بتـــــاريخ : 8/8/2011 5:08:41 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1114 0


    مهمة أولي العزم

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : نبيلة الوليدي | المصدر : www.saaid.net

    كلمات مفتاحية  :
    دعوة مهمة أولي العزم


    بسم الله الرحمن الرحيم


    أدرك الرجل الثري المولع بولده الوحيد أنه لم يحسن تربيته وتأديبه - ولكن بعد فوات الأوان-  فقد صار شابا جامح النفس معوجّ الطباع, إلا أن الأب المحب لولده أصر على أن الأوان لم يفت بعد لإصلاح ولده ,فبدأ يمارس عليه ألوانا من أساليب التأديب من شدة ولين وترغيب وترهيب ,لكن ذهبت جميع جهوده أدراج الرياح..فسلّط على ولده ألوانا من العقاب لعله يرعوي ويحسّن من سلوكه إلا أن الولد كان يزداد خبثا وعنادا ..وفي يوم من الأيام لمعت في ذهن الأب فكرة جديدة وغريبة فعزم على أن يجربها ولتكن السهم الأخير وبعد ذلك يرضى بما غرست يداه..

    استدعى ولده وأجلسه بين يديه وقال له: أليوم سوف أقدم لك عرضا متأكد أنه سيعجبك؟
    - وما هو هذا العرض؟
    - سوف أعطيك نصف ثروتي الآن على الفور وسأطلب منك مقابل ذلك طلبا يسيرا: أريد منك في كل مرة تسيء فيها لإنسان مهما تكن الإساءة أن تغرز مقابلها مسمارا في جدار حجرتك..
    فرح الولد فرحا عظيما..فيا له من عرض لم يكن ليحلم به في يوم ما !...
    في اليوم الأول لسريان الاتفاق بينه وبين أبيه غرز عشرة مسامير..وكان في البدء يفعل ذلك بمرح معتبرا الأمر لعبة مسلية ..وبقي على هذه الحال عدة أسابيع,ثم بدأ الملل يتسرب إلى نفسه من هذه المهمة وضاق بها ذرعا حيث وجد عدد المسامير يزداد يوما بعد يوم.
    ومع مرور الأيام ازداد كرهه لها وتنغّص عيشه وذهبت لذة المال التي ظن أنها ستملأ حياته بالمرح والسعادة وصارت صورة المسامير لا تفارق مخيلته ليلا أو نهارا.

    شعر الأب بذلك فاستدعاه ثانية وقال له:
    -  اليوم قررت أن أعطيك نصف ثروتي المتبقي ولكن بعد أن تنزع آخر مسمار من جدار حجرتك..
    قفز الولد من شدة الفرح ..فأخيرا سوف يتخلص من هذه المسامير البغيضة وأراد أن يهرع إلى حجرته ويبدأ بنزع المسامير على الفور..
    إلا أن الأب أمسك به قائلا: ليس هكذا ولكن في كل مرة تقدّم فيها معروفا لإنسان وتحسن إليه ولو بكلمة طيبة انزع مسمارا..لم يخب أمل الولد فقد ظنه شرطا سهلا..
    لكنه فوجئ بأنه لم ينزع مسمارا واحدا في أول يوم وكذا اليوم الثاني والثالث ...
    ومرت أسابيع دون أن ينزع مسمارا واحدا !!
    عندها عرف أن الأمر ليس بالسهولة التي تصورها بادئ الأمر..بدأ يفكر ويقوّم سلوكه فهو يريد تحقيق رغبة أبيه ليحصل على بقية الثروة وأيضا ليتخلص من كابوس المسامير الذي أفسد عليه حياته .ثم بدأ شيئا فشيئا يجبر نفسه على التلطف مع الآخرين ويحاول إسداء المعروف لهم وبدأ ينزع المسامير شيئا فشيئا..مرّت فترة من الزمن وجاء اليوم الذي نزع في آخر مسمار..
    أسرع إلى والده ليبلغه الخبر حاملا بيده ذلك المسمار !
    - أبي لقد نجحت في نزع جميع المسامير وهذا هو آخر مسمار.
    -  حقا؟ّ! أحسنت ..الآن اذهب بي إلى حجرتك لأريك شيئا..سار مع والده وما أن ولجا باب الحجرة حتى قال الأب:
    -  ماذا ترى أمامك؟
    -  جدران مليئة بالثقوب..لكن لا يهم سوف أرممها وأزيل كل أثر بها.
    -  نعم أعلم أنه أمر سهل ..لكن ماذا عن الثقوب التي أحدثتها في قلوب من أسأت إليهم هل تستطيع إزالتها وإذهاب آثارها؟؟
    سوف أعطيك كامل ثروتي ولكن أي عيش ستحياه بين قلوب حفرت فيها الحقد والبغض لك..؟
    إن صورتك في قلوبهم أشد قبحا وتشوّها من هذه الجدران..وكل ذلك من صنع يديك. هذا ما أردت أن أوصله لك من خلال هذه التجربة التي دفعت ثمنها كل ثروتي ولست نادما فلعلي أصنع منك إنسانا حقيقيا..
    كانت هذه القصة الرائعة هي آخر ما اختتم به ضيف إحدى الفضائيات الجادة حديثه الممتع عن التغيير..وأقول بعدها: نعم قد جاء في الأثر"إياك ومما يعتذر منه" فلا تسئ إلى من حولك خاصة إن بليت بأصحاب القلوب الجدارية..وما أكثرهم في زماننا هذا,والله أن رؤيتهم لتكدر العيش وترمد العين ..إخوة وأهلون وجيران وأصحاب في شقاق وتباغض وتنافر وجفاء..كل ذلك لأن بعضهم عاجز عن الصفح والبعض الآخر عاجز عن اللطف والعطف والإحسان وحسن الخلق..
    يا أيها الإنسان لماذا ترضى بمساكنة قلب من حجر أو أشد قسوة؟ّ!
    كيف تستطيع أن تحيى وهذا الجلمود بين جنبيك؟!
    خلقه الله مضغة مرنة لينة ووضع فيه السر الأعظم حتى أنه ليسع الكون بأسره بل يسع رب الكون..
    يا أيها الإنسان راقب نفسك قبل أن تصبح مسخا لا همّ له سوى تجريح من حوله بوعي ودون وعي..كن إنسانا إن استؤنس أنس وإن جرح عفا ونسي ..يا لها من مهمة لا يطيقها سوى أولي العزم..وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم..

    مجلة الأسرة"العدد155"
     

    كلمات مفتاحية  :
    دعوة مهمة أولي العزم

    تعليقات الزوار ()