روى الإمام ابن عبدالحكم في سيرة عمر بن عبدالعزيز ، أن عمر كان يأمر أصحاب البريد أن يحملوا إليه كل كتاب يُدفع إليهم ، فخرج البريد ( الرسمي ) من مصر يوماً ، فدفعت جارية اسمها ( فرتونة السوداء ) مولاة رجل يسمى ( ذا أصبح ) كتاباً تذكر فيه أن جدار منزلها قصير وأنه يقتحم عليها منه فيُسرق دجاجها .
فكتب إلي...ها عمر : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبدالله عمر أمير المؤمنين إلى فرتونة السوداء مولاة ذي أصبح ، بلغني كتابك وما ذكرت من قصر حائطك وأنه يدخل عليك فيه فيسرق دجاجك ، وقد كتبت إلى أيوب بن شرحبيل آمره أن يبني لك ذلك حتى يحصنه مما تخافين إن شاء الله . والسلام .
فيا أيها القراء سألتكم بالله : هل تتصورن أن يكون في الدنيا شخص أهون على الناس وأدنى منزلة فيهم وأقل شأناً من هذه الجارية السوداء ؟ وهل تتصورن أن يكون في الدنيا رجل أسمى مكانة وأكثر شغلاً وأعز وأكرم من عمر الذي كان يحكم وحده ما بين حدود فرنسا وحدود التبت ، لا راد لحكمه ولا ناقض لإبرامه ، وليس فوقه إلا الله ؟ وهل تتصورن أن يكون في الدنيا موضوع أتفه وأسخف من جدار فرتونة ودجاجها ؟
ومع ذلك لم تمنع عمر بن عبدالعزيز جلائل الأمور من أن يهتم بشكاة فرتونة ، ويكتب بشأنها إلى والي مصر وقائدها العام أيوب بن شرحبيل ، وأن يجيبها مطمئناً ومخبراً