بتـــــاريخ : 9/10/2008 7:40:14 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1619 0


    كيف نكتب التاريخ (كتاب تاريخ مصر) الحلقة الاولي 2

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : ابن طيبة | المصدر : www.egyptsons.com

    كلمات مفتاحية  :

    اما ساكن المدن في عهود الزلة و تحت حكم الاجانب خضع لظروف ربما كانت اقسي من ظروف الفلاح نفسه بسبب الامه الروحية كان اليوناني يحتقر المصري و كان اليهودي- المماليء لليوناني- يحتقر المصري و جاء الرومان ينظرون اليهم جميعا من عل و لم تكن بيزنطة ارحم بالشعب المغلوب علي امره فالنقمة الطويلة ممسكة بخناق الشعب المصري علي يد حكامه
    و رغم ذلك تطالعك علي مدي الاجيال نظرة الحاكم الي مصر نأي عنها ام قرب يقول الامبراطور الروماني طيباريوس لعامله في مصر: (( لقد اوفدتك لتجز صوف الشاة لا لتسلخها ))و يقول البك الالفي لجليسه المملوك : (( الانسان الذي يكون له ماشية يقتات منها هو و عياله من لبنها و سمنها و جبنها يلزمه ان يرفق بها العلف حتي تدر و تسمن و تنتج له النعاج بخلاف ما اذا اجاعها و اجحفها و اتعبها و اشقاها و اضعفها حتي اذا ذبحها لا يجد بها لحما و لا دهنا )) فيجيبه المملوك جليسه (( هذا ما اعتدناه و ربينا عليه ))
    تلك نظرة حكام مصر جميعا منذ فجر التاريخ حتي القرن الواحد و العشرين سواء اجاعوها و اجحفوها او ترفقوا بها في العلف حتي تسمن فمصر في نظرهم هي البقرة الحلوب و اللقحة التي تدر و الشاة التي يجز صوفها في ارفق وسائل الحكم .

    معجزة هذا الشعب المصري اذن ليست في الحضارة التي وهبها للعالم فحسب انما في ان يظل الشعب حيا متمكن الشخصية لا يفني في غزاته و مستعمريه و مستغليه.
    شعب زارع بناء صناع اليدين صانع الحضارة صانع الملوك و الامراء و القواد و الرؤساء سواء حكمه محب للعلم ذواقة للفن او متجبر مغرور مغامر شعب يفرض الحضارة علي حكامه فرضا

    و هنا ارد علي اخي (هورس) في سبب بناء المصريين للاهرام و هل كان ذلك مضيعة للوقت و المجهود و المال فانني اطلب تفسيرا لهذه الظاهرة الثابتة في التاريخ المصري: بناء المصاطب و الاهرام و البرابي و اقامة التماثيل و المدافن و انشاء الكنائس و الاديرة فالمدارس و الجوامع و القصور و الاضرحة و حفر الترع و اقامة الخزانات و وصل البحرين سواء عن طريق النيل او مباشرة بين البحر الاحمر و الفرما ثم من كان يصنع الاثواب و من زين المساجد و منابرها و الكنائس و من رسم الصور الشعبية علي الخشب و وضعها في توابيت الفيوم و البهنسا؟ و من قام علي مدرسة الكهنوت في هليوبوليس و من فتح مدرسة اللاهوت المسيحي (الديدسقلية) في مواجهة مدرسة الاسكندرية الوثنية؟ و من انشأ الجامعة الازهرية؟ و مدرسة السلطان حسن و الكتبخانة و مكتبة الاسكندرية ؟ اكان ملك مصر القديمة ام القائد الفاطمي ام السلطان المملوكي و دليسبس و محمد علي و غيرهم ممن حفظ التاريخ اسمائهم مقرونة بتلك الاعمال العمرانية ؟ او انه ذلك المجهول المفتري عليه قديما و حديثا : الشعب المصري؟
    هل لديكم اسماء موتانا في معركة قادش بقيادة رمسيس هل لديكم اسماء شهدائنا في الريدانية و حطين و عين جالوت سوف تقولون ان هذه المعارك كانت غارقة في القدم اذا قولوا لي هل يملك أي منا لائحة بشهدائنا في حرب اكتوبر المجيدة؟

