الوا: دقات قلب المرء قائلة له: "إن الحياة دقائق وثوان"...
وبإصرار بالغ أعلن صاحبنا أن هذه دقات قلبه هو، وأن دقائق الحياة وثوانيها هي جزيئات حياته هو... لذا فهو يمتلك الحرية التامة في كيفية قضاء وقته، وأنه يرفض تدخُّل أحد في كيفية قضاء عمره. فإن رأى أنه سيسهر الليل الطويل مع بعض الأصدقاء فله ذلك، وإن أحسّ أنه بحاجة لمواصلة أربع وعشرين ساعة نوماً، فلا يحق لأحد أن يخاف عليه، وإن استطالت مكالماته الهاتفيّة لتستولي على أوقات التحصيل والدراسة فلن يلتفت لأيّ نُصح... أليست هذه حياته وهو حر في بعثرتها كما يهوى؟!
قرارات حياته المفصلية مِنْ حقِّه هو! إنه يرفض دندنة الأب والأم والأصدقاء حول مستقبله... أليست هذه حياته هو؟
وهكذا... كانت الأيام تمرّ عليه دون استشارة أو استخارة...
كان يتعثر أحياناً ويقف أحياناً...
وفي نهاية المطاف كان يحقق أقل مما وُهب من الطاقات، ذلك أنّ عقارب الساعة لا تعرف الحركة للخلف أبداً؛ فالزمن يمضي والقطاف الفج ينهمر..
وأخيراً تنهّد بقوة قائلاً: ها أنا ذا أمامكم... أفكِّر بصوتٍ مسموع...
وجلستُ إلى نفسي... تراني هل رفضتُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إرسالاً واستقبالاً رغم ما لتركهما من خطورة اجتماعية على الأقل؟ أم تراني تقوقعت على نفسي فلما رفضتُ آراء الآخرين ونُصحهم رفضوني هم؛ فصنعتُ لنفسي شرنقة وأحكمتُ نسجها؟!
وأنا الآن أتساءل: هل من الحرية الحقة الانقياد لمشورة رأسي وإطلاق رغباتي لفعل ما يخطر ببالي؟ أم إن الحكمة ترشدني للأخذ بآراء العقلاء وأهل المشورة... خاصّة في القضايا المفصلية الهامة في حياتي؟
هذا التساؤل أطرحه على نفسي ابتداءً، ثم على كل شاب توسّع في احتكار حياته وجعل مصيرها رهناً لأهواء نفسه وانحرافات فكره وتقلبات مزاجه... ثم حصد ما حصد... أخبره أنني اليوم تنسّمت عبير الحرية فقط؛ أتدرون لماذا؟ لأنني صحوت على واقع مرير، ووقفتُ على حقيقة أمري، وكشفت زيف ادِّعاءاتي، وبدأت تصويب مسارات فكري والتحكّم بأهواء نفسي... لأنني اليوم فقط عرفتُ أن مَن حولي أصدقائي وأحبائي وليسوا أعدائي... حرصهم على مصلحتي يفوق حرصي، وخبرتهم في الحياة تفوق تجاربي.
لأنني عرفت: أردت أن تعرف وأن تتذوق... لأنني تذوقت طعم الحرية الحقيقي وفهمتُ أنها تقود حياتي وحياتك إلى النجاح والنظام لا إلى الفشل والفوضى.
هذا ما فهمته من أقوال قلبي وقد صدق... حقاً صدق.