وفي الرقة في مائتي درهم: ربع العشر.
فإن لم يكن إلا تسعون ومائة فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها.
ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليس عنده جذعة، وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهما.
ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة، وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين. رواه البخاري .
قوله: (وفي الرقة في مائتي درهم: ربع العشر):
الرقة: هي الفضة ويعم ذلك ما كان منها مضروبا وما كان تبرا، فإن الفضة إما أن تكون تبرا وهي المقطعة أو المكسرة التي لم تخلص من تربتها فإن لها قيمة حيث إنه يمكن تصفيتها، ومتى خلصت من الأخلاط فإنها تقوم بالمضروب وهو الذي قد ضرب دراهم أي صنع منه النقود المتداولة، وقد جعل الله تعالى في هذه المعادن رغبة من الناس لنفاستها فهي مال له قيمة وفيه منفعة ومصلحة يكنز ويتعامل به كأثمان، ويتحلى به كزينة.
قوله: (فإن لم يكن إلا تسعون ومائة... إلخ):
يعني: إذا لم يكن إلا تسعون ومائة درهم، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها. فعرف بذلك أن نصاب الفضة مائتا درهم، والدرهم قطعة صغيرة من الفضة كانوا يتعاملون بهـا. فإذا كان عنده من الفضة مائتا درهم فإن عليه الزكاة فيها إذا حال عليه الحول.
وقدرها العلماء ستة وخمسين ريالا بالريال العربي السعودي. وقدروها باثنين وعشرين ريالا فرنسيا.
ولكن العملة الآن صارت بغير ذلك، أي بهذه الأوراق المتداولة بين الناس، وقد اختلف، هل هذه الأوراق أسناد أو أنها نقود؟
فالذين جعلوها أسنادا قالوا: إنها عوض عن الدراهم، وقالوا: ننزلها منزلة ما هي بدل عنه، فمن كان عنده ستة وخمسون ريالا من الورق وحال عليها الحول اعتبر غنيا فتجب عليه الزكاة على هذا القول.
وأما الذين جعلوها نقودا قالوا: إنها قيم بأصلها، فقالوا: تقدر قيمتها.
والآن قيمتها أنقص عند الصرافين من قيمة الفضة. فلو أنك مثلا: أردت أن تحصل على ريال فضي لما حصلت عديه إلا بعشرة أو خمسة عشر من الأوراق النقدية؛ لأنه يتنافس فيه، فلذلك يجوزون المبادلة بينهما مع المفاضلة، فيجوز أن تصرف ريالا فضة بخمسة عشر ريالا من الأوراق، ولو كان هذا اسمه ريال عربي وهذا اسمه ريال عربي، وهذا اسمه ريال سعودي وهذا اسمه ريال سعودي، ولكن القيمة تختلف.
فعلى هذا يمكن أن نقول: إن الريال الفضي بعشرة ريالات من الأوراق، يكون نصاب الأوراق خمسمائة وستين، أي: هو ستة وخمسون نضربها في عشرة.
فإذا كان الرجل يملك خمسمائة وستين ريالا من الأوراق وحال عليه الحول فإنه يعتبر غنيا فعليه الزكاة فيها.
وإن كان الناس في هذه الأزمنة لا يعتبرون من يملك هذا المبلغ غنيا، فيقولون: خمسمائة وستون ريا لا يمكن أن يشتري بها مرة واحدة طعاما ونحوه، فكيف يعد غنيا؟!
نقول: حيث إنه لم يحتج إليها طوال العام فدلنا ذلك أن عنده غيرها ما يكفيه فيعتبر غنيا.
قوله: (ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليس عنده جذعة ... إلخ):
رجع المؤلف رحمه الله بعد ذلك إلى ما يتعلق بالإبل فقال: (ومن بلغت عند، من الإبل صدقة الجذعة... إلخ).
قد عرفنا فيما مضى أن الجذعة: ما تم لها أربع سنين، والحقة: ما تم لها ثلاث سنين، فإذا بلغت عنده صدقة الجذعة ولم يجد الجذعة، دفع الحقة ودفع معها الفرق، والفرق في ذلك شاتان أو عشرون درهما.
ولكن في هذه الأزمنة قد تختلف؛ فقد تكون الشاتان تساويان الحقة أو تقربان منها فلذلك ينظر في القيم، وكذلك العشرون درهما في هذه الأزمنة قد لا تأتي بسخلة ولكن ونظر إلى القيمة.
وقد أخذ العلماء من هذا جواز دفع القيمة والعمل عليه الآن فإن عمال الزكاة يقدرون بنت المخاض بكذا، وبنت اللبون بكذا، والحقة بكذا، والجذعة بكذا، والشاة بكذا؛ لأنهم يذهبون بسيارات ويشق عليهم أن يحملوا معهم هذه الأغنام التي يأخذونها أو الإبل ونحوها.
قوله: (ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة... إلخ):
هذه المسألة عكس المسألة السابقة، فمن بلغت عنده صدقة الحقة ولكنه لا يملك الحقة، فإنه يدفع الجذعة إلى الجابي، ويعطيه الجابي الفرق بينهما، وجعل العلماء قياسا على ذلك فارقا بين الأسنان كلها، فقالوا: من لم يجد بنت مخاض ودفع بنت لبون، فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق أي الجابي الفرق، ومن لم يجد بنت لبون ودفع بنت مخاض فإنها تقبل منه ويدفع معها الفرق وهكذا.
وبهذا التفصيل نكون قد انتهينا من شرح حديث أنس رضي الله عنه.
ولم يذكر في هذا الحديث زكاة البقر لقلتها عند العرب في ذلك الوقت، وإنما العرب يغالون في الإبل والغنم، ولا يزالون إلى اليوم كذلك.
ويأتينا في حديث معاذ إن شاء الله بيان زكاة البقر.