بتـــــاريخ : 8/8/2011 2:28:01 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 968 0


    الصوم والغرائز الإنسانية

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : د. بدر عبد الحميد هميسه | المصدر : www.saaid.net

    كلمات مفتاحية  :
    فقه الصوم الغرائز الإنسانية السلف

    بسم الله الرحمن الرحيم


    كما أن الصوم مدرسة لتربية المسلم إيمانياً وروحيا ؛ حيث أنه يربيه على التقوى والمراقبة , والمراجعة والمحاسبة ؛ قال تعالى : \" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) سورة البقرة .

    فإن الصوم - كذلك - مدرسة لتهذيب وتأديب الغرائز الإنسانية , ومن الغرائز الإنسانية التي يهدف الصوم إلى تهذيبها وتأديبها :

    1- غريزة الطعام والشراب :

    غريزة الطعام والشراب من أهم الغرائز اللازمة للكائنات الحية , فالكائن الحي يسعى إلى طعامه وشرابه حتى يحافظ على بقائه ووجوده , ولكن ما يفرق بين الإنسان وغيره من الكائنات الحية أن تلك الغريزة لدى الإنسان لها معايير وضوابط , فالإنسان يأكل ليعيش وليس العكس ,أما الحيوان فهو يأكل ليملأ بطنه وفقط , ولا يبالي ما لا يأكل إذا كان من حلال أم من حرام ؟ .
    ولقد جاء صوم ليعلي من شأن هذه الغريزة , فالإنسان يظل يأكل طوال العام ولا يترك فرصة لمعدته – التي هي بيت الداء – للراحة أو الاسترخاء , ولو أننا تخيلنا مثلاً آلة من الآلات تعمل طوال العام دون صيانة أو راحة فماذا يحدث لها ؟. لا شك أنها ستعطب ووتعطل بل وربما توقفت عن العمل تماما .
    لذا فإن صوم رمضان وكذا صوم النوافل يأتيان بمثابة صيانة لتلك الغريزة , وتحقيق الاعتدال الذي هو أصل الدين في جميع الأشياء , فالإسلام لا يدعو المسلم إلى حرمان نفسه من متع الحياة ولا من كل ما أحل الله من الطعام والشراب وغيرهما , كما أنه يرفض أن يكون الإنسان بهيميا لا هدف له إلا أن يكل ويتمتع كما تأكل الأنعام .
    من هنا فقد حث الإسلام على الاعتدال في الطعام والشراب , قال تعالى : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)سورة الأعراف .
    وعن الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيَّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:مَا مَلأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ ، حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ ، فَثُلُثُ طَعَامٍ ، وَثُلُثُ شَرَابٍ ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ. أخرجه أحمد 4/132(17318) و\"التِّرمِذي\"2380 و\"النَّسائي\" في \"الكبرى\"6738 .
    وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - \"كُلْ وَاشْرَبْ، وَالْبَسْ وَتَصَدَّقْ، فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ\" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ هذا حديث صحيح الإسناد .
    عَنْ جَابِرٍ , عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ.أخرجه أحمد 3/333(14631) و\"مسلم\" 6/133(5426) .
    فالصوم جاء لإعلاء تلك الغريزة وأن لا يكون الشبع والتخمة سلوكاً ومنهجاً للمرء في حياته , بل عليه أن يشبع مرة ويجوع مرة , حتى يتعلم الإحساس بالآخرين , قيل ليوسف عليه السلام لم تجوع وفي يديك خزائن الأرض فقال أخاف أن أشبع فأنسى الجائع . إحياء علوم الدين 3/85.
    قال عمر رضي الله عنه‏:‏ إياكم والبطنة فإنها ثقل في الحياة نتن في الممات‏.‏
    وقال لقمان لابنه‏:‏ يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة‏.‏
    وقال أبو يزيد البسطامي‏:‏ الجوع سحاب فإذا جاع العبد أمطر القلب الحكمة‏.‏
    وكان إبراهيم ابن أدهم رحمه الله يسأل أصحابه عن سعر المأكولات فيقول إنها غالية فيقول‏:‏ أرخصوها بالترك‏.‏
    وكان معروف الكرخي يهدى إليه طيبات الطعام فيأكل فقيل له‏:‏ إن أخاك بشراً لا يأكل مثل هذا فقال‏:‏ إن أخي بشراً قبضه الورع وأنا بسطتني المعرفة ثم قال‏:‏ إنما أنا ضيف في دار مولاي فإذا أطعمني أكلت وإذا جوعني صبرت مالي والاعتراض والتمييز.
    ودفع إبراهيم بن أدهم إلى بعض إخوانه دراهم وقال‏:‏ خذ لنا بهذه الدراهم زبداً وعسلاً وخبزاً حوار يا فقيل‏:‏ يا أبا إسحاق بهذا كله قال ويحك إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال وإذا عدمنا صبرنا صبر الرجال‏.‏
    قال أحمد شوقي أمير الشعراء: \"الصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع، لكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة، يستثير الشفقة، ويحض على الصدقة، ويسن خلال البر، حتى إذا جاع من ألف الشبع، وعرف المترف أسباب المتع، عرف الحرمان كيف يقع، وألم الجوع إذا لذع\". العفاني : نداء الريان في فقه الصوم 1/46.
    يقول الشاعر الرصافي:


