كنت بالمطار، والتفتّ و إذا بالنعل بجانبي: كان فوقها قدم وساق، وثوب.....
كانت النعل تتقدم نحوي، فحدقت بها حتى أتأكد من ذلك، ثم مشيت قليلا وأنا ألتفت قائلا لنفسي:
ـ لعلها مجرد نعل عابرة !!
غير أني عندما انحنيت في ردهات المطار الواسعة والباسقة والواضحة، و المضيئة، والنظيفة؛ كانت النعل تنحني على نفس الخط، وتتبعني.
ابتسمت لذلك، وتوقفت، ثم واجهت النعل القادمة، و أخذت أحدق بها:
فُجعت برثاثتها ، و ليونتها الضعيفة، وبالقدم الصغيرة الحافية و المتسخة و المتشققة المدخلة فيها . رفعت بصري قليلاَ ، فبدت ساق سمراء نحيلة ، تنوء بثقل الجسم الضئيل ! ، رفعت بصري أعلى، كان يتعدى المتر والربع: عينان صغيرتان جداً تبحثان دوما عن شيء ما، بهما خجل و لؤم وطمع، وجوع، وجهل أسود كغابات الجنوب. سلطت عيني، فزاغ من جانبي، وبدا ظهره الصغير. تبعته على البلاط اللامع ، و أنا ابتسم لطرقعة النعلين ، وسط هذا البهو الواسع . بعد أمتار التَفَتَ ، وعندما رآني ، أسرع الخطى ، فلحقته حتى اختفى . ذهبت لأشرب القهوة .. ولم يسعفني الوقت حيث دخلنا الطائرة ، وقادتني المضيفة إلى مقعدي في الصفوف الأخيرة .. حيث وجدت بجانبي نعلين رثتين أخريين .
ابتسمت، و أنا أنظر إليه، ومددت يدي و ربطت حزامه، وربطت حزامي:
إلى أين يفرّ الآن، و أنا معه في السماء !
لقد اصطدته .
و انطلق صوتي ضاحكا، و أنا أفكر في كل النعال و الأحذية في الأرض