    هذا الشعب العظيم

    يتاخر الفيضان و ينخفض منسوبه فينزل القحط بالبلاد و يحل الوباء باهلها و يهلك الطاعون مواشيهم و يرتكب حكام مصر كل موبقة دون رادع لسبب و لغير سبب و مع هذا يعود الشعب الي حقله او الي مقعده امام النول و الة الخراطة و فرن الزجاج و معمل التفريخ يعود الي مطرقته يكفت النحاس بالفضة و الي كتبه ينسخها و مصاحفه يوشيها و يجلدها و قد نسي ما حل به.

    يستأنف نشاطه الحضاري لان جبلة الحياة فيه تتصل بصميم تربته السمراء و شمسه و نيله و لان احلام نفسه الوادعة لا تتعدي الرقعة السوداء يحيلها زمردا و الخضرة اليانعة يجنيها نضارا.
    جبلة الحياة في هذا الشعب هي الحضارة نفسها فهو في شعوب الارض كافة مثالا للسلام و الاستقرار و مع ذلك لم يمنح السلام و الاستقرار في تاريخه الا قليلا.

    عندما خمدت نار الفتنة في مصر و هدأت الاحوال شرع المأمون في تسكين جأش الناس فصار يطوف بالبلاد يتفقد احوال الرعية و مر بقرية تسمي (طاء النمل) فلم يدخلها لحقارتها و جاءته عجوز اسمها ماريا هي صاحبة القرية و اخذت تصيح عليه فوقف لها و سألها عما تريد فقالت (( يا امير المؤمنين نزلت في كل ضيعة و تجاوزت ضيعتي فأتوسل اليك ان تشرفني بحلولك في ضيعتي كي لا تشمت بي الاعداء)) فاجابها المأمون الي طلبها و قدمت له و لابنيه المعتصم و العباس و من معهم من فاخر الطعام شيئا كثيرا فلما اصبح الصباح و قد اعتزم الرحيل حضرت اليه و معها عشر وصيفات في يد كل واحدة طبق فقال المامون لمن معه ((جاءتكم القبطية بهدية ريفية )) و اذا في كل طبق كيس من ذهب فامرها باعادة الهدية فقالت له: (( لا تكسر قلوبنا و لا تحتقرنا يا امير المؤمنين )) فلم يسعه الا اجابة طلبها ثم سالها: (( من اين لك كل هذا)) فاجابت : (( يا امير المؤمنين هذا..)) و اشارت الي الذهب ثم انحنت فتناولت حفنة من الطين رفعتها في وجه المامون لتقول : (( من هذا ....ثم من عدلك يا امير المؤمنين ))
    يا الله!!! تلك كلمة الشعب المصري لحكامه : (( لا اطلب منك الا ان تجري في احكامك بين الناس بالعدل و ان ترعي شئونهم بالرفق ثم افعل ما بدا لك بعد ذلك ما دمت تتركني اعمل في واديي الخصيب ))
    في هذه الجملة خلاصة تاريخ مصر كله الحكم الصالح يقي مصر شر الفيضان العالي و النيل المنخفض و قديما استطاع يوسف الصديق ان يحسن التدبير فيجتاز بمصر السنوات العجاف.

    اعتنق الشعب المصري المسيحية بعد ان فقد الايمان بآلهته القديمة فتخلي عنها اذ شعر بانها تخلت عنه منذ زمن طويل و راي كيف يماليء كهنته السلطان الاجنبي و استشهد المصري متمسكا بعقيدته المسيحية عندما فرضت عليه روما عبادة امبراطورها و استشهد اكثر ما استشهد عندما اراد الامبراطور البيزنطي ان يفرض عليه مذهبا مسيحيا بعينه يخالف مذهبه المصري.

