمين عما أشكل عليهم ، والأمثلة في ذلك كثير جدُّا .
ثانيًا : قلة التكلفة :
لو فكر إنسان بطباعة كتيب صغير لـ ( 10000 ) شخص وتوزيعه يكلف ريالا للكتاب ، فهو يحتاج إلى ( 60000 ) ريال لنشر كتيب صغير الحجم وتوزيعه أما في الإنترنت فيمكن أن يُطبع الكتاب ويُرسل إلى ملايين دون تكلفة تذكر .
كما أن كثيرًا من الخدمات التي تقدمها الشركات العالمية أصبحت مجانية ، ومعظم هذه الخدمات هي نفسها التي يستخدمها الدعاة إلى الله من الوسائل المقروءة والمرئية والمسموعة .
ثالثًا : سهولة استخدام الإنترنت :
إن استخدام الإنترنت أسهل من استخدام الكمبيوتر ، ويمكن أن يستخدم الشخص الإنترنت خلال عدة جلسات لا تتجاوز عشر ساعات حتى ولو لم يستخدم الإنترنت من قبل ، وهذا حافز للدعاة في تسهيل عملية التعامل مع الإنترنت ، الذي يحسب بعض الدعاة أنه يحتاج إلى دورات تعليمية طويلة المدى لإتقان مهارات التعامل مع الإنترنت .
رابعًا : عالمية الإنترنت :
الإنترنت متوفر في كل دول العالم تقريبًا ، ولذا فإن الداعية ليس محصورًا في مكان معين ، أو مدرسة معينة أو مسجد معين ؛ إذ يمكن أن يدعو في أي مكان بمجرد وجود شبكة إنترنت حتى من مقاهي الإنترنت كما يستطيع أن يدعو وهو بعيد عن الشبكة ، ويتمثل هذا في حالة تأسيسك لموقع يمكن الاستفادة منه حتى وأنت نائم .
خامسًا : حاجة الساحة :
الإنترنت بحاجة إلى أشخاص يبذلون فيه نفائس أوقاتهم وخاصة ممن يمثلون المنهج السلفي في الاعتقاد والسلوك ، والذي يُحزن القلب أن أصحاب المذاهب الباطلة بدأوا يتواجدون عبر مواقع الإنترنت وساحته بصورة كبيرة ، ينشرون معتقداتهم وأفكارهم ، أما أهل الحق والمنهج الصحيح فهم قلة إذا ما قورنوا بغيرهم ، كما أحب أن أشير إلى أن جميع الساحات بحاجة ماسة للدعاة وخاصة ساحات المسلمين والعرب الموجودين في الدول الغربية والحاجة إلى تعليمهم أمور دينهم حاجة ماسة ؛ إذ إن بعضهم لا يعرف من الإسلام إلا اسمه ! !
سادسًا : تعدد وسائل الدعوة عبر الإنترنت :
الإنترنت يشتمل على عدة أشكال وصور من التواصل والاتصال مع الآخرين إذ يمكن توظيفه من خلال أكثر من وسيلة دعوية ! فالكتاب أو الشريط أو المحاضرة أو المحاورة سواء كانت خطية أو مسموعة أو منظورة كلها وسائل دعوية مؤثرة يمكن استثمارها عبر الإنترنت .
سابعًا : الاتصال مهما كانت الصعوبة :
فبعض الدول الشيوعية مثلاً ترفض دخول القرآن وتحارب الدين وتقيم الموانع للحيلولة دون تواصل المسلمين فيها من إخوانهم من شتى بلدان المسلمين الأخرى ، وعبر الإنترنت يمكن أن يقرأ المسلم القرآن ويعرف أحكام الدين ويتعلم وهو في منزله .
