بتـــــاريخ : 6/2/2008 5:43:45 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 927 0


    ربانيون لا رمضانيون

    الناقل : heba | العمر :42 | الكاتب الأصلى : محمد بن عبد الرحمن العريفي | المصدر : www.islammemo.cc

    كلمات مفتاحية  :
    دعوة كلمة

    الحمد لله الذي فرض على عباده الصيام، وجعله مطهراً لنفوسهم من الذنوب والآثام،الحمد لله الذي خلق الشهور والأعوام،والساعات والأيام، وفاوت بينها في الفضل والإكرام، وربك يخلق ما يشاء ويختار، أما بعد،،،

    ما أشبه الليلة بالبارحة، هذه الأيام تمر سريعة وكأنها لحظات، لقد استقبلنا رمضان الماضي، ثم ودعناه، وما هي إلا أشهر مرت كساعات، فإذا بنا نستقبل شهراً آخر،وكم عرفنا أقواماً، أدركوا معنا رمضان أعواماً،وهم اليوم من سكان القبور، وربما يكون رمضان هذا لبعضنا آخر رمضان يصومه، إن إدراكنا لرمضان، نعمة ربانية، ومنحة إلهية، فهو بشرى، تساقطت لها الدمعات، وانسكبت العبرات: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...[185]{[سورة البقرة] .

     

    وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ] رواه النسائي وأحمد .

    وقال صلى الله عليه وسلم: [إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ] رواه البخاري ومسلم .

    نعم، كم من قلوب تمنت،ونفوس حنت،أن تبلغ هذه الساعات، شهرٌ، تضاعف فيه الحسنات، وتكفر السيئات، وتُقال فيه العثرات، وترفع الدرجات، قال صلى الله عليه وسلم: [إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ] رواه الترمذي وابن ماجة.

     

    نعم، شهر رمضان، هو شهر الخير والبركات، والفتوح والانتصارات، فما عرف التاريخ غزوةَ بدر وحطين، ولا فتحَ مكة والأندلس، إلا في رمضان؛ لذا كان الصالحون يعدون إدراك رمضان من أكبر النعم:

    قال المعلى بن الفضل:' كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلِّغهم رمضان!' . وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم:' اللهم سلمني إلى رمضان، وسلِّم لي رمضان، وتسلَّمه مني متقبلاً' .

    نعم، كانوا يتهيئون لرمضان بالصلاة والصيام، والصدقة والقيام، أسهروا له ليلهم، وأظمئوا نهارهم، فهو أيام مَّعْدُوداتٍ، فاغتنموها، لو تأملت حالهم، لوجدتهم، بين باك غُلب بعبرته، وقائم غص بزفرته، وساجدٍ يتباكى بدعوته، كان يدخل على أقوام صدق فيهم قول الله:} تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ[16]فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[17]{[سورة السجدة] .

     

    كانوا ربانيين، لا رمضانيين، هم في صيام وقيام، في رمضان وغير رمضان: باع رجل من الصالحين جارية لأحد الناس، فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان الطعام، فقالت الجارية: لماذا تصنعون ذلك؟ قالوا: لاستقبال الصيام في شهر رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلا في رمضان ؟! والله لقد جئت من عند قوم السنة عندهم كلها رمضان، لا حاجة لي فيكم، ردوني إليهم، ورجعت إلى سيدها الأول.

    كانوا يدركون الحكمة من شرعية الصيام، فالصوم لم يشرعْ عبثاً..نعم، ليستْ القضية،قضية ترك طعام !! أو شراب..كلا،

    القضيةُ أكبرُ من ذلك بكثير، شرع لكي يعلمَ الإنسان،أن له رباً يشرعُ الصومَ متى شاء، ويبيحُ الفطرَ متى شاء، يحكم ما يشاء ويختار، فيخشاه ويتقيه:}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[183]{[سورة البقرة].