    وأغبى العالمين فتى أكول * * * لفطنته ببطنته انهزام
    ولو أني استطعت صيام دهري * * * لصمت فكان ديدني الصيام


    2- الغريزة الجنسية :
    الغريزة الجنسية من أقوى غرائز الإنسان وأعنفها وأعمقها، وإذا لم تشبع وتُصرف انتابت الإنسان كثير من الاضطرابات والمقلقات وتحولت حياته إلى جحيم لا يطاق ؛ لذا فقد اهتم الإسلام بتلك الغريزة وأولاها عناية فائقة , ومن المبادئ التي وضعها لتهذيب وتأديب تلك الغريزة :
    أمره بوجوب غض البصر والبعد عن الزنا ومقدماته : قال تعالى : \" قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ (31) سورة النور .
    وقال : \" وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) سورة الإسراء .
    وعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ:يَا عَلِيُّ ، لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى ، وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ.أخرجه أحمد 5/351(23362).
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:الْعَيْنُ تَزْنِي ، وَالْقَلْبُ يَزْنِي ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزْنَا الْقَلْبِ التَّمَنِّي ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ مَا هُنَالِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ. أخرجه أحمد 2/329(8338) .
    وحثه على الزواج الشرعي وتحريم الرهبانية والانقطاع للعبادة وترك الزواج , قال تعالى : \" ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27) سورة الحديد.
    وعَنْ حُمَيْدٍ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا ، فَقَالُوا : وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ؟ أَمَا وَاللهِ ، إِنِّي لأَخْشَاكُمْ ِللهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي.أخرجه البُخَارِي 7/2(5063) .
    ولأن هذه الغريزة من أقوى الغرائز لدى الإنسان وقد تأخذه إلى ما فيه مضرته وهلاكه , فقد جاء صوم رمضان ليهذبها ويعلي من شأنها , فكما أن الصوم هذب فيه غريزة الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ؛ فإنه كذلك منعه من غريزة الشهوة في هذا الوقت , قال تعالى : \" أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) سورة البقرة .
    وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ . قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ.أخرجه أحمد 2/174(6626).

    3- غريزة حب التملك :

    غريزة حب التملك لها جانب ايجابي : وذلك في كونها تسعى لتدفعنا قدما نحو هدف معين ننشد من وراءه امتلاك شيء ما بالطرق المشروعة , أما وأن تتحول تلك الغريزة إلى أنانية وحب للذات فقط , ويصبح ما يمتلكه الإنسان من أموال وغيرها أداة للتعالي على الخلق , وشحا على النفس والغير , فهذا ما يرفضه الدين الحنيف , الذي أمر بأن لا تلهي الأموال ولا الأولاد عن طاعة الله, قال تعالى: \" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) سورة المنافقون.
    وعَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ ، أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ ، بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ ، وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ. أخرجه أحمد 3/456(15876) حديث رقم : 5620 في صحيح الجامع .
    فالمال في الإسلام وديعة مستودعة وعارية مستردة , قال الشاعر :