الآداب والتوجيهات المرعية في الدعوة إلى الله عبر الإنترنت :
إن الناظر في واقع الإنترنت اليوم ، وما يجري عبر ساحاته ، ومحادثاته ، يجد بعض المخالفات التي يرتكبها بعض الدعاة في الإنترنت مما لا ينبغي لطالب علم وداعية أن يرتكبها ، كما يُلحظ أن بعض الأشخاص يشغل وقته في مهاترات ، وملاسنات وشبهات تضر الدعوة في الأغلب الأعم ، وفي هذا مضيعة للوقت والجهد وهذا من أهداف أعداء الدين ومحاربيه الذين يريدون أن تقوم الدائرة فيما بيننا وبالجملة فسأذكر بعض الآداب والتوجيهات التي ينبغي للداعية عبر الإنترنت أن يتصف بها ، وأن يجعلها نُصْب عينيه عندما يستخدم الإنترنت في الدعوة إلى الله تعالى ومن أهمها ما يلي :
1- البعد عن الإطالة المذمومة :
فكثير من الداعين عبر الإنترنت عندما يكتبون في موضوع معين ؛ فإنهم يتعاملون معه كما لو كانوا يؤلفون كتابًا أو مقالاً ، أو قصة ؛ إذ يلاحظ أن بعضهم يسترسل في الشرح مما قد يؤدي إلى الأثر العكسي ، ويجدر هنا التنبيه إلى أن من خصائص التعامل مع الإنترنت أنه يقوم على السرعة والإيجاز ، والإطالة قد تؤدي إلى نفور المتلقي وعدم قراءة الموضوع المطروح .
2- الحلم والأناة :
الداعية إلى الله يتعامل مع جمهور عريض وكبير ، وذي ثقافات مختلفة ، ولا يدري غالبًا من الذي أمامه ، ومن أي دولة ، وما هي ثقافته ، وما هي توجهاته وآراؤه ، وغير ذلك ، كما أن الداعية سيتعامل مع شرائح من الناس مختلفة من الجاهل والمتعلم والصغير والكبير والمرجف والمكذب والمستهتر والمتغطرس والفاسق والمجرم ... وغيرهم كثير ؛ لذا ينبغي على الداعية أن يتحلى بالحلم والأناة وأن ينزل السائل منزلته ويعطيه على قدر إجابته بعيدًا عن العواطف المؤثرة في ذلك .
3- استخدام الأدلة الشرعية والعقلية :
ينبغي على الداعية أن يستخدم الأدلة من الكتاب وصحيح السنة ، والناظر في واقع الدعاة عبر الإنترنت يلحظ أن هناك إفراطًا وتفريطًا ، فبعض الدعاة لا يستخدمون الدليل مطلقًا ، وآخرون يستخدمونه بإسهاب ممل والوسطية والاعتدال في هذا الأمر سبيل قويم ، كما تجدر الإشارة إلى أن استخدام الدليل من القرآن والسنة بدون توسع والإشارة لهذه الأدلة في مواضعها كأن يقول آيات الجهاد أو آيات الزكاة .. إلخ يحقق المصلحة العامة .
4- الإجابة على جميع الأسئلة :
عند استقبال سؤال من شخص لا تعرفه تَوَقَّعْ أن تكون إجابة هذا السؤال من الأمور البسيطة أو العكس المهم هو التروي في الإجابة ، والإجابة عن جميع الأسئلة بغض النظر عن السهولة والصعوبة ، فما تراه سهلاً قد يكون صعبًا عند غيرك كما يجب أن تتوقع أن السائل سيستفسر مرة أخرى ؛ إما لأنه لم يفهم ما كتبت بسبب الترجمة ، أو سوء فهم في الإجابة أو تولد عن هذه الإجابة سؤال آخر وهكذا .
5- ذكر أقوال العلماء :
التنوع في ذكر أقوال العلماء وخاصة للراغبين في ذلك يعطي للداعية في موقعه أو غرفته ، أو شخصيته في الإنترنت المكانة القوية ، فالداعية من خلال هذا يظهر أمام المحاورين بالحيادية والتجرد من الهوى والبحث عن الحق ، وذلك بذكر جميع الأقوال بكل مصداقية ووضوح ؛ لأن هناك من يخالف الداعية في مذهبه في الفروع وليس في الأصول ، ويرى رأيًا غير ما يراه الداعية ، فالأولى للداعية أن يذكر الأقوال بصدق وتجرد خاصة عندما تكون المناقشة مع طلاب العلم .
