[center]
،،،،،،
ا
أتقدم للجميع بهذ البحث الهام وهو بعنوان ( أسباب تسلط الجن واالشياطين على
الإنسان ) وهو على النحو التالي :
عالم الجن له نوع علاقة بعالم الإنس ، لكن هذه العلاقة تختلف عن علاقة
الإنس بعضهم ببعض ، وذلك لاختلاف طبائع كل من عالمي الجن والإنس عن بعضهما ،
وهذه العلاقة بين بعض الإنس وبعض الجن قد تكون علاقة قائمة على المحبة
والمساعدة ، كما يكون من تسخير الله بعض الجن المؤمنين لمساعدة بعض عباده
وأوليائه المتقين - وهذا بخلاف الاستعانة والتي أفردت لها بابا مطولاً في
كتابي الموسوم ( القول المُعين في مرتكزات معالجي الصرع والسحر والعين )
تحت عنوان ( الاستعانة بالجن ) - وقد تكون هذه العلاقة قائمة على أساس من
البغض والكراهية ، فينشأ منها اعتداء من قبل بعض الجن على بعض الإنس 0
قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه
الله - : ( والجن أعظم شيطنة ، وأقل عقلا ، وأكثر جهلا ، والجني قد يحب
الإنسي كما يحب الإنسي الإنسي ، وكما يحب الرجل المرأة ، والمرأة الرجل ،
ويغار عليه ويخدمه بأشياء ، وإذا صار مع غيره فقد يعاقبه بالقال وغيره ) (
النبوات – ص 279 ) 0
ومما تقدم يتضح لنا أن الأسباب الرئيسة لصرع الأرواح الخبيثة للإنس مجتمعة
في الأمور التالية :
[size=21]الأول : أسباب من جهة الإنسان نفسه :
وهذه الأسباب تتأتى إما نتيجة الابتلاء أو العقوبة وإما بسبب تقصير الإنسان
وبعده عن الله سبحانه وتعالى ، وفراغ القلوب من الذكر والدعاء وعدم اللجوء
إليه سبحانه ، وألخص هذه الأسباب بالآتي :
[size=21]1 ) - أسباب تتعلق بحكمة الله
ومشيئته :
أ )- الابتلاء :
قال صاحبا الكتاب المنظوم فتح الحق
المبين : ( أن يكون صرع الجن للإنس نوع ابتلاء من الله - جل وعلا - فالله
سبحانه وتعالى بحكمته بتلي الخلق بأنواع المصائب والصرع من جملتها ، قال
تعالى : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا
تُرْجَعُونَ ) ( سورة الأنبياء – الآية 35 ) 0 وعلى من ابتلي بذلك أن يصبر
ويحتسب الأجر والمثوبة من الله مع بذل الأسباب المشروعة للعلاج ) ( فتح
الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين – ص 79 ) 0
ب )- العقوبة الإلهية :
قال صاحبا الكتاب المنظوم فتح الحق
المبين : ( أن يكون ذلك عقوبة من الله بسبب اقتراف العبد الذنوب والآثام ،
قال تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) ( سورة الشورى – الآية 30 ) 0
فكلما ابتعد الإنسان عن ربه وخالقه استحوذت عليه الشياطين وتسلطت عليه
وأصبحت حياته تعيسة ، قال تعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى فَإِنَّ
لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) " سورة
طه – الآية 124 " ) ( فتح الحق المبين – ص 80 ) 0
2) - أسباب تتعلق بالإنسان نفسه :
أ ) - ضعف حظ المبتلى عن
الدين والتوكل والتوحيد 0
ب)- خراب القلوب والألسنة من الذكر والدعاء0
ج)- عدم قيام المبتلى بالتعاويذ والتحصينات النبوية 0
د )- يقين الجن والشياطين بعزلة الإنسان من السلاح الذي يستطيع مواجهتهم به