    وما المال والأهلون إلا ودائع * * * ولابد يوما أن ترد الودائعُ

    وشهر رمضان يهذب غريزة حب التملك فيربي المسلم على الجود والكرم وإطعام الصائمين والتصدق على المساكين بزكاة الفطر الواجبة على الجميع وبأنواع الصدقات , عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : \"كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، حين يلقاه جبريل فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة \". \"البُخَارِي\" 1/4(6) و4/229(3554) و\"مسلم\" 7/73(6075).
    وعن زيد ابن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا . الألباني :صحيح ، ابن ماجة ( 1746 ).
    4- غريزة حب الاجتماع :
    الإنسان مدني بطبعه , وبغريزته يحب الاجتماع والتآلف مع بني جنسه , قال تعالى : \" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) سورة الحجرات .
    وعن سهل بن سعد، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: \" المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف \". صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني، 6661 .
    قال الماوردي: بين به أن الإنسان لا يُصلح حاله إلا الألفة الجامعة، فإنه مقصود بالأذية محسود بالنعمة. فإذا لم يكن ألفاً مألوفاً، تختطفه أيدي حاسديه، وتحكم فيه أهواء أعاديه، فلم تسلم له نعمة، ولم تَصفُ له مدة. وإذا كان إلفاً مألوفاً، انتصر بالإلف على أعاديه، وامتنع بهم من حساده، فسلمت نعمته منهم، وصَفت مودته بينهم. المناوي : فيض القدير 6/ 311.
    وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:\" الْمُؤْمِنُ الَّذِى يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِى لاَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ. أَخْرَجَهُ أحمد 2/43(5022) و\"البُخَارِي\" في (الأدب المفرد) 388 .

    فهذه الغريزة تحمل الجانب الإيجابي أكثر من الجانب السلبي ، وشهر رمضان فرصة كبيرة لمخالطة الناس والتواصل معهم , ولكن لا يكون هذا التواصل مدعاة للشر وأن لا تكون المجالس والاجتماعات الرمضانية فرصة للقيل والقال والغيبة والنميمة والتشاحن والجدال , وتضييع الأوقات في اللهو , عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؛أَنَّ امْرَأَتَيْنِ صَامَتَا ، وَإِنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ , إِنَّ هَاهُنَا امْرَأَتَيْنِ قَدْ صَامَتَا , وَإِنَّهُمَا قَدْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا مِنَ الْعَطَشِ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، أَوْ سَكَتَ ، ثُمَّ عَادَ ، وَأُرَاهُ قَالَ : بِالْهَاجِرَةِ ، قَالَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، إِنَّهُمَا وَاللهِ قَدْ مَاتَتَا ، أَوْ كَادَتَا أَنْ تَمُوتَا ، قَالَ : ادْعُهُمَا ، قَالَ : فَجَاءَتَا ، قَالَ : فَجِيءَ بِقَدَحٍ ، أَوْ عُسٍّ ، فَقَالَ لإِحْدَاهُمَا : قِيئِي , فَقَاءَتْ قَيْحًا ، أَوْ دَمًا , وَصَدِيدًا , وَلَحْمًا ، حَتَّى قَاءَتْ نِصْفَ الْقَدَحِ ، ثُمَّ قَالَ لِلأُخْرَى : قِيئِي , فَقَاءَتْ مِنْ قَيْحٍ ، وَدَمٍ ، وَصَدِيدٍ ، وَلَحْمٍ عَبِيطٍ ، وَغَيْرِهِ ، حَتَّى مَلأَتِ الْقَدَحَ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَمَّا أَحَلَّ اللَّهُ ، وَأَفْطَرَتَا عَلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، عَلَيْهِمَا , جَلَسَتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الأُخْرَى ، فَجَعَلَتَا يَأْكُلاَنِ لُحُومَ النَّاسِ. أخرجه أحمد 5/431(24053).

    قال الإمام ابن الجوزي: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة‏.‏ ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل‏.‏ ولتكن نيته في الخير قائمة، من غير فتور، بما لا يعجز عنه البدن من العمل . وقد كان جماعة من السلف يبادرون اللحظات‏.‏ فنُقل عن عامر بن عبد قيس، أن رجلاً قال له: كلمني، فقال له: أمسك الشمس! وقال ابن ثابت البناني‏:‏ ذهبت ألقن أبي، فقال‏:‏ يا بني دعني فإني في وردي السادس‏.‏ ودخلوا على بعض السلف عند موته، وهو يصلي، فقيل له‏.‏ فقال‏:‏ الآن تطوى صحيفتي‏.‏ ابن الجوزي : صيد الخاطر21.

    فشهر رمضان يجمع الناس على الخير والتآلف تصديقا لقوله سبحانه : \" وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) سورة المائدة .
    فيجمع الناس على صلاة القيام والتهجد , وعلى دروس العلم وقراءة القرآن والذكر والدعاء , وعلى إجابة الدعوات للإفطار وصلة الرحم وإحسان الجوار وغيرها من أعمال الخير والبر ليهذب غريزة الاجتماع والتآلف والتواصل مع الناس .

    كلمات مفتاحية  :
    فقه الصوم الغرائز الإنسانية السلف

    تعليقات الزوار ()