6- عدم الخوض في النوايا :
فكثير من الدعاة عبر الإنترنت يقومون بالتشكيك في الآخرين واتهامهم بعدم صلاح النية والمبدأ لديهم ويقوم بمهاجمة الكفار علنًا وسبًا وشتمًا ، والمفترض الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن ، وأن يتذكر الداعية ( هلا شققت عن قلبه ) ، ] وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ ( الأنعام : 108 ) .
7- عدم تجريح الآخرين والجدال بالتي هي أحسن :
فالكثير من الدعاة عبر الإنترنت يكثرون الجدل ويقومون بتجريح الآخرين ، وهذا بلا شك يُفْقِد المصداقية ، ويعني عدم الدعوة بالأسلوب الحسن ، وهنا ينبغي للداعية عبر الإنترنت أن يعرف أن كل شخص يتحدث من واقع بيئته فيحسن بالداعية أن يترفق به ، ويجادله بالتي هي أحسن كما أرشد الله سبحانه الدعاة إلى ذلك .
8- تشخيص الداء :
قبل أن يبدأ الداعية الحوار مع الشخص المقابل له عبر الإنترنت يقوم بمحاولة الحصول على مكان ، وجنسية المتلقي ؛ لكي يتعرف على ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه ، وعقيدته وتوجهاته ؛ لأن هذا سيتيح للداعية الفرصة للانطلاق في الحديث معه ، ومعرفة موطن القوة والضعف عنده .
9- البعد عن إثارة الشبهات :
فهناك مسائل خلافية بين الفقهاء لكن بعض الناس يفهمها في غير موضعها ، وقد تؤدي إلى بعض الشبهات ! عندما تعرض في الإنترنت وهنا يفضل عدم الخوض في المسائل المشتبهة ، وخاصة مع الراغبين في البحث عن الإسلام وتعاليمه ومع المسلمين الجدد .
10- ترغيب المدعوين وتشويقهم :
إن اختيار العبارات الجيدة والحسنة والابتسامة إذا كان الحديث مباشرًا أو عن طريق إرسال الصور والرموز المعبرة ، سيبعث في المتلقي الحماس لمعرفة الإسلام الذي تدعو إليه ، كما أن استخدام أحاديث الترغيب أكثر من أحاديث الترهيب يساعد على جذب الناس إلى الإسلام .
11- الدقة في الترجمة :
ترجمة معاني النصوص الشرعية والأحكام الفقهية يحتاج إلى دقة وتحرير متقن ، حتى يحصل المراد ، فالداعية عندما يقوم بترجمة فتوى شرعية ، فإنه يتحرى الدقة في إيصال معانيها إلى المتلقي ؛ لأنه مقام توقيع عن الله سبحانه وتعالى .
12- التواصل المستمر مع المدعوين :
عندما يسلم شخص على يد أحد الدعاة عبر الإنترنت ، فينبغي على الداعية الاتصال المستمر به , والتواصل معه ، وبربطه بأقرب مركز إسلامي في بلده ، أو عن طريق إرسال الرسائل التعريفية بدينه الجديد ، أو ربطه بأهم المواقع الإسلامية .
13- عدم التسرع في الفتوى :
الناظر في واقع الدعوة عبر الإنترنت يلفت انتباهه كثرة المفتين عن الله سبحانه وتعالى ، وعند طلب الاستفتاء عن مسألة شرعية تجد الفتاوى تنهال من كل حدب وصوب في الساحات العربية التي يكثر فيها اللغط ، ومن ثم تبدأ قضية الجدل حول الفتوى ، وضياع الوقت في القيل والقال . نسأل الله العصمة من الزلل .
المجالات الدعوية عبر الإنترنت :
كثير من الأعمال الدعوية كانت في بدايتها مجرد خاطرة وفكرة ، ما إن تخرج صغيرة في أعين كثير من الناس سرعان ما تؤتي أكلها ضعفين ؛ عندما يصيبها وابل ماء الوحي ، وتمتد إليها أيدي المصلحين بالعون والتطبيق المعملي ؛ فتجدها بعد سنوات قد أثمرت وأينعت بفضل من الله تعالى ، وهذا هو واقع الدعوة إلى الله من خلال بعض المساهمات الدعوية عبر الإنترنت ، فأحيانًا بسبب إرسال رسالة واحدة إلى مجموعة من الناس ؛ يسلم بعضهم ، فلا يَحْقِرَنَّ الداعيةُ من المعروف شيئًا .