والنيل منهم ومن أذاهم وبطشهم 0
يقول ابن القيم : ( وأكثر تسلط هذه
الأرواح على أهله تكون من جهة قلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق
الذكر والتعاويذ والتحصنات النبوية والإيمانية ، فتلقى الروح الخبيثة الرجل
أعزل لا سلاح معه وربما كان عريانا فيؤثر فيه ) ( زاد المعاد – 4 / 69 ) 0
ثانيا : أسباب من جهة الجن أنفسهم :
وهذه الأسباب تعزى للجن أنفسهم ، وقد تكون أسباب ذاتية نتيجة الإيذاء
والظلم ونحوه ، وقد تكون بدوافع أخرى كالسحر والتسليط ونحوه ، ونستطيع أن
نحدد تلك الأسباب بالأمور التالية :
1)- إن صرعهم للإنس قد يكون عن شهوة
وهوى وعشق :
كما يتفق للإنس مع الإنس 0
قال شيخ الإسلام بن تيميه : ( أن
يكون صرعهم بسبب العشق والهوى والشهوة ، فما كان من الباب الأول فهو من
الفواحش التي حرمها الله تعالى كما حرم ذلك على الإنس وإن كان برضى الآخر ،
فكيف إذا كان مع كراهته فإنه فاحشة وظلم ، فيخاطب الجن بذلك ويعرفون أن
هذا فاحشة محرمة ، أو فاحشة وعدوان لتقوم الحجة عليهم بذلك ، ويعلموا أنه
يحكم فيهم بحكم الله ورسوله الذي أرسله إلى الثقلين الجن والإنس ) ( مجموع
الفتاوى – 19 / 40 ، وانظر إيضاح الدلالة في عموم الرسالة – ص 27 ) 0
2)- وقد يكون - وهو الأكثر - عن بغض
ومجازاة :
قال شيخ الإسلام بن تيميه : ( وقد
يكون - وهو كثير أو الأكثر - عن بغض ومجازاة مثل أن يؤذيهم بعض الإنس أو
يظنوا أنهم يتعمدوا أذاهم إما ببول على بعضهم أو بصب ماء حار وإما بقتل
بعضهم ، وإن كان الإنسي لا يعرف ذلك ، وفي الجن جهل وظلم فيعاقبونه بأكثر
مما يستحقه ) ( مجموع الفتاوى – 19 / 40 ) 0
وقال - رحمه الله - : ( وما كان من
هذا القسم فإن كان الإنسي لم يعلم فيخاطبون بأن هذا لم يعلم ، ومن لم
يتعمد الأذى لا يستحق العقوبة ، وإن كان قد فعل ذلك في داره وملكه عرفوا
بأن الدار ملكه ، فله أن يتصرف فيها بما يجوز ، وأنتم ليس لكم أن تمكثوا في
ملك الإنس بغير إذنهم بل لكم ما ليس من مساكن الإنس كالخراب والفلوات ) (
مجموع الفتاوى – 19 / 40 ) 0
وبخصوص هذه المسألة فقد سمعت نقلا عن بعض المعالجين الآتي :
يقول البعض إن الإنسان إذا سكن منزلا أو دارا وكانت الدار أصلا سكنى للعمار
من الجن فعليه أن يرتحل عن هذا المنزل أو الدار ، أما إذا سكنت الدار من
قبل الجن بعد أن يسكنها الإنسان فعلى الجن في هذه الحالة مفارقة الدار بعد
وعظهم وتبيان ذلك الأمر لهم 0
وفي اعتقادي أن هذا الأمر فيه نظر وهو مخالف للصواب لأن السكنى لا تكون إلا
للإنس وأما أماكن تواجد الجن فهي الفلوات والحشوش والمزابل ونحوها ، كما
ثبت في الأحاديث النقلية الصحيحة وكما أشار لذلك علماء الأمة الأجلاء ،
ويعتبر هذا ظلم من الجن في كلا الحالين ولا بد من رفعه عن ساكني هذه البيوت
، وعلى المعالج في هذه الحالة أن يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ويبين
لهم عدم جواز فعل ذلك وأنه اعتداء بغير حق ، وأن هذا الأمر من الظلم الذي
