لم يعد أحد يصدق الدعوات الكاذبة التي ينادي بها هؤلاء من الدعوة إلى الجهاد في بلاد الحرمين، فالأمر أصبح مكشوفاً وواضحاً وهو استهداف أمن هذه البلاد وتفكيك وحدتها وتماسكها، وإثارة الفتن والقلاقل فيها.
وماذا يريد هؤلاء من استهداف الأمن في هذه البلاد التي هي محض الإسلام ومهبط الوحي وأرض الحرمين، بوجود كعبتها المشرفة ومدينة محمد صلى الله عليه وسلم، فهي وطن المسلمين الروحي وجهة قبلتهم في الصلاة، ومحط ركابهم في المناسك، ومهوى أفئدتهم، ومثوى نبيهم صلى الله عليه وسلم.
لقد اشترك هؤلاء في الهدف الذي يريده أعداء الإسلام من الصهاينة وأصحاب الملل الكافرة وغيرهم من الأيادي الخفيّة التي تعمل في الخفاء لإثارة الفتن في البلاد ومحاولة النيل من بلاد الحرمين.
ألم يسأل هؤلاء أنفسهم، ماذا استفاد الإسلام والمسلمون من هذه الجرائم التي حدثت في بلادنا؟!
إن كل عاقل منصف سيقول:
ما رأيْنا سوى قتل الأنفس البريئة، وأتلاف الممتلكات والأموال، وترويع النفوس المؤمنة وكذلك سجن كثير من الأبرياء ممن أُخذ بالشبهة!
فهل هذا هو الجهاد الذي ينادي به هؤلاء؟!
وهل هذه النتائج التي يريدونها؟!
إن ديننا الإسلامي ليس دين غدر ولا عدوان، ولا اقتحام منازل ولا قطع شجر، ولا هدم بناء ولا قتل صبي ولا امرأة ولا شيخ، وإنما ديننا أشمل وأعظم من ذلك.. وإنما يُقتل من يقاتل المسلمين.
فهل من قُتل اليوم في مدينة جدة كانوا ممن يقاتلون المسلمين؟!
إن معاداتنا للكفار لا يعني أن نظلمهم وأن نغدر بهم وأن نقتلهم في ديارنا وهم في ذمة المسلمين، ولقد أوجب الله تعالى على المسلمين العدل في أعدائهم كما قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى }، لهذا أمرنا الله تعالى بالعدل مع جميع الخصوم ونهانا عن ترك العدل، وأخبرنا أن العدل مع العدو والصديق هو أقرب للتقوى.
لقد كانت سيرة محمد صلى الله عليه وسلم هي هداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور. وهداية غير المسلمين من الكفار ليست حكراً على العلماء والخطباء والدعاة، بل أن كل مسلم ومسلمة مطالب بالدعوة بكل وسيلة ممكنة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم « بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آَيَة ».
إن هداية من معنا من الكفار هو المطلوب، وهو الذي حثّ عليه الإسلام لإقامة الحُجة عليهم، فهل أقمنا الحجة عليهم؟
هل أقمنا على هؤلاء الكفار -الذين يعيشون بيننا- البيِّنَة وقطَعْنا عنهم المعذرة حتى لا يقول قائل: { مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ }؟!
أليس من الأفضل أن يرحلوا عنّا وهم يحملون كتباً تعرّفهم بالإسلام، وكتباً تحدّثهم عن الإعجاز العلمي في القرآن، وكتباً عن دلائل النبوّة المحمدية، وكتباً عن ماذا يحمل الإسلام لأهله من السعادة؟!
أليس هداية هؤلاء الكفار -الذين يعيشون بيننا- خيراً عند الله تعالى وأعظم درجةً من أن نُرسلهم إلى بلدانهم بتوابيتهم وهم كفّار؟
نسأل الله لنا ولكم، ولكل مسلم الثبات على التوحيد حتى الممات، كما نسأله جلّ وعلا أن يُديم أمن بلادنا وأن يكفينا شرّ هؤلاء المفسدين، وأن يجعل كيدهم في نحورهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.