     

    والتقوى هي الخوفُ من الجليل،والعملُ بالتنزيلُ،والقناعةُ بالقليل،والاستعدادُ ليوم الرحيل، ومن حقق التقوى؛ شعر بأن حياته كلَّها ملك لله تعالى، نعم، هذه حقيقة التقوى !! أن تطيع الله بكل جوارحك.

    فهل يكون متقياً، من يصوم بطنه عن الطعام، ولا تصوم عينه عن النظر الحرام، ولا سمعه عن السماع الحرام، ولا يصوم لسانه عن الآثام؟!

    هل يكون متقياً، من يجمع الثواب في النهار، ثم يحرق ذلك في الليل، بأغنية ماجنة، ورقصة فاتنة، يزينها له شياطين الإنس،

    بل إن شياطين الإنس لم يكتفوا بليل الصائمين،وإنما أشغلوا نهارهم، أصبحت جموع من الصائمين، تتسمر أمام الشاشات في النهار والليل، واكتفوا من الصيام بالإمساك عن الطعام فقط، ولا يستشعرون أنهم وقعوا في الحرام،

     

    عجباً، هل ينكر أحد منا حرمة النظر إلى المرأة الأجنبية، أو حرمة الغناء وآلات الطرب، أو حرمة النظر إلى ألعاب السحر والشعوذة، بل تعرض على الناس برامج، إذا تأملت فيمن أنتجها وصاغها، بل وكتب حواراتها، وجدت أكثرهم من الفساق، وشراب الخمور، وأصحاب الشهوات المسعورة، يحاربون الله ورسوله، ويكسبون الأموال.

    لقد تبلدت أحاسيس بعض الناس، حتى صاروا يتقبلون أن ينظروا إلى رجل يحتضن بنتاً شابة،لأنه يمثل دور أبيها، أو يضطجع بجانبها على فراش واحد لأنه يمثل دور زوجها، صرنا نأخذ الأمر بعفوية بريئة، صرنا لا ننكر ظهور المرأة حاسرة متكشفة، تعودنا، مناظر احتساء الخمور، والتدخين، والسرقات، والقتل، والسباب، تقبلنا كل هذا على أساس أنه تمثيل،

     

    أي تقوى تحققها هذه البرامج،إنها والله تقضي على البقية الباقية من الإيمان، بل إنها تتبع ما تبقى في القلب من تقوى وتزيلها.. فهل يليق هذا برمضان، شهرِ الحسنات، والرحمات ؟!

    سبحان الله، أين ليالي رمضان، التي كانت تقضى، بين قارئ للأذكار،ومستغفر بالأسحار، كانت تقضى بين ساجد خاشع، وقائم خاضع، لصدر أحدهم أزيز كأزيز المرجل من البكاء، الكل في هدوء وسكينة، تتنزل عليهم الرحمات، ويباهي الله بهم ملائكته، فجاء التلفاز وأبدلها بالأفلام، والمسلسلات، وجولات المصارعة الحرة، وكرة القدم، والأدهى من ذلك كله،أن يُخدَع الناسُ في رمضان بما يسمى مسلسلاتٍ الدينية، ففي شعبان يظهر الممثل في دور ماجن فاجر، يقبل خليلته ، ويشرب الخمر، فإذا دخل رمضان، رأيته في شخصية أبي بكر وعمر، وخليلته الفاجرة في دور عائشة وخديجة، إن هذا لشيء عجاب!!

     

    نحن لا نلوم هؤلاء، فقد غسلنا أيدينا منهم، لكننا نلوم العقلاء المؤمنين، الذين تستخفهم هذه التوافه فيتابعونها دون نكير، فمن يصفدُ عنا مردةَ شياطينِ الإنس، الذين لا يرونَ لرمضان حرمةً، ولا يرقبون في مسلم إلاًّ ولا ذمة، فيهيئون أسبابِ الرذيلة، بكلِّ خسةٍ ووقاحة !! فبمناسبةِ رمضان،يحي الفنانُ فلان حفلةً غنائية، وتقيمُ فرقةُ فلان مسرحيتهَا الماجنة، ألا شاهتْ تلك الوجوه،ما أجرأَها على انتهاكِ حرماتِ الله !