    آمن بالاسلام فلم يحمه اسلامه من اضطهاد الولاة و الحكام و السلاطين و الملوك و الرؤساء و البشوات و لم يكن حظه خيرا الا قليلا من حظ اخيه المصري الذي بقي علي مسيحيته.

    ليتعبد وثنيا او ليؤمن بعيسي او لينطق بالشهادتين فلعنة حكامه قائمة دائمة لا تفارقه ابد الدهر يحارب الوثنية نصرانيا و يعارض الارثوذكسية الملكية مسيحيا و يقاوم الصليبيين و التتار و المغول و الفرنجة مسلما و لن يغير كل هذا من شراهة حكامه المخادعين و لن يغير ما بنفوسهم من نهم الاستيلاء علي ارضه و خيرات ارضه و صناعته. لان بغيتهم كلهم من الحكم هي عرق جبينه و دمه و نتاج عقله و ذراعية و لك ان تستثني من هؤلاء الحكام النذر القليل الذي عمل و جد و اجتهد في سبيل رفعة هذا الوطن .
    و الشعب المصري المغلوب علي امره انتصر دائما علي ظلمته و لو بعد حين اذ لم يستطع حكامه ان يدلسوا عليه طويلا بل هو الذي خدعهم في نفسه و عاني ذلهم و ظلمهم ليحتفظ لنفسه مدي ستة الاف سنة او يزيد باعز ما يملك الا و هي انسانيته المتحضرة و شخصيته المتكاملة.
    و لست القي هنا الكلام جزافا فقد طالعت تاريخ بلادي كله مركزا عنايتي في امر واحد هو دراسة هذه الانسانية و تحليل هذه الشخصية لم تكن دراسة ميسرة لان اكثر من ارخ لمصر من اهلها و من غير اهلها اعشي عيونهم التاج الابيض و التاج الاحمر و اوراق الغار و لمعان السيوف و انفجار بارود المكاحل و شنك انتصارات السلاطين و الملوك و القواد و الاحتفالات الكبري بافتتاح قناة او بناء خزان.
    قصة حضارة صنعها شعب

    لا أجد فيما سبق من كتاباتنا ما يستدعينا أن نذكر عبارة – يجب أن نتمتع بالخيال حتى نكتب تاريخ مصر- في بداية هذا الموضوع فأي خيال قد نحتاجه لكتابة هذا التاريخ أقول لنتخيل معا مجموعة من الأفراد وفدوا إلي مكان فأعجبهم فاتخذوه سكنا ثم تكاثروا ثم انتقلوا في ربوع هذه المساحة الكبيرة التي تشكل ارض مصر فكونوا ما كونوا من حضارة و تطوروا من الصيد إلي الزراعة كم استغرقهم ذلك من زمن و كم استغرقهم من عناء و شقاء

    عندما ننظر إلي أمريكا علي إنها الدولة المتحضرة الأولي في العالم فإننا إذا قلبنا صفحات تاريخها التي لا تتعدي المائتين سنة سوف نقدر الانقلاب العجيب الذي جعل من ارض أمريكا القاحلة أرضا ذات مدن زاهرة فان الآباء الأولين في أمريكا الذين قامت مجهود اتهم بإنشاء مدن عظيمة ثرية علي طول الأراضي الأمريكية الشاسعة إنما تسلموا الفن و العمارة و الصناعات و التجارة و التقاليد الحكومية و الاجتماعية و القوانين من أجدادهم الأوربيين و لكن في هذا العصر الغارق في القدم في ذلك العصر السحيق الذي نحن بصدده عصر أجدادنا الأوائل بدا الانتقال من الوحشية إلي المدنية بكل مظاهره الخارجية في الفن و العمارة من لا شيء و ليست أهمية ظهور المدنية في وادي النيل منحصرة في بهاء مبانيها فحسب بل لأنه كان أيضا تطورا اجتماعيا مستمرا دون أي عائق أكثر من ألف سنة أشرق لأول مرة علي كرتنا الأرضية مقدما لنا أول برهان علي أن الإنسان الذي هو ارقي المخلوقات الفقرية التي ظهرت علي وجه الأرض و الذي شرفها الله سبحانه علي كل المخلوقات أمكنه أن يخرج من الوحشية كما تزعم النظريات الغربية إلي المثل الاجتماعي الاعلي و يظهر الحياة الإنسانية بمظهر لم ير الكون كله علي ما نعلم ارقي منه.