حرمه الله سبحانه وتعالى وقد أشار آنفا لذلك المفهوم شيخ الإسلام ابن تيميه
- رحمه الله - ، هذا وقد تعرضت لهذه المسألة في كتابي الموسوم ( منهج
الشرع في بيان المس والصرع ) تحت عنوان ( طريقة علاج البيوت المسكونة ) 0
تقول صاحبة كتاب " عالم الجان من
خلال القرآن والأحاديث الشريفة " : ( وغالباً ما يوجد الجن في محال
النجاسات والقاذورات كمحلِّ نحو الإبل ، والحمامات ، والمراحيض ، والمزابل ،
والأماكن الموحشة : كالأودية والقبور ، ومواضع القتلى ، وبيوت الأصنام ،
والكنائس ، والديورة ؛ فقد كانت الجن تدخل في الأصنام وتخاطبهم ومن ثمَّ
جاء النهي عن الصلاة في تلك الأماكن لأنها مأوى الشياطين ومن مساكنهم الجحر
؛ ومن ثمَّ كره البول فيه 0 وعلل بأنه مسكن الجن ، وكذا البحر ليلاً ؛ ومن
ثَمَّ كره البول فيه كذلك ) ( نقلاً عن كتاب " عالم الجان من خلال القرآن
والأحاديث الشريفة " – ص 65 – 66 ) 0
قال صاحبا كتاب " طارد الجان " : (
وصرع الجن للإنس هو لأسباب ثلاثة :
* تارة يكون الجني يحب المصروع فيصرعه ليتمتع به ، وهذا الصرع يكون أرفق من
غيره وأسهل 0
* وتارة يكون الإنسي آذاهم إذا بال عليهم ، أو صب عليهم ماء حاراً ، أو
يكون قتل بعضهم أو غير ذلك من أنواع الأذى ، وهذا أشد الصرع ، وكثيراً ما
يقتلون المصروع 0
* وتارة يكون بطريقة العبث به كما يعبث سفهاء الإنس بأبناء السبيل ) ( طارد
الجان – ص 17 ، 18 ) 0
وقالا أيضاً في كتابهما " أفعال شيطانية " : ( من الأسباب التي تسبب المس
للإنسان : السحر والتسليط ، ودعاوى الجن الباطلة على الإنسان والعشق
والاستمتاع بين الإنس والجن ، والدقة والزار ، وذبح الذبائح قرباناً
للأسياد من الجن والعفاريت ، وإراقة الدماء على جسد المريض ، والعقد على
المعادن مثل الذهب والفضة والحديد وغيرها ، وهذا أخطر أنواع المس وعلاجه
نادر الحدوث ، وحمل الأحجبة ، وقراءة كتب السحر والدعاوى والأقسام 0
وقد يتولد المس من العارض الذي يأتي عن طريق الخوف الشديد والرعب والطربة
والحسد والعين والنظرة ، وقد يتولد المس حينما يعرض الإنسان عن العبادة
والذكر ، وقد يتولد المس من أكل مال اليتيم ، أو التولي يوم الزحف ، أو من
أكل الربا ، أو من ارتكاب الجرائم والكبائر والآثام ، وقد يكون من شرب
الخمر والمخدرات والمشمومات والمشروبات الممنوعة والمحرمة ) ( أفعال
شيطانية – ص 9 ) 0
[align=center]( قصة واقعية
)[/align]
وتلك قصة تعتبر واقعا مشاهدا لإيذاء الأرواح الخبيثة للإنس بسبب الإيذاء
دون قصد يذكر :
فتاة في مقتبل العمر ، كانت في رحلة نقاهة ونزهة في ربوع المملكة مع أهلها
وذويها ، تقول الفتاة ، خرجت في ساعة متأخرة لقضاء الحاجة ، وما كان مني
إلا أن ارتطمت قدماي بوتد من أوتاد الخيمة التي نقطنها ، وقعت من فوري ،
ولم أشعر بنفسي بعد ذلك ، بعدها بفترة استيقظت وأصبحت تنتابني آلام وأوجاع
متنقلة ، كما أصبحت أشعر بتعب وخمول شديدين ، وبعد رقية الفتاة تبين أنها
تعاني من صرع الأرواح الخبيثة ، وقد نطق الجني الصارع على لسانها ، وتبين
أن السبب الرئيسي لصرعها واقترانه بجسدها هو الإيذاء بسبب واقعة الخيمة