وهنا طرائق عديدة للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى عبر الإنترنت ، وهي في تطور مستمر مع تطور شبكة الإنترنت نفسها والخدمات التي تقدمها ، فغرف الحوار باستخدام الصوت هي إحدى الوسائل التي بدأت في الانتشار حديثًا ، وكذلك المجموعات الإخبارية التي بدأت تستخدم بشكل فعال في الوقت الحاضر أكثر من ذي قبل ، كل هذه وسائل فعَّالة للدعوة عبر الإنترنت ، وكذلك البريد الإلكتروني الذي يزداد استخدامه يوميًا أصبح أحد الأدوات المهمة في الدعوة إلى الله تعالى وسأوجز هنا بعض المجالات التي يمكن بواسطتها استخدام الإنترنت في الدعوة إلى الله ومن أهمها ما يلي :
أولاً : إنشاء موقع دعوي عبر الإنترنت :
إنشاء موقع دعوي يعني جمع كثير من المواد الدعوية والإخبارية ، والتعليمية الخاصة بالأمة الإسلامية وإتاحتها للمستخدمين بدون مقابل وتأسيس الموقع لا يحتاج إلى دراسة عميقة ؛ بل إن خمس ساعات لمن لديه المبادئ الأساسية في الحاسب الآلي كافية لتعلم برنامج ( Page rontf ) ؛ الذي بواسطته يتم تصميم الصفحات ويمكن استخدام هذا الموقع بتأسيس ركن للفتاوى ؛ لأن أكثر المستفيدين من الإنترنت يحتاجون الفتاوى أكثر من غيرها وخاصة في بلاد الغرب ، ولعلي أشير هنا إلى أن هناك مواقع إسلامية كثيرة - ولله الحمد والمنة - حتى إن بعضها يوجد فيه أكثر من ( 124 ) ألف حديث ، وترجمة معاني القرآن الكريم بسبع لغات ، و ( 4000 ) فتوى لهيئة كبار العلماء ، وغير ذلك ، هذا هو موقع السنة ( http : // www . alsunnah . com ) كما أن هذا الموقع مكتوب بأكثر من عشر لغات وهي : الإنجليزية والفرنسية والألمانية والبوسنية والألبانية والماليزية والإندونيسية والفلبينية والفلندية والعربية .
ثانيًا : الحوار مع الآخرين :
وهو إحدى الوسائل التي يتيحها الإنترنت ، وهي خدمة الحوار سواء أكان مباشرًا باستخدام برامج ( Icq أو Micr ) أو برنامج ( messenger yahoo ) ، وهي موجودة في جميع محركات البحث العالمية مثل : ( ياهو ) و ( التافيستا ) و ( إكسايت ) وغيرها ويمكن الرجوع لهذا المثال ( http : // messages, yahoo . com/index . html . ) أما النوع الثاني من الحوار غير المباشر فيتم عن طريق مجموعات الأخبار التي يبلغ عددها أكثر من ( 20000 ) ألف مجموعة ، وهي تناقش مواضيع شتى بما في ذلك المواضيع الدينية ، ويمكن الوصول إلى مجموعات الأخبار بإحدى الطريقتين التاليتين ؛ إما عن طريق كلمة ( news ) الموجودة في متصفح ( إكسبلورر ) ، أو في متصفح ( النتسكيب ) وقد تكون موجودة في الصفحة الأولى في محركات البحث العالمية ، أما الطريقة الأخرى التي يمكن بواسطتها الوصول إلى مجموعات الأخبار فهي عن طريق موقع ( http : // www . deja . com ) المهم بعد أن تصل إلى هذه المجموعات يمكن التسجيل فيها ، وتبدأ الدعوة إلى الله ، وسواء استخدم الداعية الحوار المباشر ، أو غير المباشر ؛ فكلها ستحقق النتيجة المرجوة إن شاء الله تعالى ، إذا خلصت النية .