    و في أيامنا يدخل السائح وادي النيل و كأنه دخل ارض العجائب علي أبوابها تلك الأهرامات الضخمة التي طالما تخيل منظرها منذ نعومة أظفاره و عندما يصعد في الوادي مع النهر يري فيما وراء الشواطئ التي تحفها النخيل أسوار المعابد الواسعة توصل إليها من الشاطئ طرق مزينة بتماثيل أبي الهول و يشرف عليها مسلات ضخمة شاهقة الارتفاع و قاعات و عمد فخمة و لكن قلما يخطر ببال ذلك السائح انه في أمريكا أو أي بلد كان يحمل جنسيتها و في وادي النيل سواء بسواء يسبق القفر كل ما يري من فن و عمارة فحيث تقوم الآن هذه الآثار الحجرية العظيمة كانت تمتد يوما ما تلك الغابات الكثيفة التي كانت تمتد في أودية النيل الضيقة و كانت خالية من السبل آلافا من السنين اللهم إلا مسالك الصيادين الضيقة التي كانت تري ملتوية بين الأعشاب و مؤدية إلي حافة الماء و لم يكن لسكان وادي النيل في عصر ما قبل التاريخ أجداد متحضرون يرثون منهم أي ثقافة و لابد أن تجد أن في خبرة هؤلاء القوم التي كانت آخذة في التعمق و في أفقهم الذي كان آخذا في الاتساع ذلك السحر الذي حول هؤلاء الصيادين السذج و مساكنهم الصغيرة المصنوعة من الطين و أخصاص من الخوص إلي مجتمع عظيم يسيطر عليه رجال ذوو سلطان و خيال واسع و أصحاب آمال ضخمة أحرار لم تغل أيديهم التقاليد فعمرت تلك البقاع التي كانت يوما غابة و لم يكتفوا بنشر هذه الآثار فيها علي طول النهر و عرضه بل أدركوا كذلك المعني السامي لقيم الأشياء الاجتماعية و الأخلاق السعيدة عن الأنانية مما لم ينبثق فجره علي العالم من قبل

    و أن الذي يعرف قصة تحول صيادي عصر ما قبل التاريخ في غابات النيل إلي ملوك و رجال سياسة و عمارة و مهندسين و صناع و حكماء و أنبياء في جماعة منظمة عظيمة مشيدين تلك العجائب علي ضفاف النيل في وقت كانت أوربا لا تزال تعيش في همجية العصر الحجري و لم يكن فيها من يعلمها مدنية الماضي
    من يعرف كل هذا يعرف قصة ظهور أول مدنية علي وجه الكرة الأرضية تحمل في ثناياها صورا خلقية في اسمي معانيها.


    لم يندثر هذا الشعب ففي دمي و دمك يجري بعض مما جري في دماء هؤلاء الأجداد العظام و إذا كنا نتكلم عن حضارة امة فلنقل أن مصر تحول شعبها من حضارة مصرية خالصة إلي حضارة مصرية يونانية إلي حضارة مصرية رومانية إلي حضارة مصرية بيزنطية إلي حضارة مصرية مسيحية و انتهي بها الحال إلي حضارة مصرية إسلامية

    انظر إلي وجهك أو وجهك في المرآة فربما إذا طالعتما جداريات هؤلاء الأقدمون قد تجدا هذا الشبه الغريب بينكما و بين احد هؤلاء المتواضعون صانعي أعظم حضارة عرفها إنسان


    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()