التلبية مأخوذة من لب بالمكان إذا أقام به ، والملبي عند الحج أو العمرة يخبر أنه يقيم على عبادة الله ويلازمها ؛ والمراد تلك العبادة التي دخل فيها سواء كانت حجا أو عمرة .
والتلبية سنة عند الشافعي وأحمد ، ورواية عن مالك ، وبها قال ابن حزم .
وقال الأحناف : هي شرط من شروط الإحرام فلا يصح بدونها ، ويقوم مقامها عندهم ما في معناها من الإعلان عن الحج أو العمرة ، من تسبيح أو تهليل أو سوق الهدي ، أو تقليده ، لأن ذلك كتكبيرة الصلاة مع النية .
ومشهور مذهب مالك أنها واجبة ، وفي تركها هدي ، وحكي هذا المذهب عن الشافعي أيضا..
ويسن أن تتصل التلبية بالإحرام (بالنية) عند الشافعي وأحمد ، ويجب الاتصال عند مالك ، ويشترط عند الأحناف ، فمن تركها ، أو ترك اتصالها بالإحرام اتصالا طويلا عرفا فإن عليه فدية عند القائلين ، بالوجوب أو بالشرطية ، إلا إذا انعقد الإحرام بما يغني عنها كالتسبيح وغيره عند الأحناف .
ولفظ التلبية : اللهم لبيك لبيك . لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك والملك . لا شريك لك . وفي رواية : لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك والملك . لا شريك لك . وهي الرواية المشهورة .
وكان عبد الله بن عمر راوي الحديث يزيد مع هذا قوله : لبيك وسعديك ، والخير بيديك . والرغباء إليك والعمل .
متفق عليه
وجاء في رواية جابر مثل ما جاء في رواية ابن عمر ثم قال جابر والناس يزيدون : ذا المعارج ونحوه من الكلام . والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا
رواه أحمد ومسلم
وفي رواية عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في تلبيته : لبيك إله الحق لبيك
رواه أحمد والنسائي
وفي رواية ابن عباس : كانت تلبية النبي صلى الله عليه وسلم : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك والملك . لا شريك لك
رواه أحمد بسند رجاله ثقات .
ومعنى لبيك أجيبك إجابة بعد إجابة ، وهي منصوبة على المصدرية ، والتثنية في هذا اللفظ ليست حقيقية ، بل هي للتكثير والمبالغة .
قال ابن عبد البر : قال جماعة من أهل العلم ، معنى التلبية : إجابة دعوة إبراهيم حين ، أذن في الناس بالحج.. جاء هذا عن عدد من الصحابة والتابعين ، ومثله لا يقال من قبل الرأي
.(هذا) والسنة أن تلبي بأي صيغة من هذه الصيغ الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالاتفاق ، والذي فيه الخلاف هو أن يزيد الملبي من عند نفسه شيئا من ذكر الله تعالى ، فالجمهور على أن الملبي له أن يزيد ما يشاء ، مستدلين ، بما ذكر من زيادة ابن عمر وغيره ، وحكى ابن عبد البر عن مالك . الكراهة ، وهو أحد قولي الشافعي .
والراجح عدم كراهة الزيادة لما تقدم ، ولأن تلبية النبي صلى الله عليه وسلم ليست منحصرة في صيغة ، أو صيغ معينة ، وكذلك أصحابه ، بدليل ما تقدم .
(فائدة) لا يلبي بغير العربي إلا من عجز عن العربية عند مالك والشافعي وأحمد ، وقال الأحناف : تصح التلبية وما يقوم مقامها من ذكر بغير العربية ، وإن أحسنها ، والتلبية لا تكون إلا باللسان ، فلو حرك القلب بها لم يعتد بها .
يستحب رفع الصوت بالتلبية رفعا لا يضر بالملبي ولا بغيره عند الحنفيين ، والشافعي في الجديد ومالك وابن حزم وأحمد ، غير أن أحمد يكره رفع الصوت بها في الأمصار ومساجدها ، ويستحبها في مكة والمسجد الحرام ومسجد منى وعرفة ؛ لأن ابن عباس سمع رجلا يلبي بالمدينة فقال : إن هذا لمجنون ، إنما التلبية إذا برزت .
والمرأة ترفع صوتها كالرجل ، وقال بعضهم لا ترفع المرأة صوتها ، ورد عليهم ابن حزم بأن هذا تخصيص بلا مخصص وساق أدلة على رفع أمهات المؤمنين ، أصواتهن ، وعلى رفع عائشة صوتها بالتلبية ، وذكر أن ما روي عن ابن عباس وابن عمر من أن المرأة لا ترفع صوتها بالتلبية لا يصلح دليلا ؛ لأنه روي بسند ضعيف . والقائلون بأنها لا ترفع قالوا : إن رفع صوت المرأة عموما مكروه وليس حراما ولا عورة .
والدليل على استحباب الجهر بالتلبية حديث السائب بن خلاد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبريل عليه السلام فقال : مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية أخرجه الترمذي وغيره وقال الترمذي : حسن صحيح ، وزاد في رواية : فإنها من شعائر الدين .
يدلك على فضل التلبية وشرفها وعظيم ثوابها هذان الحديثان
الأول : حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه وشماله من حجرأو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا وهاهنا
أخرجه ابن ماجة ، والبيهقي والترمذي والحاكم وصححه
الثاني : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما أهل مهل قط ولا كبر مكبر قط إلا بُشِّرَ . قيل يا رسول الله بالجنة ؟ قال نعم
أخرجه الطبراني في الأوسط بسندين رجال أحدهما رجال الصحيح
ولذا قال العلماء : يستحب الإكثار من التلبية ، والإتيان بها عند الانتقال من حال إلى حال ، فيلبي عقب الصلاة الفرض وكلما ارتفع فوق مكان عال ، أو هبط إلى واد ، أو لقي ركبا ، أو دخل في وقت السحر ، ويجهر بالتلبية كما سبق ولو كان في مسجد ، وإذا أعجبه شيء قال : لبيك إن العيش عيش الآخرة .
على المحرم أن يقوم بالتلبية على الوجه السابق من وقت الإحرام إلى وقت رمي الجمرة الأولى - جمرة العقبة - يوم النحر بأول حصاة ، لأن ذلك هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو القائل : خذوا عني مناسككم وهو رأي جمهور الأئمة والفقهاء .
وإن دخل مكة معتمرا لبى حتى يستلم الحجر الأسود للطواف فيقطع التلبية ، وبهذا قال الأئمة الثلاثة والجمهور ، وقال مالك : إن أحرم بالعمرة من الميقات قطع التلبية بدخول الحرم ، وإن أحرم من الجعرانة أو التنعيم قطعها إذا دخل بيوت مكة ، ودليل الجمهور أقوى .
(هذا) والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التلبية مستحبان وإن كانت الأدلة في ذلك ضعيفة .