أما أدب الحوار فليس هذا هو مقام البسط فيه وأيهما أفضل الحوار المباشر أو غير المباشر ، وأعتقد أن الجواب يُتْرَك للداعية فقد يكون الحوار المباشر ذا أثر أكثر في مواقف دون أخرى ، والعكس صحيح ، كما لا أنسى أن أشير إلى أن استخدام الاسم الحقيقي للشخص أفضل على المدى البعيد ، ولا مانع من استخدام بعض الأسماء المستعارة ؛ لأن فاعليتها أفضل في بعض المواقع .
ثالثًا : الدعوة إلى الله عبر البريد الإلكتروني ( E - mail ) :
يعتبر البريد الإلكتروني من أهم الخدمات التي تقدمها الإنترنت ، ومن أسهل الأشياء التي يمكن القيام بها في الدعوة إلى الله تعالى واستخدام البريد الإلكتروني في الدعوة إلى الله يأخذ أشكالاً عدة ؛ من أهمها المراسلة مع الزملاء والمستفسرين ، فمثلاً عندما يفتح الداعية أحد المواقع السيئة التي تنشر الرذيلة ، أو الغناء الماجن أو غير ذلك ؛ يمكن أن يرسل رسالة وعظ وإرشاد حسب الموضوع وقد تقع الرسالة موقعها إذا صلحت النية .
أما الطريقة الأخرى في الدعوة إلى الله عبر البريد الإلكتروني فهي شراء قوائم بريدية ؛ إذ يوجد شركات في الإنترنت تقدم خدمات بريدية بأسعار معقولة ؛ فهذه الشركات لها قوائم بريدية تتجاوز أحيانًا ( 20 ) مليون عنوان بريدي ، ويتم الاتفاق بين هذه الشركات والداعية على مبلغ معين وهو تقريبًا ( 2000 ) دولار لتوصيل رسالة لعشرة ملايين مشترك في الإنترنت ، ويمكن أن يقوم الداعية بإنشاء قوائم ؛ ويستخدمها في المراسلة ، ويمكن الرجوع إلى موقع القائمة التي أنشأها أحد الدعاة جزاه الله خيرًا ويبلغ عدد المنتسبين إليها أكثر من عشرة آلاف عنوانها ( http : // www . egroups . com/ ( group dateel ) وقد استخدم بعض الدعاة هذه القوائم ؛ فنفع الله بها وجادت بالخير الكثير ؛ وأسلم على يديه عدد لا بأس به من مختلف دول العالم .
واقع الدعوة إلى الله عبر الإنترنت نظرة تأملية :
إن المتأمل في واقع الدعوة إلى الله والمواقع الإسلامية عبر الإنترنت التي تتحدث عن الإسلام والمسلمين ؛ يجد أنها بدأت بجهود فردية وخاصة من الطلاب المسلمين المُبْتَعَثِينَ في الجامعات الغربية ، وكذلك بعض المراكز الإسلامية هناك ولذا جاءت اجتهادات هؤلاء الأفراد لتكون القاعدة الأساسية لهذه الجهود ، الأمر الذي أدى إلى أن تكون هذه الجهود في معظمها بعيدة عن الموضوعية والدقة ؛ فقد بدأت بالانتصار للمذاهب والأحزاب ؛ بدلاً من الانتصار لدين الله سبحانه وتعالى ، أما دقة المواضيع المنشورة فهي لا بأس بها من حيث الصراحة ، ولكن ! ! حسب المذهب أو الحزب الذي أسَّس هذا الموقع ، أما من حيث الموضوعية فهي نسبية ، بل بدأ الشتم بين هذه المواقع ووصل الأمر إلى أن أصبحت جهودنا لمحاربة بعضنا البعض .
