(1)
|
هلالٌ وحيدٌ على قبّةِ الليلِ
|
وامرأةٌ من بياضِ المناديلِ
|
واقفة تتأمّلُ أيامَهَا عند شطِّ الغروبِ،
|
وتُصغي لتنويحةِ النايِ بين السحبْ.
|
هلالٌ من الدمعِ
|
خَصَّلَهُ العشقُ من هدبِ عاشقةٍ
|
ورفعناهُ إلى كتفِ الغيمِ
|
من شوقنا للمواويلِ
|
يا قرويَّةُ نادي على الغيمِ أن يحتجبْ!
|
لنبصرَ ذاكَ الغيابَ الذي تتلألأُ أشجانهُ
|
في البعيدِ
|
ونتبعُ دربَ المحبينَ
|
يا قرويةُ نادي على الغيمِ!
|
والقرويةُ بنتُ النداءِ المبكّرِ للقمحِ،
|
بنتُ الرياحينِ في شجرِ الحبِّ
|
بنتُ الحمامِ الذي طارَ خلفَ الزغاريدِ
|
كي يتزوّجَ واحدةً
|
فاستحالَ إلى دمعةٍ وانسكبْ!
|
وطعمُ المواويلِ في الليلِ
|
بنتُ النجومِ الأحبُّ إلى اللهِ
|
نايٌ تأوَّهَ من لذَةِ الحبِّ
|
حتى إذا بُحَّ رجعُ الصدى
|
ثقبتهُ إناثُ القصبْ
|
دموعٌ من الفلِّ مجروحةٌ بالربابِ،
|
إوزّةُ حزنٍ على بيدرِ الصبحِ
|
فضَّ أنوثتها الصقرُ يوماً
|
ولوّثَ من دمها المستباحِ كرومَ العنبْ.
|
هي الحورُ يسقطُ فوق أعالي البكاءِ،
|
حداءُ غيومٍ ركضنَ على وترِ الذكرياتِ
|
المجرّدِ حتى تعبنَ..
|
سقوطُ الكمنجةِ في حزنها،
|
شوكةٌ من غضبْ.
|
تمرَّ كمرِّ السحابةِ في صيفنا الساحليّ،
|
وتجعلُ من روحنا ورقاً للهديلْ..
|
وترحلُ نحو قراها البعيدة
|
يا أيها النهرُ خذني إليها،
|
لأجرحَ أهدابَ قلبي على النايِ
|
واجرِ إلي حزنها سلسبيلْ!
|
خذيني إلى فسحةِ العمرِ
|
كي أتأملَ لونَ العصافيرِ في زرقةِ الفجرِ
|
لا تتركيني وحيداً على النهرِ!
|
لا تتركي قمرَ التوتِ قربي جريحاً
|
لأعرفَ أنَّ السحابَ رحيلْ!
|
وعودي إلى القمحِ يا قرويةُ!
|
أنتِ الدموع التي ذرفتها الغيومُ
|
على زهرِ حزنيَ،
|
أولُ رمانةٍ أسقطتها الرياحُ
|
على قلبيَ الغضِّ
|
أولُ أغنيةٍ أنزلتها النجومُ إلى بئرِ روحي
|
ورجَّعَهَا الماءُ عند حدود القرى
|
في الأصيلْ.
|
أحبك لكنهُ القمحُ:
|
شلحُ حفيفٍ من الحزنِ
|
يحفنُ أرواحنا بالدموعِ،
|
ويجعلُ من حنطةٍ دمنا
|
ثم يتركنا في ضفافِ الهوى كالنصوبْ.
|
* * *
|
ستبكي الحماماتُ تبكي
|
وتولدُ مثل النجومِ من الليلِ
|
يا قرويةُ رُدِّي جدائلَ شعركِ للريحِ كيما أتوبْ!
|
فقلبي حزينُ الأغاريدِِِ..
|
والقرويةُ أصغرُ من بُحَّةِ النايِ
|
في قصباتِ الهديلِ،
|
وأقربُ للحبِّ من غيمةٍ في الغروبْ.