    كيف يكون حال أحدهم لو أن الله بدل أن يجعله مسلماً موحداً، جعله بوذياً يسجد لحجر، أو جعله من عباد البقر، أو ممن يقولون: الله ثالث ثلاثة، أو يقولون: عزير ابن الله،إن الإسلام الذي هدوا إليه هو خير مما يجمعون، فطوبى لصائم استشعر هذه النعمة، فحقق التقوى، فصام الشهر، واستكمل الأجر، أخذ رمضان كاملًا، وسلمه للملائكة كاملًا ، فلا غيبة، ولا نميمة، ولا أذية للمؤمنين، ولا تقاعس عن صلوات، أو وقوعاً في محرمات، صام فصامت جوارحه وأركانه، قانتًا آناء الليل، طوبى لمن كانوا كذلك، من عُبّاد رب الشهور كلها، بواطنهم كظواهرهم، شوالهم كرمضانهم، الناس في غفلاتهم، وهم في بكائهم، ربانيون لا رمضانيون.

     

    هؤلاء هم الذين يتحقق فيهم قوله صلى الله عليه وسلم: [ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ] رواه البخاري ومسلم .

    وقال صلى الله عليه وسلم: [مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ] رواه البخاري ومسلم .

    ولا شك أن هذا الثواب الجزيل، لا يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط، وإنما لا بد أن يتأدب بآداب الصوم،

    فالصائم المتقي، يحفظ اللسان، كما قال صلى الله عليه وسلم: [مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ] رواه البخاري . وقد كان السلف يحذرون من فلتات اللسان، في غير صومهم فكيف بهم إذا صاموا،؟!

     

     

    كان أبو هريرة رضي الله عنه وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد، وقالوا:' نحفظ صيامنا' . وهذا هو حال العاقل، فلماذا يغتاب الناس فيعطي حسناته لغيره، بل كان بعضهم يحاسب نفسه على الكلام المباح فضلاً عن غيره .

     ومن أفضل الأعمال، في هذا الشهر الكريم: قيام الليل، في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: [مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ] رواه البخاري ومسلم . ومدح الله المؤمنين فقال:} وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا[63]{[سورة الفرقان] .وقد كان قيام الليل دأب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكانوا يستشعرون عظمة ربهم إذا وقفوا بين يديه . وكانوا يجدون في الصلاة خشوعاً، وفي السجود خضوعاً.

     

    ولم يكن العبّاد من الرجال فقط ففي النساء نصيب، فمعاذة العدوية كانت تصلي أكثر الليل، وتقول:'عجبت لعين تنام وقد عرفت طول الرقاد في ظلم القبور، وتبكي' . وكانت حفصة بنت سيرين تسرج سراجها من الليل ثم تقوم في مصلاها، وكانت تقرب كفنها، لتذكر الموت في صلاتها، فتخشع .

    كانوا يركعون ويسجدون، ويصلون ويقومون، حتى صار ذلك لهم عادة، وكانوا في رمضان أشدَّ منهم اجتهاداً، فكان الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه يصلون ثلاثاً وعشرين ركعة، ويختمون القرآن مراراً في رمضان، وفي 'الموطأ' عن ابن هرمز قال:' مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ قَالَ وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فَإِذَا قَامَ بِهَا فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً رَأَى النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ خَفَّفَ' .

    وعن خالد بن دريك قال:' كان لنا إمام بالبصرة يختم بنا في شهر رمضان في كل ثلاث، فمرض فأمنا غيرُه، فختم بنا في كل أربع، فرأينا أنه قد خفف' . وقال السائب بن زيد:' كَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ' فقارن حالهم بحالنا اليوم‍ ‍‍!

     

     

    ومن فضل الله تعالى، أن من صلى التراويح كاملة مع الإمام، فكأنما قام الليلة كاملة، كما قال صلى الله عليه وسلم: [ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ] رواه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وأحمد .