المشار إليها ، وقد من الله سبحانه وتعالى على الفتاة بالعافية وقدر الله
خروج ذلك الجني بعد أن تم إيضاح بعض الأمور المتعلقة بالعقيدة والظلم ونحوه
، والله تعالى أعلم 0
3)- وقد يكون عن عبث منهم وشر :
قال شيخ الإسلام بن تيميه : ( 000
وقد يكون عن عبث منهم وشر بمثل ما يفعل سفهاء الناس وهذا من أخف الأنواع ) (
مجموع الفتاوى – 19 / 40 ) 0
4)- وقد يكون ناتجا عن تسلطهم بواسطة
السحرة والمشعوذين والكهنة والعرافين 0
قال صاحبا كتاب " طارد الجن " : (
طالما أن للجن عالمه الخاص وللإنس عالمه الخاص فلماذا يتحرش الجن بالإنس
إلى درجة أن يدخل في جسده ويوقع به أشد الضرر ، وهناك أسباب تجعل الجني
يبذل قصارى جهده حتى يدخل الجسد وهذا ما يطلق عليه مس الجني للإنس ثم ساقا
الأسباب الداعية لتسلط الجن على الإنس إلى أن قالا : أن يكون مكلفاً من أحد
السحرة بذلك ) ( طارد الجان – ص 60 ) 0
5)- وقد يكون ناتجا عن الإصابة بالعين
:
فيصرعون الإنس نتيجة لذلك ، وهذا أمر مشاهد محسوس ، وقد وقفت على حديث ضعيف
يدور حول هذا المعنى ، إلا أن معناه صحيح والله تعالى أعلم ، والحديث رواه
أبو هريرة - رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
[align=center]( العين حق يحضرها الشيطان وحسد ابن آدم
)[/align]
[align=center]( السلسلة الضعيفة
2364 )[/align]
قال المناوي : ( فالشيطان يحضرها
بالإعجاب بالشيء وحسد ابن آدم بغفلة عن الله فيحدث الله في المنظور علة ،
يكون النظر بالعين سببها فتأثيرها بفعل الله ) ( فيض القدير – 4 / 397 ) 0
قـال الشوكاني : ( يجوز رقية من به مس أو عين أو نحوهما ، لاشتراك ذلك في
كون كل واحد ينشأ عن أحوال شيطانية من إنسي أو جني ) ( نيل الأوطار – بتصرف
– 8 / 214 ) 0
يقول الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – حفظه الله – في مقدمته للكتاب
الموسوم " كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية " للشيخ عبدالله بن محمد
السدحان : ( وقد أثبت بالتجربة الصادقة أن العين يتبعها شيطان من شياطين
الجن فيؤثر في المعين بإذن الله تعالى الكوني القدري ) ( كيف تعالج نفسك
بالرقية الشرعية ؟ - ص 5 ) 0
يعقب الشيخ عبدالله السدحان على
الحديث آنف الذكر فيقول : ( هذا الحديث أوله " العين حق " صحيح رواه
البخاري ( 10 / 203 ) أما بقيته " ويحضرها الشيطان وحسد ابن آدم " فقد
أخرجه أحمد في المسند ( 21439 ) بلفظ " يحضر بها " أي معها وقد جاء أيضا
بلفظ " يحضرها " وعزاه السيوطي في الجامع الصغير للكجي في سننه من حديث أبي
هريرة كما قال الترمذي وغيره 0 وقال الهيثمي ( 5 / 107 ) : رواه أحمد
ورجاله رجال الصحيح 0 وعلى كل فمعناه صحيح ولا يخالف حديثاً صحيحاً وتشهد
له التجربة ويؤيده الواقع ومشائخنا على هذا المعنى فلله الحمد والمنة 0
ثم يقول : ( هذا الحديث الشريف يفيد أن كل إنسان حوله شياطين الجن يتربصون
الإيقاع به ، فكل إنسان معرض للحسد ، ولا يكاد أحد يسلم من العين إلا من
عصم الله ) ( كيف تعالج نفسك بالرقية الشرعية ؟ - ص 43 ) 0
