فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- أليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة؟ متفق عليه . والوسق ستون صاعا، فيكون النصاب للحبوب والثمار: ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثريا: العشر، وفيما سقي بالنضح: نصف العشر رواه البخاري .
النصاب الواجب في الحبوب والثمار قوله: (فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-
إلخ): ولا تجب الزكاة في الحبوب والثمار حتى تبلغ نصابا وهذا هو القول الراجح، وهناك من يقول لا يشترط النصاب، وهو قول عند الحنفية ويستدلون بعموم الحديث الذي ذكرنا:
قالوا: يعم القليل والكثير، فإذا زرع عثريا أو زرع ما يسقى وحصده فإنه يزكى، ولو كان عشرة آصع أو عشرين صاعا لأنه دخل في قوله:
. ولكن القول الصحيح أنه لا بد من النصاب؛ وذلك أن الزكاة شرعت لأجل المواساة، والقليل لا مواساة فيه، فإذا كان محصوله عشرين صاعا أو مائة صاع فهي قليلة بالنسبة إلى محصول غيره فلا يكون فيها زكاة؛ لأنها بقدر قوته وقوت عياله. والدليل على اشتراط النصاب حديث أبي سعيد الذي في الصحيح قوله: صلى الله عليه وسلم:
ذكر التمر في الحديث كمثال ويلحق به غيره، فيكون خمسة أوسق من البر، وخمسة أوسق من الدخن، وخمسة أوسق من الذرة ونحو ذلك مما يكال كالزبيب وغيره. قوله: (والوسق ستون صاعا، فيكون النصاب... إلخ): الأصل أن الوسق هو كيس يجعل فوق ظهر البعير، فإذا وضع على جانبي البعير عدلين فإنه يجعل فوق ذلك وسق في الوسط يقدر بأنه أكثر شيء ستون صاعا، ثم استقر أن الوسق ستون صاعا. وعلى هذا فيكون النصاب للحبوب والثمار ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. والصاع النبوي هو مثل صاعنا الآن إلا أنه لا يجعل له علاوة؛ لأن صاعنا الآن يجعل له علاوة فوقه، وأما في ذلك الوقت فكانوا يمسحونه مسحا، ولا يجعلون له علاوة، فقدروه بأنه أقل من صاعنا بالخمس وخمس الخمس، ثم قدره بعضهم بالكيلو، فأقل ما قيل فيه أن الصاع النبوي يساوي كيلوين وأربعين جراما (40, 2 كج) يعنى أكثر من ثلثي الصاع؛ لأن صاعنا ثلاثة كيلو جرامات بالكيلو الوافي، ولكن لما قدروا الصاع النبوي وجدوه بهذا القدر، وكانوا يعبرون عن الوزن بالصاع، فكان عندنا في هذه البلاد وفي غيرها الكيل بالصاع، والوزن بالوزنة، والوزنة معيار معروف عندهم زنته خمسون ريالا فرنسيا، قدرنا الصاع وإذا هو مائة ريال فرنسي، ولكن هذه الوزنة اضمحلت وترك التعامل بها، وصار بدلا منها هذا الكيلو المعروف الآن، ولذا احتيج إلى معرفة مقدار الصاع بالمكاييل المعروفة الآن. وعلى هذا من بلغ عنده هذا النصاب من الحبوب والثمار فعليه الزكاة، وما نقص عنه فلا زكاة عليه. قوله: (وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-
. المراد بقوله: فيما سقت السماء، أي: ما سقاه المطر، فالمراد بالسماء: المطر، ويسمى بعلا، وذلك أنه إذا قرب نزول المطر يذهب بعض الناس إلى بعض الأماكن ويحرثون الأرض ويبذرون فيها البذور، فيأتي المطر وتسقيها فتنبت وتنمو إلى أن تحصد ولا يشتغلون فيها إلا بالبذر والحصاد، فهذه ليس فيها كلفة، ففيها العشر أي من كل مائة صاع عشرة آصع. والمراد بقوله: والعيون، أي: الذي يسقى بالعيون، وهذا لا كلفة فيه عليهم أيضا، وكثير من البلاد التي يوجد فيها عيون كالشام واليمن ومصر والعراق يعتمدون على سمي زروعهم من هذه العيون، كالنيل الذي في مصر وغيره، وهذا لا يكلفهم شيئا فيسقون بلا مؤونه، فهذه أيضا فيها العشر. والمراد بقوله: أو كان عثريا، أي: الذي يشرب بعروقه، حيث يوجد في بعض البلاد كثير من الأشجار والنخيل التي تشرب من عروقها وهذه تسمى (عثريا)، فالعثري هو الذي يشرب بعروقه، ويوجد من هذا النوع في بعض نواحي المملكة قرب الأردن في وادي السرحان وفي العراق، فيغرسون الشجرة كالنخلة مثلا، ثم عروقها تصل إلى الماء وتمتصه فتعيش وتنمو فهذه تسمى (عثريا)، وهذه لا كلفة فيها ولا مؤونة ففيها العشر. والمراد بقوله: وفيما سقي بالنضح: النضح: السقي بالدلاء القديمة، فكانوا في السابق يسقون على النواضح وهي الدواب من الإبل والبقر والخيل والحمير ونحوها، يعلقون الرشا في ظهرها ثم تجره حتى يخرج ويصب في مصب مهيئ له يسمى بلهجة العامة (اللزا)، هذه هي طريقة السقي بالنضح. والدلو الكبير يسمى (غربا) وجمعها غروب، والنواضح هي الإبل أو البقر التي تجر هذه الدلاء. فما سقي بالنضح فيه نصف الغشر؛ لأن فيه مؤونة وكلفة. ثم جاء بعد ذلك ما يسمى بالدولايب ولكنها تحتاج إلى بقر أو إبل تديرها، وهي عبارة عن ناعورة متعلق فيها دلاء على هيئة الأسطال، تمتلئ ثم تستدير وتخرج وتصب في المصبات. وهذه تعتبر مؤونة وكلفة. ثم جاء بعد ذلك ما يسمى بالمضخات والماكينات وهذه تحتاج إلى مؤونة، فتحتاج إلى زيت ووقود، وتحتاج إلى صيانة ونحو ذلك، ولذلك فإن زكاتها نصف العشر فيما تنتج.