إن المتصفح للمواقع الإسلامية يومًا بعد يوم ؛ يجد أنها متنامية بدرجة لا بأس بها ، وكل يوم يضاف جديد لتلك المواقع ، ومع ذلك فإن المتصفح لهذه المواقع يلحظ ما يلي :
1- أن المادة الموجودة في معظم هذه المواقع متكررة وغير متطورة ؛ أي أن المواقع الإسلامية لا يتم تحديثها يوميًّا ، أو على الأقل أسبوعيًّا ، كما هو موجود في المواقع الأخرى .
2- أن المواقع الإسلامية تميل إلى وضع الزخارف الإسلامية والصور في المقدمة ، الأمر الذي يضطر الباحث إلى مغادرة الموقع قبل الدخول إليه ؛ لأن هذه الزخارف والصور تحتاج إلى وقت كبير عند التصفح .
3- أن معظم المواقع الإسلامية ليست وظيفية بل مظهرية ليس أكثر ، وسببه أن المواقع الإسلامية لا تتواصل مع قرائها ، ولا تجيب على أسئلة السائلين واستفتاء المستفتين ، ولا تحقق رغبات القراء بتزويدهم بالكتب والمصاحف ، وما يريدون .
4- أن المواقع الإسلامية سريعة السقوط ، وبكلمة أخرى نجد أن موقعًا ما متميز في وقت من الأوقات وخاصة في بداية التأسيس ؛ ثم لا يلبث أن يغلق أبوابه لسبب أو لآخر ؛ ومن أهم الأسباب أن هذه المواقع تدار بأفراد وليس بمؤسسات الأمر الذي يعلق نجاح هذا الموقع على نجاح هذا الفرد ، وسقوطه على سقوط هذا الفرد .
5- أن المواقع الإسلامية تتركز في اللغتين العربية والإنجليزية فقط ، أما اللغات الأخرى فهي قليلة جدًّا ، مع أن الناطقين باللغات الأخرى عدد لا بأس به ، فحبذا توجيه الجهود إلى تلك اللغات ، ولعل مكاتب توعية الجاليات في المملكة العربية السعودية خير من يقوم بهذه المهمة ؛ لأن الخبرة موجودة لديهم .
6- أن أكثر النشطين في المواقع الإسلامية هم مِن الفرق المنحرفة في الاعتقاد والسلوك أمثال الرافضة ، و القاديانية و البهائية .. إلخ ، أما أهل السنة والجماعة فهم قلة إذا ما قورنوا بهؤلاء .
7- أن المادة الموجودة في المواقع الإسلامية أكثرها نصي ( **** ) أما الصوت والحركة والفيديو ، فهي قليلة جدًّا ، أي أن المواد مخرجة بطريقة عادية ، بعيدة عن التصميم والإخراج الفني المتميز الجذاب .
8- الازدواجية في المواقع فما هو موجود في هذا الموقع ، تجده مكررًا في مواقع أخرى ، وليس هناك تنسيق وتعاون بين العاملين فيها ، وبتوضيح أكثر المواقع التكرار ، أو التوصيلات ( link ) ، ومعظم المواقع هي توصيلات لغيرها ، ولو أجري عملية حصرية لجميع ما في الإنترنت عن الإسلام لوجدته متشابهًا بدرجة كبيرة جدُّا .
هذه هي أهم الملاحظات ، ولا يعني هذا التقليل من الجهود المبذولة والمتطورة ، ولكن طموح الأمة الإسلامية أعلى من الموجود ، والله أسأل أن يبارك في الجهود ، وأن يوفق العاملين في هذه المواقع ، وأن يبارك في جهودهم وأن يعينهم لما فيه الخير والصلاح .
الطموحات في مجال الدعوة إلى الله عبر الإنترنت :
هي الطموحات التي يتطلع إليها كل مسلم يحمل همّ الدعوة إلى الله ؛ تجعل الأمة الإسلامية في المقدمة في جميع المجالات ، ومنها الاستثمار الدعوي عبر الإنترنت وعلى أكمل وجه .
