لدي أشكال ولم أجد عليه ردا، ففي مناقشتي مع الرافضة في قضية كيف يمكن لشخص أن يصلي ألف ركعة بين يوم وليلة، وأن هذا الشيء مخالف للعقل، قال لي إن هذا الأمر صح عن بعض سلف الأمة والتابعين رضي الله عنهم كعلي بن الحسين المسمى زين العابدين وعلي بن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما وغيرهم ممن ذكروا في كتب التراجم. وأما عن السلف فقال إن ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - في كتابه جامع العلوم والحكم قال (إن بعض السلف كان يصلي كل يوم ألف ركعة حتى أقعد من رجليه ) .
وأتاني بتصحيح الشيخ محمد عمرو الشنقيطي – رحمه الله – في حادثة علي بن عبد الله رضي الله عنه في كتابه أحاديث ومرويات في الميزان.
فهل صح هذا الشيء عمن ذكروا، وأن هذا الشيء أمر طبيعي، وأنه غير خارق و خارج عن المألوف. نرجو الإجابة حتى لا نقع في المحظور.
أما المسألة الثانية التي قالها هي أن شيخ الإسلام - رحمه الله - طعن في حفظ علي رضي الله عنه، وقال في كتاب منهاج السنة (عثمان كان يقرأ القرآن في ركعة، وعلي اختلف فيه هل كان يحفظ القرآن أم لا).
فهل يصح قول شيخ الإسلام أن عليا رضي الله عنه كان مختلفا في حفظه، رغم أن الإمام الذهبي – رحمه الله – عده في كتابه معرفة القراء من حفاظ القرآن، وقال الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني – رحمه الله – في مناهل العرفان في علوم القرآن أن الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم كانوا من حفظة القرآن على حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الحافظ السيوطي - رحمه الله – في تاريخ الخلفاء إن عليا رضي الله عنه كان حافظا للقرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما بحثت وجدت فتوى برقم: 69415، في فضائل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم فضل علي قلتم فيها إن أهل العلم وقع بينهم اختلاف في ذلك. فمن من علماء السلف قال هذا حتى لا يكون القول محصورا في شيخ الإسلام ونبطل قول المبتدعة القبورية الروافض في حقه. نرجو منكم الإجابة بشكل تفصيلي حتى يتسنى لنا الرد عليهم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبهك أولا إلى أن مناظرة أهل البدع لا يقوم بها إلا من حصل من العلم قدرا يمكنه به دفع شبهاتهم وإقامة الحجة عليهم، ويبدو أنك لم تبلغ الغاية التي تؤهلك لهذا الأمر، ومن ثم فنحن ننصحك بالاجتهاد في طلب العلم والعكوف على تحصيله ريثما تكون لك القدرة على المناظرة، وأما المسألتان اللتان سألت عنهما فخطبهما يسير، فإن صلاة ألف ركعة في اليوم ليس مما يحيله العقل، بل حصوله ممكن، وقد نقل فعله عن جمع من الصالحين، فليست هذه المسألة مما يعقد عليه الولاء والبراء، وليس الشأن في إمكان ذلك فإنه ممكن ومنقول عن جمع كما ذكرنا، وإنما الشأن في كونه أفضل أو لا، فإن أحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما علي رضي الله عنه فقد نقل جمع أنه ممن جمع القرآن كله، ونفى ذلك آخرون.
قال أبو جعفر النحاس: وقال الشعبي: وأبو الدرداء حفظ القرآن على عهد رسول الله ومجمع بن جارية بقيت عليه سورتان أو ثلاث قال ولم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان. وسالم مولى أبي حذيفة وكان بقي عليه منه شيء. انتهى.
وليس عدم حفظ القرآن كله قادحا، وقد نقل عن أبي بكر وعمر أنهما لم يجمعا القرآن كما يقتضيه أثر الشعبي المتقدم.
قال السيوطي في الإتقان: أخرج ابن اشته في المصاحف بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال: مات أبو بكر ولم يجمع القرآن، وقتل عمر ولم يجمع القرآن. انتهى.
وذكر بعض العلماء أن الخلفاء الأربعة ممن حفظ القرآن، قال الحافظ في الفتح: وتقدم عن علي أنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ ، وقال أيضا: وقد ذكر أبو عبيد القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعد من المهاجرين الخلفاء الأربعة. انتهى.
وعلى كل فهذه مسألة سهلة، والخلاف فيها ثابت كما رأيت، وليس فيها نصوص ثابتة تقطع في الأمر غير أنها اجتهادات واستنباطات من العلماء، ولعل اللائق بمكانة الخلفاء الأربعة في العلم وقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكونوا جميعا ممن جمع القرآن كله، وإن لم يثبت هذا عن بعضهم فلا يقدح ذلك في منزلته ومنصبه من الدين، فإن فضائلهم رضي الله عنهم ومناقبهم كثيرة مشهورة.
والله أعلم.