    شهر رمضان هو شهر القرآن، وكان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وكان عثمان رضي الله عنه  يختم القرآن كل يوم مرة، وكان الزهري إذا دخل رمضان، يفر من الحديث ومجالسة أهل العلم، ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن، وكان قتادة في غير رمضان، يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة، وكان إبراهيم النخعي يختم في العشر الأواخر كل ليلة، وفي بقية الشهر في ثلاث.

    وفي رمضان يجتمع الصوم والقرآن،فتدرك المؤمن الصادق شفاعتان يشفع له القرآن لقيامه، ويشفع له الصيام لصيامه، كما صح في المسند أنه صلى الله عليه وسلم قال: [الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعَانِ] .

     

     

    ومن أفضل العبادات في هذا الشهر الكريم: الدعاء، ويستحب في كل وقت، وله أوقات يتأكد فيها: فعند الإفطار، للصائم دعوة لا ترد، وفي ثلث الليل الآخر . ويستحب للداعي أن يتحرى أوقات الإجابة، كما بين الأذان والإقامة، وساعةِ يومِ الجمعة، ودبرِ الصلواتِ المكتوبةِ،وغيرِها. والمرأة فيما ذكرنا شقيقة الرجل، في الحرص على الطاعات، واغتنام الأوقات، 

    ومن أفضل الأعمال في هذا الشهر الكريم: الجود والإحسان، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة، فكم من حسنة إلى منكوب، وصدقة على مكروب، غفر الله بها الذنوب، وستر بها العيوب، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، والصدقة تطفئ غضب الرب، ذكر في 'تاريخ بغداد' أن فقيراً جاء إلى عبد الله بن المبارك، فسأله أن يقضى عنه ديناً عليه، فناوله عبد الله كتاباً،  إلى وكيل ماله،

    فذهب به الفقير، فلما قرأه الوكيل، قال للفقير: كم الدين الذي سألت فيه عبد الله أن يقضيه عنك؟ قال: سبعمائة درهم، فكتب الوكيل إلى عبد الله، أن الرجل سألك أن تقضي عنه سبعمائة درهم، وكتبت له سبعة آلاف، وسوف تفنى الأموال أو فنيت، فكتب إليه عبد الله: إن كانت الأموال قد فنيت، فإن العمر أيضاً قد فني، فأجز له ما سبق به قلمي

     

    .

    والصدقة في رمضان لها صور متعددة: فمنها:

     إطعام الطعام: قال تعالى:}وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا[8]إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا[9]إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا[10]فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا[11]وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا[12]{[سورة الإنسان] . و قال صلى الله عليه وسلم: [ أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ] رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي .

    ومن إطعام الطعام، تفطير الصائمين: وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا] رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي وأحمد .

    ومن أفضل الطاعات الجلوس في المسجد حتى تطلع الشمس، فعنه صلى الله عليه وسلم قال: [مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ] رواه الترمذي . هذا الفضل في كل الأيام فكيف بأيام رمضان ؟

    ومن الأعمال الفاضلة في رمضان: العمرة، ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: [عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً] وفي رواية: [ حَجَّةً مَعِي]

    .

    *   *   *   *   *   *   *   *

    ومن أفضل الطاعات أيضاً، تلك العبادة التي يخلو المرء فيها بربه، يدع الدنيا وراءه، إنها سُنّة الاعتكاف، وقد [كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ كُلَّ رَمَضَانَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا] رواه البخاري .

    والاعتكاف المطلوب، ليس الاعتكاف الذي يجعل المساجدَ مهاجعَ للنائمين، أو مجالسَ للمتزاورين، وموائدَ للأكل، وحلقاتٍ للضحك وفضول الكلام، فهذا اعتكاف لا يزداد به صاحبه إلا قسوة في قلبه، إن الاعتكاف المطلوب، هو الذي تسيل فيه دموع الخاشعين، وترفع فيه أكف المتضرعين المخبتين، إنه الاعتكاف الذي لا يصرف منه لحظة في غير طاعة .

