غير أنهما ، و طوال هذه السنين الطويلة لهما في المانيا ، لم يحدث أن شاهدا مزارعاً المانياً يجر جملاً أو حماراً ، بعد أن حزم على ظهر هذا أو ذاك ، بندك قمح أو شعير .. بعد أن خرجا من المطار يتنزها في وسط المدينة ، حيث كانا يقضيان بعض الوقت ريثما يحين موعد الطائرة ، التي ستقلهم الى لبنان ، بعد طول غياب .
بالنسبة لأبي فواز ، العودة المُظفرة الى الوطن ، يجب أن تكون على الطيران اللبناني ، و هذه لا تحط سوى في فرانكفورت أو روترادم ، فأختار الثانية لقربها من مدينتهم الألمانية .
- صورني قرب الجمل !
قالت المرأة لزوجها ، بعد أن انسلت من قربه لتصطف خلف الراغبين بإلتقاط الصور التذكارية ، مع الجمل الذي بدا وحيد جنسه ، غريب أهله ، فريد عصره ، في ساحة روتردام .
شعر الرجل بحرج شديد و راح يلتفت يميناً و يساراً من حوله ، و قال لزوجته :
- أرجعي يا امرأة من عندك !
حدّث زوجته بصوت خافت كأنه يداري فعلاً شائناً ..
عادت المراة الى جناح زوجها مكسورة الخاطر ، تتبعه . محنية الرأس . فيما مضى هو يسير مسرعاً عن حلقة الجمل .
- ماذا سيقول الناس عنّا عندما نعود ، أننا سافرنا الى بلاد الأجانب ، لنتصور مع جمل ! أمن قلّة الجمال في بلادنا ؟ . هه !
قال لزوجته جاداً و محتداً .
لكنها تمالكت نفسها ، بعدما ابتعدا قليلاً عن الجمع و قالت تناكده :
- ايه ، أين هي الجمال في بلادنا ، ألم ينقطع أصلها هي الأخرى !؟ و أنت نفسك ، ألم تبع الجمل قبل أن نأتي الى هذه البلاد !؟
- بلى ، و إن يكن ، فهذا لا يصح ، كما أن هذا الجمل أشعث و هجين ، رحم الله تلك الأيام ، دعينا ننظر الى الأمام ، هؤلاء القوم ، لم يعرفوا هذه الحيوانات يوماً ، لذا فهم منبهرون بها ، أمّا نحن ، فإنها كانت عندنا ، لذا نتطلع نحن الى ما عندهم .
بدا أنّها لم تسمع كل كلامه ، أو لم تفهم فحواه جيداً ، و أرسلت :
- لقد كان يصبر على شظف عيشنا ، و على خشونة أيامنا ، و قد كان يحمل إضافة الى حصادنا و محصولنا ، كذلك همومنا و شجوننا . الله يسامحك ! فقد كسرت بخاطري.
قالت زوجته كلماتها تلك متأثرة و جادة .
- والله يبدو أنني كسرت بخاطر هذا الجمل الهجين أكثر منك ! فهو يبدو حزيناً بين هذه الجموع التي لا تفقه شيئاً في أمور الجِمال .