[فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه].
هذا الكلام هو خلاصة مذهب أهل السنة في أسماء الله وصفاته * قوله: (فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه). أي: أنهم لا ينفون عن الله -سبحانه وتعالى- ما وصف به نفسه في كتابه الكريم، أو ما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته المطهرة من الصفات العلى، كما فعل ذلك المعطلة، بل يثبتون له ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الصفات، ولكن كما يريد سبحانه، وكما يليق بكماله وجلاله. * قوله: (ولا يحرفون الكلم عن مواضعه). أي: كما أنهم لا ينفون الصفات بالكلية، فإنهم كذلك لا يلجأون إلى تغيير كلام الله تعالى وإمالته عن موضعه ومعناه الصحيح، بل يثبتونه، وذلك بإمرار النصوص وإثباتها على ظاهرها، وإمرار الصفات كما وردت، من غير تغيير لها أو لمعانيها كما قال غيرهم مثلا في قوله تعالى:
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22]. يقولون: إن معناها: وجاء أمر ربك ، وفي قوله تعالى:
وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164]. قالوا: المعنى أن موسى هو الذي كلم الله، فجعلوا موسى هو الفاعل، ولفظ الجلالة الله هو المفعول به، وقال بعضهم: بل المعنى أن الله تكلم في الشجرة، فتكلمت الشجرة مع موسى ونحو ذلك، وكقولهم في قوله تعالى:
بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: 64]. قالوا: قوته ونعمته. وغير ذلك من الآيات والصفات التي حرفها هؤلاء. وأما أهل السنة فإنهم يثبتون جميع الصفات ويمرونها كما جاءت، فيقولون في قوله تعالى:
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر 22]. هو مجيء الله -سبحانه وتعالى- بذاته للفصل بين العباد، وهو مجيء حقيقي، ولكنه يليق بكماله وجلاله. ويقولون في قوله:
وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164]. إن الله تعالى هو الذي كلم موسى وأن هذا الكلام بحرف وصوت مسموع، ولكن كما يليق بكماله وجلاله. ويقولون في قوله تعالى:
بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: 64]. إن لله تعالى يدا حقيقية تليق بكماله وجلاله، لا تشبه أيدي المخلوقين، ولا يعلم كيفيتها إلا الله عز وجل. * وقوله: (ولا يلحدون في أسماء الله وآياته ). قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها. اهـ . ثم ذكر أنواع الإلحاد في أسماء الله تعالى، فقال ما ملخصه: أحدها: أن يسمي الأصنام بها، كتسميتهم اللات من الإله، والعزى من العزيز. الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله، كتسمية النصارى له أبا. الثالث: وصفه تعالى بالنقائص، كقول اليهود عنه: إنه فقير، تعالى الله عن قولهم. الرابع: تعطيل الأسماء عن معانيها، وجحد حقائقها، كقول الجهمية: سميع بلا سمع، عليم بلا علم، وبصير بلا بصر... إلخ. الخامس: تشبيه صفاته بصفات خلقه، كقولهم: إن يد الله كأيدينا، وسمعه كسمعنا، ونحو ذلك. وأما الإلحاد في الآيات: فهو الميل بها عن المعنى المراد، يعني عن مقصود الله تعالى بها. فأهل السنة بريئون من الإلحاد في أسماء الله تعالى، ومن الإلحاد في آياته سبحانه. * قوله: (ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه). قد تقدم الكلام على ذلك مفصلا. والخلاصة أنهم ينفون علم كيفية الصفات عن المخلوقين، وكذلك فإنهم يمنعون من السؤال بكيف عن صفات الله تعالى، ولا يمثلون ولا يشبهون صفات الله تعالى بصفات خلقه، فلا يقولون مثلا: إن يد الله تشبه أيدينا، أو تشبه يد فلان أو فلان... إلخ.