    قال الزهري:'عجباً للمسلمين تركوا الاعتكاف، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله'.

     ولله في كل ليلة عتقاء من النار، فاجتهد أن تكون واحداً منهم !!

     

     

    فرمضان فرصة لمن فرط في صلاته، ليتدارك نفسه، فبين الرجل وبين الكفر، أو الشرك ترك الصلاة، ورمضان فرصة للمدخن أن يتوب، ورمضان فرصة لمن قطع رحمه أن يصلها، ولا يدخل الجنة قاطع، فمن كان بينه وبين أحد من أرحامه، أو أحد من المسلمين، بغضاء أو شحناء، فليسارع إلى الإصلاح، وإذا صامت بطوننا عن الغذاء، فلتصم قلوبنا عن الشحناء،

     إن رمضان فرصة لنا جميعاً، أن نتخلص من ذنوب لعلّ بعضها، تتبعنا إلى قبورنا، نعم، ذنوب تدخل معنا قبورنا، نموت نحن، وتعيش هي بعدنا، تصب علينا السيئات، إنها تلك الذنوب التي يجمعها من ينشر الفساد في الأرض عن طريق بيع أجهزة محرمة، أو فتح مقاهٍ يجتمع فيها الفساق، أو محلات ينشر بها مجلات فاسدة، أو مسكرات ودخان، فمن أعان على هذه المعاصي فهو شريك لأصحابها في الإثم، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة،

     

    قال أبو حامد: طوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه، والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه، مائةّ سنة، ومائتي سنة، أو أكثر، يعذب بها في قبره، ويسئل عنها إلى آخر انقراضها . وقال تعالى:} إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ[12]{[سورة يس] . أي نكتب ما أخروه من آثار أعمالهم، كما نكتب ما قدموه .

     ومن أهم ما ينبغي أن نستغل به هذا الشهر المبارك: نصح الناس، ودعوتهم إلى الله، فقد أقبل الناس على الخير، وانتهى الكثيرون عن معاص كانوا مقيمين عليها فيما قبل رمضان، وكم من عاص كانت توبته في رمضان، بسبب آية طرقت سمعه، أو موعظة أثرت في قلبه، وقد قال صلى الله عليه وسلم : [ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ] رواه البخاري ومسلم .

    وروى الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم  قال: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ] رواه الترمذي والدارمي . ورب كلمة يتكلم بها الداعية، تكون سبب هداية لمن يسمعها، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً، يكتب الله له بها رضاه إلى يوم يلقاه .

     

     

    ولقد دعا صلى الله عليه وسلم; إلى الله في كل مكان، وحال، وزمان، دعا من أحبوه، ومن أبغضوه، ومن أحسنوا معه، ومن آذوه، ولم يكن اهتمامه صلى الله عليه وسلم  مقتصراً على كبار الناس المؤثرين في المجتمع، بل اعتنى بالصغار والكبار، والعبيد والأحرار، فيا أيها الصائمون والصائمات، هل نغتنم أيام شهرنا في ذلك ؟

    إن اغتنمه التجار في التجارة، والممثلون في التمثيل، والمغنون في الغناء، أفلا نغتنمه نحن لهداية الناس، بالابتسامة، والكلمة، والرسالة، والكتاب، والشريط، والدعوة الصادقة، لعل الله تعالى أن يفتح بسببك القلوب .

    وأسأل الله تعالى أن يوفقنا لصيام رمضان وقيامه،إيماناً واحتساباً، وأن يجعلنا ممن يقبل صيامه، ويغفر زلَـلَهُ وإجرامه،

    وأن يمُنّ علينا بالعتق من النيران، والفوز بالجنان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

    من محاضرة:' ربانيون لا رمضانيون ' للشيخ/ محمد بن عبد الرحمن العريفي

    كلمات مفتاحية  :
    دعوة كلمة

    تعليقات الزوار ()