وصرختُ يا بيروتُ
|
يا امرأةَ الخريرِ العذبِ
|
والمطرِ الجنوبيِّ الرزينْ!
|
يا أمَّ هذا الليلِ،
|
يا بنةَ شهوةِ الصابونِ
|
والنهدِ الحليبيِّ الحزينْ!
|
بيروتُ يا قمراً
|
يعاركُ في زفافِ الليل
|
أزواجَ الحمامِ بهدبهِ الباكي،
|
وينشرُ في رحابِ الشهوةِ الثكلى
|
محارمَ ياسمينْ!
|
من حزنِ أيامي أتيتكِ حاملاً
|
شوقَ السنابلِ للحفيفِ،
|
ورغبةَ الصفصافِ بالهذيانِ تحت الريحِ..
|
جئتُ اليومَ مشتاقاً حفافي التينِ..
|
يا بيروتُ
|
يا إبريقَ حبرٍ غارقاً بالدمعِ
|
يا ناياً عراقيَّ الحنين!
|
في وجهكِ البدويِّ
|
لاحَ الحزنُ صوفيَّاً،
|
وضاءتْ مثلَ قنديلِ الغروبِ
|
حمامةُ الوادي
|
فجاءَ العاشقونَ مسبّحينْ.
|
نهرانِ يقتربانِ
|
من وترينِ يبتعدانِ
|
والأعراسُ عاليةٌ،
|
وبيروتُ النساءْ.
|
يا للمساءِ العذبِ
|
فاحت زهرةُ القدّاحِ
|
والأشواقُ شفّتْ
|
في فراغ المغربِ الضاوي
|
وراحَ الطائرُ الريفيُّ يخفقُ
|
في أعالي الغيمِ
|
فاحتارَ المغنّي كيف يبدأُ بالغناءْ.
|
فاخترْ كمنجتكَ الحنونةَ!
|
كي تُراقصَ طائرَ الغاباتِ
|
في أفقِ العراءِ الطلقِ للأغساقِ
|
واركضْ في حقولِ القمح
|
برِّياً
|
ليقتلكَ العياءْ!
|
واذهبْ إلى امرأةٍ
|
ضفائرها "أناجيلٌ" من الحنَّاءِ
|
عيناها "مواعيدٌ"
|
ورقصتها غناءٌ
|
في غناءْ!
|
واذهبْ بها عصراً إلى نبعٍ قديمٍ!
|
حيث يبكي طائرُ الحسّونِ منتشياً
|
وتستلقي على رجعِ المياهِ
|
أمومةُ الزيتونِ
|
وافعلْ ما تشاءْ.
|
قلْ إنها امرأةٌ
|
وقلبكَ لا يكفُّ عن النساءْ!
|
هذي إذن بيروتُ
|
امرأةٌ موشّاةٌ بحزنِ اللوزِ.
|
يمشي خلفها العشاقُ
|
قديسينَ
|
والفلاّحُ يجلسُ تحتَ شَجْرتها العتيقةِ
|
مصغياً لحفيفِ شَعْرِ الكستناءْ.
|
مشغولةٌ كالأرزِ
|
من ذرفِ الدموعِ على الأكفِّ،
|
ومن عتاباتِ النواطيرِ
|
الذين يساهرونَ وراء كرمِ الصيفِ
|
جوقاتِ الغناءْ.
|
أغمضْ جفونكَ كي تشاهدَ حلمها!
|
سرّحْ لها أشواقها!
|
واجلسْ إليها مثلَ ناطورِ العنبْ!
|
إن المحبةَ من تعبْ
|
ستشاهدانِ النهرَ كالفرسِ المعذَّبِ
|
سارحاً باللوزِ،
|
والنغماتِ يلهثُ خلفها
|
نايُ القصبْ.
|
وستسمعانِ الليلَ يطلعُ بالعتابا
|
من ضفافِ الوقت كالحادي
|
ويرحلُ في الأبدْ.
|
* * *
|
هذي إذن بيروتُ
|
إِمرأةٌ تضيءُ سراجها وحنينها
|
لليلِ والعشاقِ والقمر الشفيفْ
|
في ليلةِ العشاق يأتي النايُ
|
والمزمار
|
يأتي القمحُ منتشياً
|
بهبَّاتِ الهديلِ على الخريفْ.
|
تأتي صبايا العيدِ
|
تأتي أجملُ الفتياتِ
|
أصغرهنَّ عند تفتّحِ الليمونِ
|
راقصةً
|
بأثوابِ الحفيفْ.
|
يا للأغاني!!
|
زوّجيني من صبايا الأرز
|
أجملهنَّ يا بيروتُ!
|
بنتاً من صبا الأعراسِ
|
يهطلُ جسمها اللوزيُّ أجراساً
|
فيشتاقُ الخريفُ إلى الخريفْ.
|
أحداقها أيقونةٌ
|
أشواقها قمرٌ -و- ريفْ.
|
زهراءُ تولدُ روحها
|
من زغرداتِ الفجر في الغاباتِ
|
من أصباحها،
|
وزواج أزواج الحمائمِ
|
في مقاماتِ الزجلْ
|
فدعوا زرازيرَ الغناءِ البيضَ
|
تخفق في فضاءاتِ الطفولةِ،
|
وارفعوا الحنّاءَ!
|
ولترقصْ صبايا النهرِ رَقْصَاتِ الهدلْ.
|
هذي المواسمُ
|
للتزاوجِ والقبلْ
|
وليرقصِ العشاقُ
|
ما طابتْ لهم هذي الليالي
|
إنهُ... شهرُ العسلْ.
|
يمضي الحبيبُ إلى حبيبةِ روحهِ
|
ويضمّها
|
فتنامُ أسرابُ الحجلْ.
|
والنحلةُ العذراءُ عندَ لقائنا
|
تُخلي خليّتها
|
وترحلُ في مهبِّ الريحِ
|
يا للحلمِ
|
لو يبقى قليلاً نومنا..
|
إنّا صحونا مبكرينَ
|
وفاتنا
|
عَدُّ القبلْ.
|