لم يزلْ شارداً
|
يتنادى مع الريحِ
|
فوق أديمِ الصدى والرمالِ،
|
وينتظر القافلهْ.
|
تتشرّدُ في ناظريه جمالٌ
|
يُحَدّبُهَا الأُفقُ خلفَ الصحارى
|
ويمحو السرابُ مسافاتها المقبلهْ..
|
في الخيالْ
|
لا غيومَ تخفّفُ من وطأةِ الشمسِ
|
وهي تكسّرُ بلّورها المرّ فَوق القفارِ
|
ولا طيف ليلى (إذا هبطَ الليلُ)
|
يسقيهِ من معمدانِ الصبا
|
خمرةً زائلهْ..
|
كالزلالْ.
|
مرّتِ الأرضُ من تحتهِ
|
والزمانُ الذي تتباطأُ دقّاته شاخَ
|
في (ظلمةِ الأقبيهْ).
|
فلماذا يهدهدُ بين الفيافي
|
مواويلَ مبحوحةَ الصوتِ
|
وهو وحيدٌ،
|
ومن أينَ يأتيهِ رجعُ الصدى
|
ليتيهَ كما الطفل ما بين وادي الجنون
|
ووادي القرى؟..
|
هائماً بين ليلاه والليلِ
|
كالنجمِ في ظلمةٍ صافيهْ.
|
أتكونُ الأُنوثةُ مأواهُ
|
حتى يتيهَ على طرفِ الوجدِ أعمى،
|
ويجعلَ من سَكْرَةِ الناي
|
تعويذةً لنداءينِ
|
ينسحبانِ على وترِ المدِّ كالآهِ
|
ثم يذوبانِ فوق مياه التشهّي
|
كما الهاء في القافيهْ؟
|
أم صراخُ فَمَيْنِ على أحرفِ العلّةِ
|
المستكنّةِ في النايِ..
|
أحلى الحروف التي شاءَهَا الحبُّ
|
بين حبيبينِ..
|
وامتصّها النايُ من شهوةِ الأغنيه؟
|
أم نداءانِ مختلفان – الطبيعةُ والموتُ-
|
يلتقيانِ وراءَ تَحدّبِ مجرى الصدى
|
مثلما يلتقي طائرانِ وحيدانِ..
|
يسترسلانِ على أيكةِ الحبِّ
|
لحناً شجيَّ الكمانْ؟!
|
أيكونُ الهلالُ الذي صارَ بدراً
|
ولاحَ من الشرق وجه أساهُ شبيهاً بها؟..
|
كي يطيلَ التأمّلَ في الليلِ
|
أم تتراءى لعينيهِ أطيافُ بيضاءُ
|
ساهمة في سماءِ الأُنوثةِ كالغيمِ
|
حتى يظلَّ على حالهِ
|
هائماً في أديمِ الزمانْ؟
|
أتكونُ النجومُ البعيدةُ
|
مرمى لعينينِ شاردتينِ بوجدِ الليالي
|
فلا تغمضانِ ولا تصحوانْ؟
|
لم تكن من بناتِ الطفولةِ أجملهنّ
|
على موردِ الماءِ..
|
لكنْ بنفسجها الغضَّ
|
حين يفيضُ بسكّرهِ العذبِ
|
يسحر أُفئدةَ العاشقينْ!
|
كان قوسُ الغمامِ الملوّن
|
ينشقُّ من صدرها كالزغاريدِ
|
والشمسُ كانت تطاردها كالغزالةِ
|
في سبخاتِ الشروقِ
|
لتكشفَ عن شامةِ الفجرِ في نهدها
|
المتكوِّرِ كالبيلسانةِ في الياسمين.
|
يترعرعُ مثل السنابلِ في الريحِ
|
حزنُ ضفائرها السودِ..
|
أجملَ من طلعةِ الصبحِ
|
فوق شواطئِ دجلةَ كانت..
|
وكانت إذا ظهرَ الحزنُ يغلبها النومُ
|
كي لا تراه..
|
وإن طلعَ البدرُ راحتْ مرايا الأُنوثةِ
|
تركضُ خلف نحيبِ السفرجلِ
|
مكشوفةَ الصدرِ
|
كيما تخبّئَ جوهرةَ الخلقِ عن أعينِ الناظرينْ!
|
ألذلكَ هامَ على نفسهِ؟
|
يتأملُ صورتها المستحمّةَ
|
مثل البحيرةِ فوق أديمِ الغروبِ،
|
ويعرجُ كالذئبِ نحو الطلولِ
|
التي أقفرتْ ليساكنها
|
كلما اغرورقَ الليلُ بالوجدِ
|
وانتصفتْ سهرةُ الساهرينْ.
|
... لا يرى في فيافي السكينةِ
|
غيرَ خيالٍ صبوحٍ
|
تصوّرهُ شمعةُ الحزنِ
|
فوق المضاربِ مثل هلالِ الحسينْ!
|
كلٌّ من هامَ وجداً بليلاه يوماً
|
ستعصيهِ ليلى
|
ليشتقّ من ضلعها امرأةً ثانيهْ..
|
ثم تعصيهِ
|
حتى يتيهَ ويدركَ في آخر العمر
|
أن الأنوثةَ ليست سوى مغربٍ وشروقٍ
|
يدورانِ حول صحاريه مثل العقاربِ
|
حتى تشيخَ السنين
|
وينتهيَ الدورانْ.
|
وتكونُ الحياةُ حياتهما هيَ منْ فُقدتْ
|
بينما تترمّلُ كالحجرينِ على قبرهِ
|
تينك المرأتان
|