وقال أيضاً : ( ولأن غالب أمراض الناس سببها العين ، وأن معنى حديث " العين
حق " أي الوصف دون ذكر الله ( وهو سم اللسان ) وليس المراد آلة العين
وإنما عُبر بها لأنها الواصفة للواقع ، وحينئذ تنطلق الشياطين الحاضرة
فتعمد إلى إيذاء الموصوف بإذن الله ، ولأن هذا المفهوم الشرعي غير مسبوق
فيما أعلم حرصت كل الحرص على تأصيله شرعياً بالاستعانة بعد الله بمشائخنا
ممن له اختصاص في العقيدة وهي الأهم ، وتم عرض هذا المفهوم على شيخنا
الفاضل محمد العثيمين ، فأقره بحمد الله وذلك في فتوى عن طريق شريط تسجيل )
( كيف تعالج نفسك بالرقية الشرعية ؟ - ص 21 ) 0
ومن أدق وأبلغ ما كتبه ابن القيم في تفسيره للمعوذتين حيث حدد هذا الواقع
وتكلم عنه وبين طبيعة الحاسد وعلاقته بالشيطان - حيث قال :
( والشيطان يقارن الساحر ويقارن
الحاسد ويحادثهما ويصاحبهما ، لكن الحاسد تعينه الشياطين بلا استدعاء منه
للشيطان ، لأن الحاسد شبيه إبليس وهو في الحقيقة من أتباعه ، لأنه يسعى
ويطلب ما يحبه الشيطان من فساد الناس وزوال نعم الله عنهم كما أن إبليس حسد
آدم لشرفه وفضله ، وأبى أن يسجد لآدم حسدا 0 فالحاسد من جنس إبليس وأما
الساحر فهو يطلب من الشيطان أن يعينه ، بل إن الساحر يعبد الشيطان ليقضي له
حاجته والمقصود أن الساحر والحاسد كل منهما قصده الشر ، لكن بطبعه ونفسه
وبغضه للمحسود والشيطان يقترن به ويعينه ، ويزين له الحسد ويأمره بموجبه ،
والساحر بعلمه وكسبه وشركه واستعانته بالشياطين ) ( تفسير المعوذتين – ص 39
) 0
وقال أيضا : ( فلهذا والله أعلم قرن في السورة - يعني سورة الفلق - بين شر
الحاسد وشر الساحر لأن الاستعاذة من شر هذين تعم كل شر يأتي من شياطين
الإنس والجن فالحسد من شياطين الإنس والجن والسحر من النوعين ) ( بدائع
الفوائد 2 / 232 ) 0
قال الشوكاني : ( يجوز رقية من به مس ، أو عين ، أو نحوه ، لاشتراك ذلك في
كون كل واحد ينشأ عن أحوال شيطانية من إنس أو جن ) ( نيل الأوطار - 8 / 214
)
قال الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري : ( والعين وردت إليها الإشارة في
ثلاث آيات من القرآن الكريم ، وورد بها جملة أحاديث ، منها الصحيح لذاته ،
ومنها الصحيح لغيره ، وثبتت من تجربة البشر 0
ومن أنكر العين ليس عنده برهان إلا عدم العلم بصلة النفس بالنفس ، وصلة
الإنس بالجن ، وعدم العلم ليس علما بالعدم ، وخالق النفوس والجن والإنس
أعلم بأثرهم 0
وكثيرا ما التصقت آثار العين بآثار الجن 00 ) ( تباريح التباريح – ص 93 ) 0
قلت : ولا بد أن تكون كافة المجالس والأوقات التي تكرس للمعصية والأعمال
الخبيثة مرتعا خصبا للشيطان ، والحسد والعين مما يستأنس له الشيطان ،
فيحضره ، وقد ينفذ بإذن الله سبحانه إلى جسد الإنسان بقوة العين ، وهذا مما
عايشته بنفسي ، وثبت تواتره عند المعالجين الثقاة ، وبعض الحالات التي تم
علاجها كانت الأسباب والدوافع لصرع الأرواح الخبيثة ، قوة عين الحاسد أو
العائن ، والله تعالى أعلم 0
