بتـــــاريخ : 10/12/2008 10:04:03 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1208 0


    عِنْدَمَا مَاتَ أخِي

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : د.طارق البكري | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة عِنْدَمَا مَاتَ أخِي
    كنتُ لا أعرفُ معنى الموت.. أسمع عنه من دون أنْ أراه..‏
    فَجْأة.. ودون مقدمات، ماتَ أخي الأكبر مني بثلاث سَنَوات..‏
    في ظهيرة ذلك اليوم، وبعد عودتنا المدرسة.. كنتُ على موعد غداء ‏أخير مع أخي.. الذي كان يتمتع بسُمْرة تزيده وَسَامة وَهَيبة.. ‏
    كانَ بيني وَبينَه مَا بين الإشقاء الصِّغار من مشاكسات ومُناكفات..‏
    في ذلك اليوم.. قرّر أنْ يدخلَ المُطبخ.. ودون أنْ يطلب من أمِّي أيَّة ‏مساعدة.. ‏
    أخذَ عدَّة حبَّات بطاطا.. قشَّرها.. غسلها.. ثمَّ وضعها في المقلى.. ‏
    وببراءة الأطفال جلستُ أنتظر البطاطا المقليِّة.. ‏
    وعندما وضعها أخي - رحمه الله - على الطاولة ليأكّل.. أكلتُ معه.. ‏فلم يعترض.. ولم يسجِّل أيَّة مُلاحظة.. ولا حتى من خلال ملامح ‏وجهه.. فوجئت بذلك.. فأنا أقتحم أشياءه من دون استئذان.. كان ‏صامتاً.. لم يعترض على هجومي على الطبق.. ما أثار فرحي.. ‏وتماديتُ في مشاركته الطبق..‏
    لم يتكلِّم..‏
    فالتهمتُ معظم البطاطا المقليّة بكل شهيّة..‏
    وبهدوء جم.. وبحركات متأنيّة.. قام أخي.. حمل الطبق.. ووضعه في ‏المغسلة.. ثم غسل يديه وفمه.. وذهب إلى غرفته..‏
    في ذلك اليوم.. لم يفتح أخي التلفزيون كعادته.. فقد كان يطيل السهر.. ‏درس قليلاً.. ثم ذهب إلى السرير ونام، وكان ذلك في وقت مبكر، ‏وعادته التأخر على التلفزيون..‏
    سمعتُ أبي يقولُ لأمِّي..‏
    ما به خالد؟
    أذهبي واسأليه لماذا نام باكراً؟؟
    توجهت أمي نحو غرفة أخي.. وكنت قلقة أمثر من
    عادت تقول:لا شيء هناك.. فهو يشعر بالنعاس.. ‏
    ثم قالتْ والقلق في عينيها: له لا تقلق.. وصوتها يوحي بعكس ما ‏تقول..‏
    فلم يقتنع أبي بهذا الكلام..‏
    الوقت مازال مبكراً.. والشمس بالكاد غربت منذ قليل.‏
    وفي صباح اليوم التالي.. نهضتُ كعادتي متكاسلاً أجرُّ حقيبتي جرّاً.. ‏وسرتُ نحو المدرسة وقد نسيتُ كلّ قصة الأمس..‏
    ومَضَّى النَّهار في اللعبِ والمرح.. والدِّراسة..‏
    وعندما عدتُ في الظهيرة.. وجدتُ الطبيب عندنا.. ‏
    ‏"ضربة شمس".. قال الطبيبُ ذلك بكلِّ ثقة.. ووضع له كيس (مصل).. ‏ثم ذهب مطئناً راضياً..‏
    بعد وقت يسير.. جاء عدد من أصدقاء أخي في المدرسة يسألون عن ‏سبب غيابه عن المدرسة.. ‏
    وكان أخي قد غاب عن الوعي تماماً.. ‏
    فوجئ أصدقاؤه.. ‏
    قالوا: لقد وقع خالد بالأمس على رأسه.. ونحن نلعب.. ألم يقل لكم؟؟‏
    كانت صدمة للجميع..‏
    لماذا لم يخبرنا؟؟ ‏
    لماذا لم يقل ذلك؟؟ ‏
    مم كان يخاف.. وما الذي أخافه؟!‏
    وتحول بيتنا إلى حركة غير طبيعية.. لم أكن أعرف ما يجري تماماً...‏
    أسرعوا به إلى المستشفى..‏
    وكانت الصدمة الثانية..‏
    الأمرُ غريبٌ.. الدماء تَملأ الرأس.. لماذ تأخرتم؟؟
    كان النزيفُ قد أتلف الرأس كله..‏
    بذلَ الأطباء وسعهم...‏
    لكنَّ أخي رحَل بصمتُ..‏
    رقدَ أخي في المستشفى أسبوعاً كاملاً يعيش على الآلة.. حتى نبضَ ‏القلب مرة أخيرة.. وودع أمي وأبي اللذين لم يتركاه لحظة واحدة ‏بعينين دامعتين ورحل..‏
    قال أبي: فتح عينيه قبل لحظات من موته.. فرحتُ.. وكانتْ فرحةً لم ‏تدُم فترةً طويلةً..‏
    وعادَ أخي إلى البيت محمولاً..‏
    وضعوه على فراشِه للمرَّة الأخيرة.. لنودِّعه..‏
    كان سمرته أشدَّ وسامة من ذي قبل..‏
    تذكرتُ طبق البطاطا.. ‏
    الآن عرفتُ لماذا لم يعترض على اقتحامي لهذا الطبق واستيلائي على ‏معظمه..‏
    لمتُ نفسي..‏
    وبكيت..‏
    عرفتُ الموتَ.. ورأيته..‏
    وانتقلنا إلى المقبرة.. حيث كان الوداع الأخير.. وكانت هذه هي المرة ‏الأولى أيضاً التي أعرف فيها المقبرة..‏
    شاهدتُ الدموع الحقيقية..‏
    شاهدتُ أبي يبكي للمرة الأولى.. وأمي تصرخ من أعماق قلبها..‏
    ودّعته.. قبل أن يغلقوا عليه القبر..‏
    خفت أن أقبله..‏
    أخي الكبير.. صاح وقد وضعوه في قبره.. أن تمهلوا.. دعوني أرى ‏وجهه للمرة الأخيرة..‏
    فرميت بنفسي على مقربة منه.. وألقيت معه آخر نظرة عليه.. ‏
    كانت سمرته تزداد سمرة ووسامة.. ‏
    ذهب طفلاً.. ‏
    سمعت أمي تقول: إن الأطفال لا يعذبون.. وهم مثل العصافير في ‏الجنَّة.. يفرحون ولا يحزنون..‏
    فرحْتُ لأخي بجَنَّته.. لكنَّ أمِّي كانتْ على الدَّوام حزينة..‏
    وكانت أوّل مرَّة أعرف فيها الموت.. وجهاً لوجه.. ‏
    وظل أبي يتساءل دون جواب: ترى لماذا يخبرنا عن وقعته ذلك ‏اليوم؟؟ لماذا؟!!
    كلمات مفتاحية  :
    قصة عِنْدَمَا مَاتَ أخِي

    تعليقات الزوار ()