|
* * *
|
حزينٌ من الحبِّ يا شجرةَ الأرزِ
|
حطَّ على كتفي بلبلُ الدوحِ يبكي
|
وردّدَ أغنيتي العندليبْ!
|
حزينٌ من الحبِّ...
|
والقرويةُ تذهبُ كل مساءٍ
|
إلى حقلةِ الأقحوانِ
|
لتجمعَ زهرَأنوثتها الليلكيَّ،
|
وتملأَ جرتها من دموعِ المغيبْ.
|
* * *
|
تمرُّ كهدي الحفيفِ على
|
وترِ القمحِ
|
أنثى مخصَّلَةٌ من بكاءِ العصافيرِ
|
من شتوةِ الغيم فوق حقولِ الأرزِ
|
تسرّحُ في خلوةِ الروحِ مهرَ الغيابِ
|
وتتركُ أيلولها هائماً
|
في شمالِ النحيبْ.
|
(2)
|
هلالٌ جريحٌ على شجر الليلِ
|
والغيمُ يهجرُ شطآنَهُ في البعيدِ
|
وتبدو المراعي مهجّرةًً
|
مثلَ حزنٍ رعى روحَهُ
|
واستدارَ لتحلبَ قطراتِهِ السودَ
|
أنثى الندمْ.
|
هلالٌ ينوحُ كقوسِ الربابِ
|
على وترِ العمرِ
|
يحفرُ في الروحِ مجرى الوريدِ عميقاً
|
إلى أن يحدّقَ في الموتِ مثلَ الضريرِ،
|
ويجنحُ نحو أعالي النغمْ.
|
وعينانِ لا غيرَ شاخصتان
|
على ضوئِهِ الغضِّ
|
تبتهلانِ كقلبِ الينابيعِ،
|
صحراءُ راكعةٌ تحتَ مئذنةِ الليلِ،
|
نهرٌ فراتٌ رثتهُ النواعيرُ
|
حتى انهدمْ.
|
ولم يبقَ للبدويةِ غيرُ ضريحٍ
|
على صخرةِ الأمسِ
|
ترعاهُ أنثى الإوزِّ الحزينهْ،
|
وتحنو عليهِ النجومُ
|
بحلماتها البيضِ
|
لم يبقَ للبدويةِ غيرُ السرابِ،
|
وبيداءُ طاعنةٌ في الحداءِ،
|
ونجمٌ أصمّْ.
|
فأينَ الغزال الذي أرسلتهُ الأغاني
|
ليمسحَ هدبَ المواويلِ؟
|
أينَ الحمام الذي
|
أرسلتهُ وراءَ إناث الهديلِ؟
|
كأنَّ حياةَ الصبا موعدٌ
|
ضربتهُ الغزالةُ للنبعِ يوماً
|
وقبلَ فوات الأوانِ انصرمْ.
|
فيا بدويةُ كم ليلة
|
سأحدّقُ في قمرِ الحبّ
|
حتى أصير حزيناً؟
|
وكم وردة ستميلُ على الروحِ
|
كيما أحبكِ
|
كم دمعة ستسيلُ ليبرأ حزني الألمْ؟
|
* * *
|
هلالٌ جريح على شجرِ الليل
|
والبدويةُ نايٌ بَرَتْهُ أغاني الحداةِ
|
فراحتْ تنوحُ على مغربِ القلب
|
مثل حدادِ المحبينَ
|
كانَ الكمانُ يقطّعُ أجملَ أنغامهِ
|
خلفها،
|
ولفيفُ الحساسين يتبعها دامعَ الروحِ
|
نحو جراحِ المرايا
|
فأينَ الصبيَّةُ ذات الخلاخيلِ؟
|
كانتْ على صخرةِ الصبحِ
|
أصغرَ شلحةِ فلٍّ رآها السحابُ،
|
ولوّحها طائرُ العشقِ
|
فوقَ أعالي القممْ.
|
فكيفَ تشيخُ دموعُ المواويل
|
في درجِ الليل؟
|
كيفَ تمرُّ سنونٌ من العشق كاملةً
|
دون أن تجرحَ النسماتُ خدودَ الهديلِ؟
|
وكيفَ رثى روحنا في خريفِ الحياة
|
الهرمْ؟.
|