وأذكر في سياق هذا الموضوع قصة ذكرها الأستاذ عبدالعزيز القحطاني تؤكد هذا
الأمر حيث يقول :
( بينما كنا نرقي طفلة مصابة بقراح
في رجلها وجسدها فإذا هي قد تأثرت ، وقد كنت متوقعاً ذلك والفضل لله وبحمده
، حيث القروح بدأت تدمل أثناء رقية القرآن ، وبدأت الطفلة تتألم من
القراءة ، ولا تريد ذلك 0 ثم بدأت تتكلم كلام أكبر من سنها ، وكان ذويها
يعتقدون بأن عين قد أصابت ابنتهم 0 وطلبت الاغتسال لها إن كانوا قد عرفوا
العائن 0 ويدل ذلك على إصابتها ثم زودتهم بماء رقيه حتى يخفف عنها الألم
وتتحسن حتى يخرج منها الخبيث الذي تسبب بهذه القروح ، وأن تلتئم الجروح 0
وأن الذي حدث أن الجن وافق كلمة المرأة العائنة التي ألقت كلمة على البنت
قد تكون بدون قصد دون أن تذكر الله وتبرك 0 فالتبس بها ، وكانت بدايتها
قرحة صغيرة انتشرت شيئا فشيئا ، وقد عرضت على بعض الأطباء ولكن دون جدوى
بسبب هذه القرحة ، ونسأل الله لها الشفاء ، حيث أنها بدأت تتماثل للشفاء
والحمد لله ، كذلك بعد ملازمة بعض المراهم الطبية ) ( طريق الهداية في درء
مخاطر الجن والشياطين – ص 72 ) 0
يقول الدكتور بدر عبدالرزاق الماص في كتابه " تلبس الجن بالإنس " عن أسباب
صرع الأرواح الخبيثة :
( المس الشيطاني ظاهرة حقيقة مؤكدة ،
ولكن هل للشياطين سلطة مس من يشاؤون من البشر وإيذائه دون حسيب أو رقيب أو
سبب ؟!
الواقع أن الشياطين كالميكروبات والجراثيم لا تؤثر إلا في حال ضعف الجسم ،
ولقد نبه القرآن الكريم إلى أن الشيطان لا يؤثر على عباد الله المخلصين ،
قال تعالى : ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) ( سورة
الحجر – الآية 42 ) 0
قلت تعقيباً على كلام الدكتور السابق : ( هذا الوصف للجن
من حيث القدرة وليس من حيث الكيفية ، وكذلك هذا الكلام لا يؤخذ على إطلاقه
، حيث أن أسباب الصرع متفاوته ، وقد يكون اختبار وابتلاء للعبد الصالح من
الله سبحانه وتعالى ) 0
وهكذا فإن غالبية من تطمع الشياطين في التأثير عليهم هم من ( الغاوين ) ،
ويشمل ذلك ضعاف الدين وكثيري الانحرافات السلوكية ، ونلخص فيما يلي بعض
أسباب المس :
1- بعد الإنسان عن ربه ، وانغماسه في المعصية ، فيكون قريباً من شيطانه
مرافقاً له ، فيأتيه الشيطان ويبعده عن ربه 0
قال تعالى : ( إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ
وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) ( سورة النحل – الآية 100 ) 0
2- ونسيان الإنسان ذكر ربه : وهو من أهم أسباب المس والصرع ، لأن خلو الجسد
والقلب والعقل من الذكر يجعل من اتصف بذلك لقمة سائغة للشيطان وأعوانه ،
وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى : ( نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ
أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ) ( سورة الحشر – الآية 19 ) ، ويقول
سبحانه وتعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ
شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ
السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) ( سورة الزخرف – الآية