ومن سبل تحقيق تلك الطموحات إنشاء محرك بحث ( Search Engine ) يجمع شتات المواقع الإسلامية التي تنتهج مذهب أهل السنة والجماعة بدلاً من تأسيس المواقع ، وأن تتبنى هذه المحركات مؤسسات إسلامية يتوافر فيها الدعم السياسي والاقتصادي ، كرابطة العالم الإسلامي ؛ بحيث يتيح هذه المحرك الفرصة لجميع مستخدمي الإنترنت بتسجيل صفحاتهم الخاصة بالإسلام عبر هذه الأداة ، وأقترح أن يكون عنوان الموقع ( Islamic search Engine ) أما اللغة فيمكن استخدام اللغتين العربية والإنجليزية في الوقت الحاضر ، ويمكن إضافة لغات أخرى فيما بعد - إن شاء الله تعالى - وهي على النحو التالي :
أولاً : وصف أداة المركز : SEARCH ENGINE
يمكن أن يكون اسم هذا الموقع Islamic search Engine لأن هدفه تسجيل كل ما يخص الإسلام سوف يكون البحث في هذا الموقع باللغتين العربية والإنجليزية .
وللمعلومية فإن الإنترنت يتجه إلى عصر التخصيص : أي أن هناك أدوات خاصة في البحث في التربية ، وبعضها في الاقتصاد ، وبعضها في العلوم وهكذا .. ويتوقع الخبراء نمو هذا الاتجاه ؛ لذا فَحَرِيٌّ بنا أن نبدأ قبل غيرنا .
ثانيًا : من أهداف أداة المركز :
1- نشر الدين الصحيح المستقى من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على مستوى العالم .
2- السماح بقبول الصفحات الإسلامية من أهل السنة والجماعة وعدم إتاحة الفرصة بتسجيل صفحات الرافضة والقاديانية وأصحاب المذاهب المنحرفة .
3- الوصول إلى أكثر من 200 مليون فرد بأقل تكلفة .
4- استخدام الأداة الإعلانات الإسلامية والمحاضرات وبث المحاضرات التي تقام في المسجد الحرام وغيرها من الدروس إلى بقاع العالم بتكلفة لا تزيد على دولار فقط للمحاضرة .
5- الوقوف أمام جهود المغضوب عليهم والضالين والملحدين في نشر أديانهم المحرفة .
6- خدمة المسلمين في بقاع الأرض ممن لا يستطيعون الحصول على المصاحف الإسلامية والمطبوعات الخاصة بالدين في بلدانهم بسبب الضغوط من قِبَل الحكومات الشيوعية .
7- إتاحة الفرصة للراغبين بالبحث عن الإسلام في البحث عن هذا الموقع بدلاً من مواقع الرافضة والقاديانيين وغيرهم .
ثالثًا : محتويات أداة المركز :
1- يحتوي على القرآن الكريم بجميع ترجمات معانية وتفسيره ، وكذلك كتب الحديث والسِّيَر والتاريخ والفقه ، وغيرها من الكتب الإسلامية باللغة العربية والإنجليزية .
2- قواعد بيانات عن العالم الإسلامي لكي تكون متاحة لجميع المحتاجين في أي مكان في العالم .
3- جميع أشرطة الفتاوى شرح الكتب ، شرح المتون .. إلخ لسماحة الوالدين الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين - رحمهما الله - وكذلك بقية المشايخ ؛ لكي يتسنى لجميع أبناء العالم الإسلامي الاستفادة من مشايخنا .
4- جميع أشرطة الفيديو الخاصة بعلمائنا في الخطب ، والمحاضرات وخاصة خطب المسجد الحرام ، و المسجد النبوي .
5- برنامج تعليم اللغة العربية للراغبين في تعلم اللغة العربية عن بعد من أبناء العالم .
وفي الختام أسأل الله الكريم أن يكلل مساعي الدعاة إلى الله بالتوفيق والسداد ، وأن يظهرهم على مَن نَاوَأَهُمْ ؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه .
________________________
(*) المحاضر بكلية التربية بجامعة الملك سعود .
المراجع :
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية الجزء الخامس عشر .
(2) أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة - د حمد العمار .
(3) الدعوة الإصلاحية وأعلامها - د عبد الله المطوع .
(4) سلسلة مقالات ( وحي المستقبل ) بجريدة الجزيرة - د عبد الله الموسى .