36 ، 37 ) 0
3- والإفراط في الخلوة والوحدة الطويلة : من غير أن يفكر فيما يشغله ،
ويعود عليه بالنفع فيملأ عليه خلوته ، ومن غير أن يخطر على باله ذكر اسم
الله تعالى ، أو أن لا يكون عنده ورد يذكر فيه اسم الله ، أو لا يتعوذ ، كل
هذه الأمور تكون من الأسباب التي تؤدي إلى مس الجني للإنسي وتفرده به ،
وإلى هذا يشير ابن القيم فيقول : " وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله
تكون من جهة قلة دينهم ، وخراب قلوبهم وألسنتهم، من حقائق الذكر والتعويذات
والتحصينات النبوية والإيمانية، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح
له معه ، وربما كان عرياناً فيؤثر فيه هذا " ) ( نقلاً عن كتاب " زاد
المعاد " - 4 / 69 ) 0
4- تبرج المرأة وهي في أكمل زينتها : وقد أظهرت مفاتن جسمها ، مفتخرة
بجمالها ، متعالية متكبرة ، من غير أن يجري على لسانها وقلبها ذكر الله
وشكره على ما أعطاها من نعمه ، أو مستعيذة به سبحانه ، فإنها تكون عرضة
للمس 0
5- لما كان على المسلم أن يتعرف على كتاب الله وأن يقرأ آياته وسوره ، فإن
تخلى عن ذلك فإنه يكون عرضة للمس الشيطاني : وكذلك إذا كان غير مواظب على
الصلاة الواجبة في أوقاتها ، فإن التارك لها معرض للمس الشيطاني 0
6- كشف العورة في البيت دون ذكر اسم الله سبحانه وتعالى وذلك في الأحوال
التالية :
أ- أن تخفف المرأة ثيابها وتقف أمام المرآة في الحجرة وتسير ذهاباً وإياباً
مستعرضة نفسها ومفاتنها معحبة بنفسها وقد يكون هناك من الجن من يراها ،
فيعجب بها ويتعشقها وهو كثير 0
ب- نوم الرجل أو المرأة خاصة في آيام الصيف بثياب خفيفة وأبدان عارية من
غير أن يمر ذكر الله قبل النوم على قلوبهم وألسنتهم وقد ورد في الحديث
الشريف : " ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا
أراد أن يطرح ثيابه : بسم الله الذي لا إله إلا هو " 0
ج- دخول الخلاء للغسيل وللاستحمام دون ذكر الله تعالى قبل الدخول 000
والحديث الوارد في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال
: " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث " ( السلسلة الصحيحة 1070 ) 0
د- جماع الرجل أهله دون ذكر الله تعالى قبل الجماع ، وفي الصحيحين أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال :
بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن قدر
بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبداً " ( صحيح الجامع 5241 ) 0
وهكذا فإن عدم ذكر الله تعالى في هذه الحالات وغيرها والبعد عنه تعالى ،
تعرض الإنسان إلى عدوان الجن والشياطين عليه وتلبسهم له 0
لذلك نرى أن على الإنسان أن يجري دائماً ذكر الله على لسانه وقلبه في جميع
الأماكن التي يرتادها ، وبخاصة الأماكن الخالية ، وهي الأماكن التي يعيش
فيها الجن 0
وكذلك أن يلازم ذكر الله تعالى في جميع الأزمان ، فالله خير حافظاً وهو
أرحم الراحمين ) 0( مجلة الفرحة – العدد (42)– مارس سنة 2000 م– نقلاً عن
كتاب "تلبس الجن بالإنس" ) 0